عبد الدائم السلامي
فهم الإسرائيليون والأمريكيون مبكرا طبيعة الخطاب المزدوج للإخوان المسلمين. ها هم يتصرفون مع مصر على هذا الأساس.
انتقدت جماعة الإخوان المسلمين في بيان لها صادر يوم 18 يونيو 2012 سعي المجلس العسكري، من خلال إصداره الإعلانَ الدستوري المكمّل الخانق لصلاحيات الرئيس، إلى اغتصاب سلطة التشريع وسلطة تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور لأنه "سيختارها ممن يرضى عنهم لوضع دستور على هواه، ويملك من ثمة حق الاعتراض على أعمالها، وقد يستخدمها في استمرار بقائه في السلطة لأجل غير محدود".
والمعلوم أنّ توقيت حلّ البرلمان المصري دون اعتبار لشرعية صلاحياته التشريعية والرقابية التي اُنتُخَب لها من قِبل أزيد من 30 مليون مصري، والقول ببطلان أمر العزل السياسي لأفراد النظام المخلوع قُبيلَ جولة انتخابات الإعادة التي فاز فيها مرسي، بحكمةِ حكيم، على منافسه شفيق، إضافة إلى ظهور الإعلان الدستوري المكمّل بالجريدة الرسمية مباشرة قبل إعلان نتيجة الانتخابات، وتأكيد نبأ موت مبارك سريريا ونفيه في ذات الحين، والدعوة إلى قيام مليونية شعبية بمشاركة أغلب التيارات الحزبية لاستكمال حماية الثورة من العابثين بأحلامها، كلّ هذه الأحداث المتسارعة تحمل إشارات دالّة على أن شيئًا مّا يُدبّره المجلس العسكري الحاكم الفعلي لمصر الآن في واضحة النّهارٍ لفرض هيمنته "التاريخية" على المشهد السياسي بالبلاد والنفخ في أرواح الموتى من أتباع مبارك بعد أن نَجَّتْهم بأجسادهم السياسيّة، في ما سُمّي بـ"محاكمة القرن"، جناياتُ القاهرة، برئاسة المستشار أحمد رفعت، من عنف الثورة، وأسّست لعودتهم إلى الحياة الحزبية المصرية مرفوعي القامة.
ولا يمكن أن نقبل ببراءة تزامن هذه لأحداث دون أن نطرح مجموعة من الأسئلة منها خاصة: ما الذي جعل المجلس العسكري يشدّد قبضته على المشهد السياسي منذ انطلاق ثورة 25 يناير؟ وهل أنّ تدخّله نابع من إيمانه بضرورة حماية الثورة أو هو لا يزيد عن كونه تحقيقًا لإملاءات خارجية إقليمية ودولية نابعة من الخوف من صعود تيارات الإسلام السياسيّ إلى الحكم؟
وللإجابة عن هذيْن السؤاليْن، سننظر أولا في ما سمّي "ازدواجية خطاب الإخوان" السياسيّ في مسألة علاقة مصر بإسرائيل:
• إنّ جماعة الإخوان، ممثّلة بشخص الرئيس مرسي، لم تتهرّب من استحقاقات معاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل في عام 1979، لأن مرسي كان قد أقرّ للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، في حال فوزه في انتخابات الرئاسة الأخيرة، بأنه سيلتزم بجميع بنود هذه المعاهدة، على حدّ ما ذكر عنه كارتر في مؤتمره الصحفي بالقاهرة يوم 26 مايو 2012، وأنه سيكتفي بإدخال تعديلات عليها طفيفة دون إلغائها بالكامل.
• تخلّي جماعة الإخوان المسلمين، في برنامجها الانتخابي بعد ثورة 25 يناير، عمّا كانت أعلنت عنه في في انتخابات مجلس الشورى لعام 2010 من دعوة إلى إعادة النظر في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومن دعمها لشرعية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والأمريكي للعراق، ومن ضرورة مدّ يد العون لهذين الشعبيْن لاستعادة استقلالهما، إذْ خلا برنامجها الانتخابي الأخير "ما بعد الثورة" من كلّ تفصيل في طبيعة علاقات مصر الخارجية بأمريكا وإسرائيل.
واستنادًا إلى ما سبق، وكنتيجة أولى له، نزعم أنّ إسرائيل ومن ورائها أمريكا قد تفطّنتا إلى ازدواجية خطاب الإخوان، وسارعتا إلى تقوية المؤسّسة العسكرية التي يرون فيها استمرارًا لنظام صديقهما مبارك، ودعم سلطاتها السياسية والتشريعية بما يمنحها الحق القانوني في منع الإخوان من استصدار أيّ قانون مناهض لمعاهدة السلام مع إسرائيل في حال فوزهم بالرئاسة.
ولننظر الآن في مواقف الإدارة الأمريكية وساسة إسرائيل من ازدواجية خطاب الإخوان:
• إنّ في دعوة واشنطن لقائد الأركان بالجيش المصري الفريق سامي عنان في أوّل أيّام الثورة، والتي استمرّت من 25 إلى 28 يناير، حيث التقى خلالها بأكبر القادة العسكريين الأمريكيين، إضافة إلى تكتّم الجهات المصرية الرسمية آنذاك عن فحوى هذه الزيارة، ما يُدلّل على تنبّه إدارة الرئيس أوباما إلى انتهاء أجل نظام مبارك، ومن ثمة عجّلت بالبحث لها عن خطة بديلة تحمي بها مصالحها في المنطقة، فسعت إلى تمكين المؤسّسة العسكرية المصرية من التحكّم في زمام الأمور السياسة في حال وصول الإخوان إلى سدة الحكم، وهو ما يحفظ ولاء هذه المؤسسة التاريخيّ لتسهيل المصالح السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
• إنّ في اتفاق أغلب ساسة إسرائيل، وفق ما نقلت صحيفة المصري اليوم بتاريخ 6 مايو 2012 عن وكالة رويترز، على واجب الحيطة من سياسة الإخوان الخارجية وعلى زئبقية مواقفهم، ما قد يُدلّل على عدم ثقة إسرائيل بخطاب الإخوان وتخوّفها منهم. حيث نقلت تلك المصادر على لسان افرايم انبار، رئيس "مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية" التابع لجامعة بار ايلان، قولَه بأنّ ما يُشاع من "أن الإخوان سيصبحون أكثر نزوعا إلى النهج العملي بمجرد وصولهم للسلطة، أمر مشكوك فيه، نفضل النظام القديم الذي يمثله شفيق".
• كما أنّ تنامي امتعاض المصريين من تأثير إسرائيل في توجيه السياسة المصرية، زمن مبارك، نحو وجهات تخدم مصالحها في التضييق على الشعب الفلسطيني واستثمار الثروات المصرية بالثمن البخس على غرار اتفاقية بيع الغاز، وهو ما عبّروا عنه بالتجمهر بالآلاف، خلال ثورة 25 يناير، أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة احتجاجا على مقتل جنود مصريين على الحدود برصاص الجيش الإسرائيلي، ودخول بعضهم إليها والعبث بمحتوياتها، قد يشي بعدم ارتياح إسرائيل لنواتج ثورة مصر على المستوى الشعبيّ، وسعيها إلى المراهنة على "تعقّل" القادة العسكريّين لكي تستعين بهم في لَيِّ العصا بأيدي الإخوان.
• ولعلّ إعلان أمريكا الشديد اللهجة، على لسان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس السيناتور جون كيري، يوم 12 مايو 2012 ما يكشف عن تهديد أمريكيّ حقيقيّ لسياسة الإخوان متى حادت عن طبيعة العلاقة التقليدية بين مصر وأمريكا، حيث جاء فيه قوله إن "المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة إلى مصر تهدف إلى توضيح سياساتها، وأنه إذا جعل الإخوان الأمر مستحيلا حين يقومون باعتماد سياسة لا يمكن أن يقبلها الأمريكيون فساعتها ستكون هناك مشكلة".
وأضاف جون كيري قوله "اذا قاموا فجأة بسحب البساط من تحت اتفاقية السلام مع إسرائيل، أو وضعوا فجأة قوانين مقيدة، واذا أصبحوا غير قادرين على إبرام قرض صندوق النقد الدولي، فإننا ساعتها سنبدأ في التساؤل عما نفعله".
واستنادا إلى ما مرّ معنا، نخلص إلى بعض الملاحظات التي يمكن أن نوزّعها إلى ثلاثٍ:
- في الأولى نزعم أنّه لا حول لأمريكا وإسرائيل في المحافظة على مصالحهما في مصر مثل مساندة سياستهما في مكافحة الإرهاب، ورعاية مصالحهما الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، واستغلال "زعامة" مصر للتأثير في بعض السياسات العربية المُتعنّتة، إلا عبر قناة دعم المؤسّسة العسكرية وجعل يدها فوق أيدي الإخوان، وذلك لكون هذه الأخيرة لا تستطيع أن تضمن استمرارَها إلاّ بالمعونات الأمريكية من الأسلحة والتوجيهات والعتاد وهو ما يبلغ مقداره 1.3 مليار دولار سنويا.
- وفي الثانية نذهب إلى القول بأنه لئن كان فوز الإخوان في الانتخابات البرلمانية وفي انتخابات الرئاسة نتيجةً واضحة من النتائج المباشرة للثورة المصرية، فإنّ سعي المجلس العسكري إلى استصدار أوامر دستورية للتضييق على صلاحيات الرئيس مُرسي من خلال دعمٍ خفيّ، كما مرّ معنا، من السياسة الأمريكية، قد يفنّد الزّعم الكبير الذي تدّعيه أمريكا بأنها تدعم الثورات العربية وتريد لها الانتصار، لأن أمريكا لا تدعم إلا مَصالحها ولا تنتصر إلا لتحقيق مصالح إسرائيل.
- إنّ أيَّ حكومةٍ، من الحكومات التي جاءت بها ثورات الربيع العربي، أو التي ستجيء بها، ومهما كانت إيديولوجيتها السياسية، ما لم تقدّم وعودًا بطاعتها الأمينة للإملاءات الأمريكية في كلّ ما يخصّ منطقتنا العربية، فإنها لَن تُعمِّرَ طويلا في السلطة. <!--EndFragment-->
نشرت فى 23 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
276,748
ساحة النقاش