محمد شو

العالم بين يديك

جواد البشيتي

إذا لم يُرْتَكَب خطأ كبير من قبيل إفساد "أو إبطال" فوز مرسي بشيءٍ من الأحكام القانونية والدستورية، أو إطالة المسافة بين مرسي وبين شغله منصب الرئيس، أو تعريضه إلى ما يمنعه من تَبَوُّؤ منصبه، فإنَّ الخطوة الأولى التي ينبغي للفائز مرسي أنْ يخطوها هي أنْ يؤدِّي، وأنْ يُصِرَّ على تأدية، اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب المُنْتَخَب، الذي حُلَّ، لا أمام المحكمة الدستورية العليا.

مجلس الشعب المُنْتَخَب يجب أنْ يجتمع، ويمارِس عمله، وكأنَّ شيئًا لم يكن؛ فحُكْم المحكمة الدستورية العليا ببطلانه القانوني إنَّما هو حُكْم غير شرعي، وغير دستوري، وغير قانوني؛ ولا بدَّ أيضًا من إعلان وتأكيد أنْ ليس من حقِّ المجلس العسكري الأعلى استرداد سلطة التشريع.

وينبغي لـ"الجمعية التأسيسية الجديدة" أنْ تجتمع فورًا، وأنْ تُسْرِع في إعداد مشروع الدستور الجديد للبلاد، ليُسْتَفْتى فيه الشعب، في أسرع وقت ممكن؛ فإنَّه لخطأ آخر كبير أنْ يُعْطي المجلس العسكري الأعلى "مع حكومته، حكومة الجنزوري" لنفسه الحق في إنشاء جمعية تأسيسية بديلة.

ولا بدَّ لمشروع الدستور الجديد من أنْ يؤسِّس "دستوريًّا" للدولة المدنية الديمقراطية، ويُعيِّن ويُحدِّد صلاحيات وسلطات واختصاصات "الرئيس" و"الحكومة" و"البرلمان" و"القضاء"، و"يُدَسْتِر" وَضْع الجيش بما يجعله متوافِقًا مع مفهوم "الدولة المدنية الديمقراطية".

وأحسبُ أنَّ خَيْر خيارٍ للرئيس المُنْتَخَب مرسي هو ألاَّ يُمارِس سلطاته وصلاحياته بما يجعله يبدو موافِقًا "ولو ضِمْنًا" على "الإعلان الدستوري التكميلي"؛ وهذا إنَّما يعني أنْ يبقى رئيسًا عاطلًا عن العمل "الذي عيَّنه له المجلس العسكري الأعلى" إلى أنْ يُعْلَن الدستور الجديد "الذي يتضمَّن تعيينًا وتحديدًا لسلطات وصلاحيات واختصاصات الرئيس".

وهذا الذي قُلْت لا يتعارض، بل يتوافَق تمامًا، مع الاستمرار في مطالبة المجلس العسكري الأعلى الحاكم بنقل السلطة التنفيذية "كلِّيًّا" منه إلى السلطة التنفيذية الجديدة التي يتقاسمها الرئيس "في طريقة ما، ومؤقَّتًا، وبموجب تشريع يُصْدِره مجلس الشعب" مع الحكومة التي تَخْلف حكومة الجنزوري.

وكانت حكومة الجنزوري التي أنشأها وأقامها "المجلس العسكري الأعلى" يدًا له، تَعْمَل بما يأمرها به، جاعلًا إيَّاها سلطة غير خاضعة للبرلمان الجديد المنتخَب؛ أمَّا هذا البرلمان فقد حِيل بينه وبين أنْ يمارِس سلطاته وصلاحياته، فبدا للشعب هيئة، أو مؤسَّسة، عاجزة، لا حَوْل لها ولا قوَّة.

ولقد لَعِبَ "المجلس العسكري الأعلى" لعبة إصدار "الإعلانات الدستورية"؛ وكان يَعْلَم "العوار الدستوري" الذي اعترى الانتخابات البرلمانية؛ فلمَّا اقتربت الساعة أيْقَظَ "المحكمة الدستورية العليا" من نومها العميق، فـ"اكتشفت" هذا "العوار الدستوري"، وحَكَمت بالبطلان القانوني لمجلس الشعب المنتخَب؛ ثمَّ أمَر بتنفيذ هذا الحُكْم.

أمَّا إذا تمرَّد "الرئيس" مرسي، وعصى، فلا مانِع يمنع "المجلس العسكري الأعلى"، عندئذٍ، من إيقاظ "المحكمة الدستورية العليا" من نومها الذي عادت إليه، فَتَحْكُم بالبطلان القانوني لانتخابات الرئاسة كلها، أو لجولة الإعادة، أو لانتخاب مرسي نفسه.

لقد ضربوا صفحًا عن "إرادة الشعب"، التي منها جاء وانبثق "البرلمان"، أو "مجلس الشعب"، والتي يتواضعون جميعًا على أنَّها "مَصْدَر" السلطات جميعًا، مُوَلِّين وجوههم شَطْر هيئة، أو مؤسَّسة، قانونية، تَعْلو، ولا يُعْلى عليها، هي "المحكمة الدستورية العليا"، التي سكتت دهرًا، ثمَّ نطقت كُفْرًا.

أين كانت هذه المحكمة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي أدْمَن العَبَث بالدستور، ومسخه مسخًا يَعْجَز سَحَرَة فرعون عن الإتيان بمثله؟!

في كلِّ مجالس الشعب التي عرفها عهد مبارك لم يَروا من "عوار دستوري" في أسلوب، أو قانون، انتخابها، فيتَّخِذونه سببًا "لا ريب فيه" للحُكْم ببطلانها القانوني، ولِحَلِّها من ثمَّ.

لقد سَهُلَ عليهم أنْ يَروا، وبـ"العَيْن المُجَرَّدة"، عوارًا دستوريًّا في طريقة انتخاب "مجلس الشعب"، فاستسهلوا تجريد "المجلس" من "شرعيته "الدستورية""؛ لكن شَقَّ عليهم أنْ يَروا، ولو بالمجهر، عوارًا دستوريًّا في حُكْم "المجلس العسكري الأعلى" للبلاد؛ فـ"الدستورية "والشَّرْعيَّة"" بعينها أنْ يَحْكُم هذا "المجلس"، ويستمر في الحُكْم، بتكليف من "الرئيس المخلوع"، وأنْ يَجْمَع فيه بين "جمعية تأسيسية" تَكْتُب مشاريع دستورية "على هيئة إعلانات دستورية" وبين "المُقِرِّ" لهذه المشاريع، وهو "الشعب".

ليس من عوار دستوري، على ما رأى "الدستوريون"، في أنْ يَنْتَقِل "المجلس العسكري الأعلى"، في إحكام قبضته، من السلطة التنفيذية إلى سلطة إصْدار "الإعلانات الدستورية"، إلى سلطة التشريع؛ وكأنْ ليس من فَرْق دستوري بين أنْ "يتعدَّد الواحد" وأنْ "يُوَحَّد المتعدِّد"؛ فإذا كان "الواحد"، وهو كناية عن "الشعب" بصفة كونه مَصْدَر السلطات جميعًا، يتعدَّد "أو يَتَثَلَّث" في الديمقراطية، وبها، فتتفرَّع منه السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فإنَّ "التعدد "أو المُتَعَدِّد"" هذا يغدو "واحدًا أحدًا" في "المجلس العسكري الأعلى"، الذي لم يَرَ من تناقُضٍ يُذْكَر بين جَعْلِه الرئيس المُنْتَخَب "مرسي" منزوع السلطة وبين إعلانه على الملأ أنَّ "الرئيس" سيمارِس صلاحياته وسلطاته كاملةً؛ فهل من مُعْجِزة أعظم من مُعْجِزة أنْ يحتفظ المرء بالتُّفاحة كاملةً بعدما أكل نصفها؟!. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 28 مشاهدة
نشرت فى 23 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

261,411