أكدت فاطمة العلي مستشارة الإرشاد الأسري أن الشرود الذهني عند الأطفال مشكلة تبدأ عندما يتعرض الطفل لموقف عصيب تشكل ضغطاً نفسياً عليه، أو موقف صعب أو محزن فلا يجد الطفل ملاذاً من الواقع المرير سوى اللجوء إلى عالم الخيال ونسج قصص تخفف عليه وطأة الواقع. وقالت إنه مع زيادة الضغط ولذة العيش في الحلم، يزداد الانفصال عن الواقع تدريجياً حتى يصبح الطفل غير قادر على إكمال الفروض المدرسية مثلاً أو تلوين لوحة قد شرع بها.
قالت فاطمة العلي الاستشارية الأسرية في أحد المراكز المتخصصة في أبوظبي، إن الأسرة تلاحظ تدني وتدهور مستوى الطفل الدراسي تدريجياً، مع أنه يقضي جل الوقت مدفوناً بين الكتب والفروض المدرسية.
ولا يقضي الوقت كإخوته في مشاهدة التلفاز أو اللعب أو خلافه، وقالت: وإن كان دافناً رأسه بين الكتب، لكن ذهنه مغيب في عوالم أخرى تتغذى على الخيال.
إلى ذلك، تجد مستشارة الإرشاد الأسري في أحد المراكز الخاصة في أبوظبي أن الدماغ دائم الانتباه والتركيز ويتطلب الانتباه توافر ثلاثة عناصر هي اليقظة والتوجيه والتركيز، حيث يعتبر جهاز المنشط الشبكي هو المسؤول عن اليقظة والانتباه في الدماغ.
وأضافت: هو موجود في قاعدة الدماغ ويتحكم بالاستثارة واليقظة، ويعتبر الطريق السريع للمعلومات، وأهم بنية لتنقية المعلومات وتدقيقها وتحديد المثيرات التي يجب أن نركز عليها.
أما تشتت الانتباه فيشير إلى الوضع الذي يتجه منه الانتباه من وضع لا يتلاءم مع المهمات المطلوبة منه، ويظهر ذلك عند كثرة المهام المطلوبة من الطفل إنجازها أو الانشغال بأحداث أخرى غير مهمة وليست لها علاقة بالمهمة المطلوبة.
أسباب شرود الذهن
ومن الأسباب الرئيسية لشرود الذهن، أوضحت العلي أن المشكلة تحدث لأسباب عديدة من أهمها «الإهمال العاطفي»، فالطفل الذي يعاني هذه الحالة يحتاج إلى العاطفة كحاجته للماء والهواء، وهي تساعده أكثر على الانتباه والتركيز بعكس الأطفال الذين يتعرضون للعنف والقسوة والتهديد والضغوطات النفسية، فهم أكثر عرضة لتهديدات شرود الذهن والسرحان، مستندة على دراسة أميركية حديثة.
وتقول، إن عدم تمتع الأطفال بالحنان والحب من جانب الآباء يجعلهم يعانون ضعف القدرة على التركيز وقلة الانتباه.
وأوضحت الدراسة أن ذلك يجعلهم يسلكون سلوكاً غير صحيح، يتصف بالاندفاع وعدم التفكير مما يجعلهم يقعون في الأخطاء كثيراً، ويقومون بأفعال تسبب أضراراً للمحيطين بهم دون مبالاة.
وتتابع أيضاً، يحدث نتيجة «الشعور بالخوف والقلق»، فعدم شعور الطفل بالأمان في الأسرة أو الصف الدراسي، يجعله كثير السرحان، فهو يبحث عن الأمن من خلال التخيل أو أحلام اليقظة ليبحث عن السعادة المفقودة، كذلك عند حصول موقف مرتبط بموقف قد تعرض له مع والديه، فتجده يحلق بذهنه بعيداً، كذلك يرجع إلى «الغضب وسرعة الانفعال»، فعندما يصبح الطفل سهل الاستثارة يغضب لأتفه الأسباب وتزداد حدة انفعالاته، وهنا سوف يُعاني أعراض التوتر المستمر والقلق المزمن وضعف التركيز والإعياء الذهني والبدني.
وأشارت العلي إلى أن المشكلات الأسرية خاصة بين الوالدين هي أيضاً من أهم أسباب شرود ذهن الطفل، فهو يحاول الابتعاد عن هذه المشكلات، وكذلك البعد عن التسبب بأي مشكلة لأسرته أو البحث عن إرضاء والديه فتجده مشتت في الاستجابة للمواقف التي يتعرض لها.
وتضيف، لألعاب الفيديو خاصة التي تحتوى على مشاهد عنف وقوة وقتل ودمار تأثير على الشرود، وهنا على الوالدين تجنب ألعاب الفيديو خاصة التي تحتوي على مشاهد عنف ودمار؛ لأن الطفل لا يتحمل رؤية مثل هذه المشاهد وكثرة مشاهدتها تؤدي إلى الخوف والقلق، وبالتالي شرود الذهن المتكرر، لذلك في المقابل نتيجة هذه الأسباب فإننا بحاجة إي تفاديها لرفع كفاءة التركيز والانتباه لدى الأطفال.
علاج المشكلة
وللتخلص من مشكلة شرود الذهن تنصح العلى الأسرة بالإشباع العاطفي الذي يعد من الضروريات للطفل من خلال إمداده بالحب والاحتضان والقبلة والمسح على الرأس، وهذه تجعل الطفل مطمئنا وبالتالي زيادة الفترة التي يركز فيها معك، وتضيف، إلى جانب الحوار مع الطفل وتفريغ الشحنات العاطفية السلبية كالغضب والقلق والخوف، والتركيز على ألعاب استثارة الذهن، خاصة البازل والفك والتركيب والبحث عن الفروق بين صورتين والمتاهات، مع التشجيع البناء واستخدام الكلمات الإيجابية مثل «تركيزك عالي، أنت ذكي، هيا نزيد قوة المنشط الشبكي»، مع جذب الأطفال عاطفياً أثناء التعلم.
كما توضح العلى أنه من خلال التشويق والإثارة عند تقديم المعلومات، فذلك يجعل الدماغ يفرز مادة النوربينفرين والتي تزيد من قوة تذكر المعلومة وإدراكها، إسماع الطفل نشيدا، فالأناشيد تعمل كمثبتات عاطفية للمعلومات، استخدمي القصص واربطيها بالمعلومات فالدماغ يحب القصص اجعلي الأطفال يختارون الموضوع الذي يريدون التحاور معك عنه.
حالة خاصة
حالة الشرود الذهني ظهرت منذ التاريخ، وعرف بها الكثير من المشاهير مثل الكاتب الأميركي الساخر مارك توين، فقد كتب في مذكراته أنه كان يعاني كثرة الشرود التي تفصله عن الواقع لدرجة أنه في مرة أقل ابنه الرضيع معه في السيارة ونسي النافذة مفتوحة فطارت ثياب الرضيع وتوين غارق في شروده حتى تغير لون الرضيع إلى الأزرق وتوفي بعد أيام عدة.
ساحة النقاش