محمد شو

العالم بين يديك

الرئيس السوداني عمر حسن البشير

خارج جامعة الخرطوم تقف شرطة مكافحة الشغب على شاحنات نصف نقل لتراقب شابات يرتدين الحجاب ورجالا يرتدون قمصانا ويحملون كتبهم إلى قاعات الدرس تحت حرارة شمس صيف السودان الحارقة.

قبل ذلك بأقل من أسبوع كان الحرم الجامعي، الذي يقع على بعد بضعة أمتار من مقر جهاز أمن الدولة ساحة معركة. وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع واستخدمت الهراوات لتفريق مئات المحتجين، الذين رشقوا أفرادها بالحجارة.

ولا يتوقع أحد أن تستمر الهدنة الهشة. وبعد أكثر من أسبوع من المظاهرات المناهضة للحكومة التي أذكتها تخفيضات الميزانية وزيادة الضرائب يحصن حكام السودان أنفسهم. ويقول نشطاء وجماعات معارضة إنه تم نشر شرطة مكافحة الشغب وفرضت قيود على تغطية الاحتجاجات في وسائل الإعلام المحلية وألقي القبض على العشرات.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت الاحتجاجات التي نادرا ما يتجاوز عدد المشاركين فيها بضع مئات في المرة الواحدة ستكتسب قوة الدفع التي اكتسبتها انتفاضات الربيع العربي العام الماضي في شمال افريقيا والشرق الأوسط وبالتالي فإنها تمثل تهديدا حقيقيا لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان وللرئيس عمر حسن البشير.

لكن رد الفعل العنيف على المظاهرات يظهر مدى الخطورة على حكام السودان، الذين يسعون جاهدين لاحتواء العديد من حركات التمرد المسلحة فضلا عن أزمة اقتصادية نجمت عن خسارة إنتاج وعائدات النفط من جراء انفصال جنوب السودان العام الماضي.

وفي كلمة ألقاها يوم الأحد بعد يومين من الاحتجاجات الأوسع انتشارا حتى الآن انتقد البشير المحتجين ووصفهم بأنهم حفنة من المحرضين ترفض أغلبية الشعب السوداني اهدافهم.

وقال البشير في كلمته إنه تجول في انحاء العاصمة يوم الجمعة في سيارة مكشوفة ولم يكن هناك شيء، مشيرا إلى أن الناس رحبوا به مكبرين. وأضاف أن من يتطلع الى ربيع عربي في السودان فإنه سيصاب بالإحباط.

وقدم نشطاء يريدون إنهاء حكم البشير المستمر منذ 23 عاما ويشعرون بفرصة سانحة في المشاكل الاقتصادية صورة مختلفة تمام الاختلاف. وجاء في مقال نشره موقع جماعة "قرفنا" وهي احدى الجماعات الناشطة الرئيسية أنه لن يكون هناك مفر من موجة مد الانتفاضة الشعبية.

ورغم ان أحزاب المعارضة الرئيسية بالبلاد منقسمة فإن معظمها أيدت الاحتجاجات للضغط على الحزب الحاكم والمطالبة بانفتاح النظام السياسي وإنهاء الحروب التي تمزق المناطق الغربية والجنوبية من البلاد.

وعرض تحالف للجماعات المتمردة التي تقاتل في هاتين المنطقتين إعلان "وقف استراتيجي لإطلاق النار" اذا تم إسقاط إدارة البشير.

ربما تكون هذه الآمال بعيدة المنال لكن نشطاء تشجعوا يوم الجمعة الماضي حين امتدت المظاهرات خارج نطاق الطلبة الذين هيمنوا عليها ووصلت الى أحياء مختلفة بالخرطوم ومدن أخرى.

ويقول محللون إن نجاح الحركة سيتوقف على ما اذا كان هذا الاتجاه سيستمر. كان نشطاء قد دعوا إلى تنظيم احتجاجات كبيرة في عطلة الأسبوع الحالي وهو ما سيمثل اختبارا كبيرا لصمودهم.

كانت جامعة الخرطوم التي أقام حكام السودان البريطانيون إبان الاستعمار مبانيها المصنوعة من القرميد البني في أوائل القرن العشرين مركزا للعمل السياسي على مدى عقود من الزمن.

ولعبت الجامعة دورا محوريا في الانتفاضات الشعبية التي أطاحت بزعيمين عسكريين منذ استقلال البلاد عام 1956 مرة عام 1964 وأخرى عام 1985.

وتعي السلطات - وكثير من القائمين عليها كانوا نشطاء طلابيين ذات يوم - هذا التاريخ جيدا ولا تجازف مع المظاهرات.

وتم نشر عشرات إن لم يكن مئات من أفراد شرطة مكافحة الشغب لاحتواء الاحتجاجات حتى الصغيرة منها وتم تفريقها بالهراوات والغاز المسيل للدموع قبل أن تكتسب قوة دفع. واشتكى بعض النشطاء على الرغم من نفي الشرطة والمسؤولين مرارا من الافراط في استخدام القوة.

والتزمت وسائل الاعلام المحلية الصمت بشأن المظاهرات باستثناء بث البيانات الرسمية التي تقلل من أهميتها او تلقي باللوم على "عناصر خارجية" في الاضطرابات.

ويقول محللون إن الخيارات السياسية التي تستطيع تحقيق استقرار الاقتصاد او تهدئة حالة الاستياء بشأن التضخم نفدت امام الحكومة لهذا فإنها قد تضطر الى الاعتماد على هذه الاجراءات الأمنية للحفاظ على النظام ولو على المدى القريب على الأقل.

وقال هاري فيرهويفن الباحث بجامعة اوكسفورد والذي تخصص في دراسة الشأن السوداني "يبدو أن النظام ليست لديه أفكار بشأن كيفية استعادة زمام المبادرة السياسية والاقتصادية. الافق الزمني للاعبين الرئيسيين أصبح أسابيع وليس شهورا أو سنوات".

وأظهرت الخطوة التي اتخذتها الحكومة الأسبوع الماضي لخفض الدعم على الوقود وهو ما وصفه وزير المالية بأنه عمل "دولة مفلسة" مدى خطورة الأزمة المالية.

وتفادى الساسة اتخاذ هذا الإجراء لفترة طويلة اذ انه لا يتمتع بشعبية على نطاق واسع لخشية كثيرين من أن يؤدي الى إذكاء التضخم.

ويقول مسؤولون إنهم لم يكن أمامهم من خيار. فالاقتصاد يواجه صعوبات بعد سنوات من الصراع والعقوبات الأمريكية وسوء الإدارة كما أنه تضرر بشدة من جراء انفصال جنوب السودان منذ عام.

وحصلت الدولة الجديدة على نحو ثلاثة ارباع إنتاج البلاد من النفط مما حرم السودان من الجانب الأكبر من المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية والعائدات الحكومية والصادرات.

وكان من المفترض أن يتوصل خصما الحرب الأهلية السابقان إلى اتفاق يسدد الجنوب، الذي لا يطل على بحار أو انهار بموجبه رسوما للسودان ليصدر الخام عن طريق الشمال. لكن البلدين اللذين يقول محللون إنهما يخوضان "حرب استنزاف" لم يستطيعا الاتفاق.

وأوقف جنوب السودان إنتاجه من النفط الخام في يناير كانون الثاني بعد أن بدأت الخرطوم تحتفظ بجزء من النفط بدلا من الرسوم.

وأهملت قطاعات اخرى من الاقتصاد السوداني خلال سنوات الازدهار النفطي مثل قطاع الزراعة فلم تستطع تعويض ما فقد من إنتاج النفط الخام وهو ما لم يترك للحكومة سوى القليل من الموارد لملء فجوة في التمويل العام تقدر بنحو 2.4 مليار دولار.

وبعد أن وجهت محكمة لاهاي الاتهام للبشير منذ عام 2009 بارتكاب جرائم حرب في دارفور ورفضه بوصفه اتهاما سياسيا يجد السودان نفسه معزولا دبلوماسيا واذا كان الحلفاء بجامعة الدول العربية يساعدون سرا فإن هذه المساعدات محدودة نوعا ما.

وفي مقابلة الاسبوع الماضي قال صابر حسن رئيس القطاع الاقتصادي بحزب المؤتمر الوطني إن إلحاح الوضع الاقتصادي نجح في بلورة التوافق السياسي اللازم داخل الحزب لاتخاذ إجراءات تقشفية.

وقال إنه يجب بدء هذه الإصلاحات في هذا التوقيت مشيرا الى أنه اذا لم يتم اتخاذ هذه الخطوة في هذا التوقيت فإن التدهور سيستمر.

والإجراءات الجديدة التي تنطوي على خفض الدعم على الوقود بنحو الثلث وزيادة الضرائب وتقليص البيروقراطية الحكومية تهدف الى خفض العجز المتوقع في الميزانية من نحو ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الى ثلاثة في المئة تقريبا.

وقال حسن إن الهدف هو احتواء التدهور واستعادة الاستقرار السياسي وتمهيد الطريق لنمو مستديم.

غير أن نشطاء وجماعات معارضة يشيرون الى فقد النفط بوصفه أحد عوامل التراجع الاقتصادي للبلاد. ويقولون إنه لولا سوء الإدارة والفساد والإهمال على مدى سنوات لما تدهور الوضع الى هذا الحد.

ولم يثبت زعماء البلاد حتى الآن أنهم قادرون على اتخاذ قرارات صعبة خاصة على صعيد خفض الإنفاق الكبير الذي يقدر أنه يوجه لقطاعي الأمن والدفاع والحكم المحلي.

وقالت عابدة يحيى المهدى الخبيرة الاقتصادية السودانية ووزيرة الدولة السابقة بوزارة المالية إنه اذا أجريت الإصلاحات من اجل التوصل الى توافق سياسي فإنه يمكن حينئذ وقف التراجع الاقتصادي.

وأضافت أنه اذا لم يتغير شيء على الساحة السياسية وأرادت الحكومة استمرار الوضع الراهن فإن الاقتصاد سيشهد المزيد من التدهور بغض النظر عن إجراءات التقشف. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 45 مشاهدة
نشرت فى 30 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,459