اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يؤبن سلفه إسحق شامير، الذي توفي مساء أول من أمس، بترديد جملة شهيرة يفتري فيها على الأمة العربية بالقول إن «العرب يريدون رمي إسرائيل في البحر». فقال نتنياهو: «لقد أثبتت الأيام أن شامير صادق في مقولته». وكشف أحد المقربين من شامير أنه كاد يعلن الحرب على العراق سنة 1991.
وسيسجى جثمان شامير اليوم في حرم البرلمان في القدس، ليتسنى للعامة إلقاء النظرة الأخيرة عليه قبل دفنه في مقبرة جبل هرتزل في الجناح المخصص لـ«أبطال الأمة». شغل شامير منصب رئاسة الحكومة من عام 1983 حتى 1984 ثم من 1986 حتى 1992. وكان قبل ذلك رئيسا للكنيست ووزيرا للخارجية. وكان آخر ظهور له على الساحة الدولية عندما شارك في أكتوبر (تشرين الأول) 1991 في مؤتمر مدريد الذي أطلق مفاوضات السلام في الشرق الأوسط. وبعد هزيمة حزبه في الانتخابات التشريعية عام 1992 أمام حزب العمل اكتفى بمنصبه النيابي قبل أن يعتزل العمل السياسي نهائيا عام 1996. وقد عانى في السنوات الأخيرة من مرض ألزهايمر.
وكان شامير، الذي توفي عن عمر يناهز السادسة والتسعين، أشد رؤساء الحكومات الإسرائيلية عداء للعرب وتشددا وتطرفا من الناحية السياسية. لكن بيان نتنياهو حول وفاته قال إن شامير «ينتمي إلى جيل العمالقة الذين أسسوا دولة إسرائيل وحاربوا لحرية الشعب اليهودي».
وتطرق نتنياهو إلى مقولة معروفة، كان شامير يرددها ويختفي وراءها لتبرير رفضه للسلام، يدعي فيها أن العرب أرادوا دائما رمي إسرائيل واليهود في البحر. والمقولة هي: «العرب هم العرب لم يتغيروا، والبحر هو البحر لم يتغير». وخلال جلسة الحكومة الإسرائيلية، أمس، التي استهلت بالوقوف دقيقة حداد على روح شامير، قال نتنياهو: «لقد كان حازما جدا في توجهه ومواقفه السياسية، ولكنه توجه إلى مؤتمر مدريد للسلام».
المعروف أن شامير هو بولوني الأصل، ولد في عام 1915 في مدينة روجيناي، ومنذ طفولته انضم إلى منظمة «بيتار» (شبيبة حزب الليكود اليوم). وقد هجر إلى فلسطين في عام 1935، وبعد سنتين انضم إلى تنظيم «إيتسل»، وهو التنظيم العسكري اليميني المتطرف في الحركة الصهيونية، الذي تمرد على القيادة الصهيونية الرسمية ونفذ عدة عمليات عسكرية ضد البريطانيين. لكن شامير اعتبر «إيتسل» تنظيما «مائعا وليس حازما بشكل كاف». فأقام تنظيما جديدا أكثر تطرفا يدعى «الليحي»، وكان ذلك في سنة 1940. وخلال بضعة شهور اعتقله البريطانيون كإرهابي ولكنه تمكن من الهرب من سجن المزرعة (قرب عكا). وظل هاربا حتى سنة 1946، فاعتقله البريطانيون ونفوه إلى إريتريا. وتمكن من الهرب مرة أخرى وعاد إلى البلاد عشية قيام إسرائيل.
وعلى الرغم من تطرف شامير، فقد اختاره «الموساد» (جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجي) للعمل فيه، وذلك بسبب الإعجاب بحفظه الأسرار وقدرته على الهرب من أيدي السلطات. وظل يعمل فيه حتى سنة 1965، حيث نفذ عمليات كبيرة يقول الإسرائيليون إنها ستظل سرية إلى الأبد، من شدة حساسيتها. فعاد إلى صفوف اليمين الإسرائيلي، المتمثل في حزب «حيروت» (الليكود اليوم). وفي سنة 1974 انتخب عضوا في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي). وعند انتصار اليمين لأول مرة في الحكم، سنة 1977، اختاره مناحيم بيغن ليكون رئيسا للكنيست.
وقد برز شامير في العمل السياسي بنفس التطرف السابق. وقد امتنع عن التصويت حتى على اتفاقيات كامب ديفيد، التي أعقبت زيارة الرئيس المصري، أنور السادات إلى إسرائيل. ولكن هذا لم يمنع بيغن من تعيينه وزيرا للخارجية، سنة 1980. وبعد ثلاث سنوات، على أثر تخلي بيغن عن رئاسة الوزراء واعتكافه في البيت في حالة الاكتئاب الشديد، انتخب الليكود إسحق شامير ليحل محله رئيسا للحزب وللحكومة. وقد تولى مهامه حين كانت إسرائيل غارقة في حالة تدهور اقتصادي ومتورطة في حرب لبنان، فكاد يسقط الليكود في الانتخابات، فأقام شامير حكومة تكتل وطني مع حزب العمل برئاسة شيمعون بيريس. وتبادل كل منهما رئاسة الوزراء لسنتين.
خلال تولي شامير رئاسة حكومة الوحدة الوطنية انفجرت الانتفاضة الفلسطينية، فأمر بقمعها بشكل شرس. وقد كشف وزير الدفاع الإسرائيلي في عهد شامير، موشيه أرنس، أمس، في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية، أن شامير، وخلافا للاعتقاد السائد بأنه قرر ضبط النفس خلال حرب الخليج الأولى، كان على وشك توجيه ضربة عسكرية للعراق ردا على إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، إلا أن الحرب كانت قد وضعت أوزارها قبل تنظيم الهجوم الإسرائيلي.
<!--EndFragment-->
ساحة النقاش