محمد شو

العالم بين يديك

جواد البشيتي 

في الصراع المحتدم الآن "ومنذ بعض الوقت" في مصر بين "إرادة الشعب"، أيْ ما يريده الشعب، وبين "إرادة العسكر"، أيْ ما يريده "المجلس العسكري الأعلى"، نرى، وفي وضوح أشد من ذي قبل، ظاهرة "الصَّنمية "الوثنية" الدستورية"؛ فـ"النَّص الدستوري "مع تفسيره وتأويله"" الذي يخلقه البشر بأيديهم، ومن "طين مصالحهم"، يغدو متعالياً مستعلياً عليهم، وكأنَّه هبط عليهم من السماء، وأتاهم من "الملأ الأعلى"، فيُقدِّسونه ويَعْبدونه، ولو تمادى، مع أربابه وأسياده، في استعبادهم.

لقد ضربوا صفحاً عن "إرادة الشعب"، التي منها جاء وانبثق "البرلمان"، أو "مجلس الشعب"، والتي يتواضعون جميعاً على أنَّها "المَصْدَر "الواحد الأحد"" لسلطات الدولة جميعاً، وللشرعية "التي لا تعلوها شرعية" في عالَم السياسة والحُكْم، مُوَلِّين وجوههم شَطْر هيئة، أو مؤسَّسة، قانونية، تَعْلو، ولا يُعْلى عليها، هي "المحكمة الدستورية العليا"، التي سكتت دهراً، ثمّه نطقت كُفْراً.

أين كانت هذه المحكمة "التي ألَّهوها بغتةً" في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي أدْمَن العَبَث بالدستور، ومسخه مسخاً يَعْجَز سَحَرَة فرعون عن الإتيان بمثله؟! وأين كانت، وهي التي بدت الآن البصيرة السميعة العليمة، دستورياً، عندما توفَّر الدكتاتور وصَحَبْهِ على خَلْق مجالسٍ للشعب على مثال مصالح لا تَجْتَمع مع المصالح العامَّة، أو مصالح الشعب، إلاَّ كاجتماع الماء والنار، فَرَأيْنا كل "مجلسٍ للشعب" في عهده يتَّسِع للجميع، ولا يضيق إلاَّ بـ"الشعب" فقط؟!

في كلِّ تلك المجالِس لم يَروا من "عوار دستوري" في أسلوب، أو قانون، انتخابها، فيتَّخِذونه سبباً "لا ريب فيه" للحُكْم ببطلانها القانوني، ولِحَلِّها من ثمَّ، فارتضوا العيش زمناً طويلاً في جلبابٍ هو في الأصل لكل شيطانٍ أخرس!

هؤلاء المُوَقَّرون أسبغ الله عليهم نعمة الجَمْع "في شخوصهم" بين صِغَر الرأس وسِعَة الصَّدْر حتى استبدَّ بهم وَهْم أنَّهم سَدَنَة الحقائق الدستورية المُطْلَقَة، لهم آفاق تَتَّسِع لكل شيء، ولا يَسَعها شيء؛ لكنَّهم غابوا غياب البَدْر في الليلة الظلماء "كناية عن عهد الدكتاتور مبارك" فلمَّا تَحَدَّاهم استصغار واحتقار الحاكِم لإرادة الشعب أنْ يَسْتَيْقِظوا، ويُوْقِظوا معهم "ضميرهم الدستوري"، آثروا البقاء في نومهم العميق، وارتضوا الانهزام خياراً؛ ولولا الظِّل منهم، ومن مؤسَّستهم، لَقُلْنا إنَّهم والعَدَم صنوان؛ فَلَم ينتصروا قَطْ لإرادة الشعب ضدَّ إرادة الدكتاتور.

لكن، ما أنْ أوْشَكت إرادة "المجلس العسكري الأعلى الحاكم"، وحلفائه من قوى الثورة المضادة أنْ تُهْزَم شَرَّ هزيمة حتى خرجوا "مع حِسِّهم الدستوري المُرْهَف" من الأجداث سِراعاً، ليَنْتَصِروا لهذه الإرادة ضدَّ إرادة الشعب؛ فيا لها من مهزلة أنْ يُتَّخَذ "الموتى" من رجال الدستور ومؤسَّساته سلاحاً يُقاتِل به المُحْتَضَرون من أجل البقاء!

لقد سَهُلَ عليهم أنْ يَروا، وبـ"العَيْن المُجَرَّدة"، عواراً دستورياً في طريقة انتخاب "مجلس الشعب"، فاستسهلوا تجريد "المجلس" من "شرعيته "الدستورية""؛ لكن شَقَّ عليهم أنْ يَروا، ولو بالمجهر، عواراً دستورياً في حُكْم "المجلس العسكري الأعلى" للبلاد والعباد؛ فـ "الدستورية "والشَّرْعيَّة"" بعينها أنْ يَحْكُم هذا "المجلس"، ويستمر في الحُكْم، بتكليف من "الرئيس المخلوع"، وأنْ يَجْمَع فيه بين "جمعية تأسيسية" تَكْتُب مشاريع دستورية "على هيئة إعلانات دستورية" وبين "المُقِرِّ" لهذه المشاريع، وهو "الشعب". 

ليس من عوار دستوري، على ما رأى "الدستوريون" بعيونهم التي لا تُبْصِر، في أنْ يَنْتَقِل "مجلس طنطاوي"، في إحكام قبضته، من السلطة التنفيذية إلى سلطة إصْدار "الإعلانات الدستورية"، إلى سلطة التشريع؛ وكأنْ ليس من فَرْق دستوري بين أنْ "يتعدَّد الواحد" وأنْ "يُوَحَّد المتعدِّد"؛ فإذا كان "الواحد"، وهو كناية عن "الشعب" بصفة كونه مَصْدَر السلطات جميعاً، يتعدَّد "أو يَتَثَلَّث" في الديمقراطية، وبها، فتتفرَّع منه السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فإنَّ "التعدَّد "أو المُتَعَدِّد"" هذا يغدو "واحداً أحداً" في "مجلس طنطاوي"، الذي لم يَرَ من تناقُضٍ يُذْكَر بين جَعْلِه الرئيس المُنْتَخَب "مرسي" كملكة بريطانيا وبين إعلانه على الملأ أنَّ "الرئيس" سيمارِس صلاحياته وسلطاته كاملةً؛ فهل من مُعْجِزة أعظم من مُعْجِزة أنْ يحتفظ المرء بالتُّفاحة كاملةً بعدما أكل نصفها؟!

إنَّ كلَّ "الشَّرْعيات" في مصر هي الآن دون "الشَّرْعيَّة الثورية" النَّابتة المُزْهِرة في "ميدان التحرير"، وأشباهه من مواقع الحراك الشعبي الثوري. 

حتى "الشَّرْعيَّة" المتأتِّية من "صندوق الاقتراع" هي الآن "و"الآن" هي "ظرف زمان ثوري"" وعلى ما أرى دون تلك "الشَّرْعيَّة الثورية".

في هذا "الميدان" لا "بقرات مقدَّسة"، ولا أصنام وأوثان أكانت من بَشَر وهيئات ومؤسَّسات أمْ من نصوص دستورية؛ و"الميدان" يَعْلَم اليوم، وقد تعلَّم من الأُمُوس، أنَّ "نزيل سجن طرَّة" هو نفسه، تقريباً، الحُرُّ الطليق في "المجلس العسكري الأعلى"؛ ولقد حان للصراع السَّافِر الآن أنْ يذهب "وإلى الأبد" بِوَهْم "الجيش "إذا ما كان "المؤسَّسة العسكرية"" والشعب يَدٌ واحدة"؛ فإنَّهما يَدان، كلتاهما تَعْمَل في اتِّجاه معاكِس ومضاد للاتِّجاه الذي تَعْمَل فيه الأخرى!. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 38 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

261,224