الإيطالي روبرتو دي ماتيو يعانق المجد مع تشيلسي الانجليزي
في السنوات الأخيرة، بات المدربون الإيطاليون يحققون نجاحات باهرة خارج حدود بلادهم. فقد أصبح معظمهم أغنياء عن التعريف، إذ يكفي ذكر أسماء دي ماتيو ومانشيني وليبي وأنشيلوتي وزاكيروني، حتى يستعرض عليك عشاق الساحرة المستديرة في مشارق الأرض ومغاربها سيرتهم الكروية وأهم محطاتهم في الرياضة الأكثر شعبية على الصعيد العالمي، سواء عندما كانوا لاعبين فوق البساط الأخضر أو بعدما انتقلوا إلى عالم الإدارة الفنية.
ورغم أنهم تخرجوا من المدرسة ذاتها ونهلوا من المعين نفسه، إلا أن لكل أسلوبه الخاص وطريقته في التعامل مع المباريات. فهناك منهم من يجنح للخطط الدفاعية المحضة، وهناك من يميل إلى اللعب الإستعراضي، دون إغفال عنصر الفعالية. والحال أن كل المدربين الإيطاليين يتفقون على هدف واحد لا ثاني له، إذ يجمعون على أهمية النتيجة فوق أي اعتبار آخر.
ولعل روبرتو دي ماتيو يشكل أبرز حالة في هذا الباب. فبعدما تعرض لإصابة بليغة في سن الواحدة والثلاثين، أضطر لوضع حد لمسيرته بشكل مبكر، فقرر بعدها الانضمام إلى عالم التدريب سنة 2008، قبل أن ينضم إلى تشيلسي في يونيو/حزيران 2011، بصفته مساعداً للمدرب الأول، أندريه فيلاس بواس.
وبعدها بتسعة أشهر، عُين "مدرباً مؤقتاً" عقب إقالة زميله البرتغالي، ليضطلع بمهمة إنقاذ موسم كان يبدو كارثياً. وفي ظرف ثلاثة أشهر فقط، ودون أية إمكانية لتعزيز صفوف الفريق، تمكن من إضفاء هوية تكتيكية جديدة على الكتيبة الزرقاء، مستعيناً في ذلك بخبرة اللاعبين المخضرمين، ليقود أبناء قلعة البلوز إلى التتويج بكأس الإتحاد الإنجليزي ولقب دوري أبطال أوروبا، الذي كان مستعصياً على النادي طوال تاريخه التليد، لدرجة جعلت رئيسه الشهير، رومان أبراموفيتش، يضع فيه ثقته الكاملة ويمدد عقده، ليصبح إبن الثانية والأربعين الآمر والناهي في الفريق الأول.
وفي الفترة ذاتها، وعلى بعد 300 كيلومتر فقط من العاصمة البريطانية لندن، حقق إيطالي آخر نجاحاً باهراً مع فريق طال تعطشه للإحتفال بالألقاب. إنه روبرتو مانشيني، الذي استلم دفة مانشستر سيتي في ديسمبر/كانون الأول 2009، ليتمكن هذا العام من قيادة النادي إلى الفوز بدرع بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز، بعدما تمكن من ترويض أسده الهائج ماريو بالوتيللي.
ويجسد مانشيني مثال اللاعب الدولي النموذجي السابق الذي حقق نجاحات باهرة خلال مسيرته فوق البساط الأخضر، قبل أن يعيد الكَرَّة من موقعه الجديد على رأس الإدارة الفنية، بفضل دهائه التكتيكي وحسه الفني وقدرته على إيجاد الإستقرار المنشود وفرض الإنضباط اللازم في فريق يعج بالنجوم، شأنه في ذلك شأن زميله السابق في خط الهجوم جيانلوكا فيالي، الذي تُوّج لاعباً ومدرباً بكأس أوروبا للأندية الفائزة بالكأس وكأس السوبر الأوروبية وكأس الرابطة الإنجليزية.
وبدورها، لم تسلم روسيا من الحمى الإيطالية. صحيح أن لوتشيانو سباليتي يقل شهرة عن البقية، إذ لم يحقق أي لقب خلال مسيرته فوق الملاعب، بينما يقتصر سجله التدريبي مع روما على نسختين من كأس إيطاليا. ومع ذلك، فقد منحه نادي زينيت سانت بطرسبرج الضوء الأخضر سواء في ما يتعلق بالإنتدابات أو بالإدارة أو بالتحضيرات.
ومنذ أن استلم زمام الفريق في ديسمبر/كانون الأول 2009، نجح ابن إقليم فلورنسا في قيادة كتيبته إلى التتويج بدرع الدوري المحلي مرتين، فضلاً عن الفوز بالكأس الوطنية وكأس روسيا الممتازة. ومنذ أن بدأت تظهر ثمار أسلوبه التدريبي القائم على تقوية اللياقة البدنية، ازدادت شعبيته وسط اللاعبين والمشجعين، ليتم تمديد عقده لمدة ثلاث سنوات إضافية.
أما ألبيرتو زاكيروني، الذي أدار أكبر الأندية الإيطالية بين 1983 و2010، فقد سلك وجهة أخرى تماماً. فقبل عامين من الآن، وفي عمر يناهز 57 ربيعاً، قرر هذا المدرب المحنك الإنتقال إلى اليابان لاستلام دفة المنتخب الوطني. وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011، استقبله الإمبراطور أكيهيتو استقبال الأبطال بعدما قاد كتيبة الساموراي إلى الفوز بلقب كأس الأمم الآسيوية، علماً أن الفريق خاض تحت إمرته 19 مباراة متتالية دون تلقي أية هزيمة.
وسيراً على نهجه، قرر المدرب الأسطوري الآخر مارتشيلو ليبي، الرحيل بدوره إلى الشرق الأقصى لخوض أول تجربه له خارج حدود بلاده، عندما تولى إدارة النادي الصيني جوانجزو إيفرجراندي منذ يوم 17 مايو/أيار 2012، بعدما أمضى 28 سنة كاملة في تدريب أكبر الأندية الإيطالية ومنتخب الآزوري الذي فاز معه باللقب العالمي قبل ستة أعوام.
أما كارلو أنشيلوتي، فقد عاد لتجريب حظه خارج البلاد، ولو أنه فضل البقاء في أوروبا هذه المرة كذلك، حيث قبل عرضاً للإشراف على إعادة بناء باريس سان جيرمان، الذي امتلأت خزائنه بالأموال القطرية. ومن جهته، لن يشعر كلاوديو رانييري بالغربة في مقامه الجديد، الذي لا يبعد سوى بعشرات الكيلومترات عن الحدود الإيطالية.
فبعدما تولى إدارة إنتر ميلان ميلانو وروما ويوفنتوس في السنوات الأخيرة، ها هو إبن الستين عاماً ينتقل إلى موناكو حيث أنيطت به مهمة إعادة فريق الإمارة إلى حضيرة أندية الدوري الفرنسي الممتاز.
ولا يمكن الحديث عن المدربين الإيطاليين دون ذكر جيوفاني تراباتوني، إبن الثالثة والسبعين الذي يُعد قيدومهم وقدوتهم ومثلهم الأعلى دون منازع.
فبعدما أمضى سنوات طويلة في التدريب داخل بلاده، قرر لاعب الوسط الدفاعي السابق خوض تجربته الأولى خارج الديار عام 1994، عندما استلم دفة أندية عملاقة من قبيل بايرن ميونيخ وبنفيكا وشتوتجارت، ليتولى سنة 2008 الإشراف على إدارة منتخب جمهورية أيرلندا، الذي أعاده إلى الواجهة الأوروبية في يورو 2012 بعد غياب دام 24 سنة بالتمام والكمال.
ولا شك أن هذه الهجرة الجماعية منحت آفاقاً جديدة للمدربين الإيطاليين، حيث بدؤوا يتخلون شيئاً فشيئاً عن أسلوب كاتيناتشيو التقليدي، الذي يُعتبر نهجاً دفاعياً صرفاً، ليعتمدوا طريقة لعب جديدة تمتزج فيها الفعالية بكرة القدم الهجومية والإستعراضية.
وقد بدأ يتجسد هذا المنهاج الجديد في عمل كل من أنطونيو كونتي، الذي قاد يوفنتوس إلى لقب الإسكوديتو في الموسم المنصرم، وماسيميليانو أليجري مدرب ميلان، والشاب أندريا ستراماتشوني، الذي استلم الإنتر في فترة عصيبة قبل أن ينجح في إعادته إلى سكة الإنتصارات.
ولعل تشيزاري برانديلي هو من تحمل مسؤولية استعراض هذه الفلسفة الإيطالية الحديثة على الصعيدين القاري والدولي، حينما قدم للعالم منتخب الأزوري في حلة جديدة بفضل أسلوب سلس وممتع وصل به إلى نهائي يورو 2012 بكل جدارة واستحقاق.
ساحة النقاش