عبد الإله بلقزيز
أفضل ما يتمناه المرء أن يشهد تكرار هذه الفصول المتعاقبة من الحماسة الدولية والعربية لـ"نصرة" الشعب السوري في ساحة أخرى، وقضية أخرى هي فلسطين، وأن يتمتع بمعاينة أشكال مختلفة من الضغط والإدانة والاستنكار لجرائم النظام الصهيوني، المرتكبة ضد شعب فلسطين منذ أربعة وستين عاماً: سُرِقت فيها أرضُه، وقُتِل عشرات الآلاف من أبنائه، واعتُقِل مئات الآلاف، وشُرد ووُلِدَ فيها الملايين من اللاجئين خارج الوطن... إلخ، وأن يتمتع بمعاينة أشكال الدعم المختلفة للشعب وحركته الوطنية، بما في ذلك تسليح مقاومته لتحرير الوطن، أو حتى للدفاع عن النفس والشعب ضدّ جرائم "إسرائيل".
وليس معنى هذا أن الشعب السوري لا يستحق مساندة في محنة الموت اليومي التي يعيشها، وإنما المقصود أن الذين "صَحَتْ ضمائرهم"، في مجلس الأمن، هُمْ مَن يُغَطّون على مأساة تجري وقائعُها، كل يوم، منذ ثلثيْ قرن، ويطمسونها بتجاهل حقوق الضحية، ودمه المسفوك، وبالتستر على الجلاد، وحمايته من العقاب في مجلس الأمن نفسه. إن موقفهم الأخلاقي ضعيف، بل معدوم، بسبب موقفهم المخزي من قضية فلسطين، وهو يُفْقِد سياساتهم تجاه منطقتنا كل شرعية.
لو أن مجلس الأمن أنفق من الوقت والحماسة عُشْرَ ما ينفقه اليوم من أجل رفع أثقال القهر، والقمع، والموت، والتجويع، والحصار، عن شعب فلسطين، ومن أجل تمتيعه بالحدّ الأدنى من حقوقه الوطنية "بل الحيوانية"، لأمكن أن نقول إن الضمير الأخلاقي لـ"المجتمع الدولي" دبّت فيه الحياة، وأن ما يقوم به اليوم في مواجهة النظام السوري، ينتمي إلى واجب سياسي وأخلاقي إنساني، ويرتكز على قاعدة العدالة في مقاربة مشكلات العالم، وأزماته، ومصائر المقموعين والمضطهدين من أبناء الأرض. لكن سيرته في اعتناق عقيدة المعايير المزدوجة، وحمايته المستمرة للقتلة والمجرمين في الدولة الصهيونية، وإباحته القتْلَ الجماعي في العراق وأفغانستان، تقطع بأنه عن الأخلاق والمبادئ بمعزل، وبأن سياساته التي يسيطر الغرب الإمبريالي على قرارها مدفوعة بمنطق المصالح لا بمنطق المبادئ.
هذه حقائق يعرفُها المبتدئون في تعلم قواعد السياسة الدولية، بل يعرفها عامّة الناس، خاصة ممّن اكتووا بنيرانها. أمّا محاولات تجميل الوجه القبيح لمن يفرضون هذه السياسة شريعةً على البشرية، والإيحاء بأن أمرها بات يستقيم في أرضنا منذ هل هلال "الربيع العربي"، فمآلُها الفشل لأن حبْل الكذب قصير.
ليس عسيراً على المرء أن يرى جانباً آخر من جوانب نشاط مجلس الأمن، ونتائج ذلك النشاط، وثمة عمل لحجب المسألة الوطنية الفلسطينية وإخراجها من التداول الدولي، وإعفاء الكيان الصهيوني من أيّ إحراج من نوع الإحراج الذي سببه مطلب إدارة أوباما بتعليق الاستيطان، قبل أن يَبْلعه الأمريكيون.
ما الذي يعنيه ألا تكون "إسرائيل" موضوع بحث في مجلس الأمن منذ بدأ "الربيع العربي"، قبل عام ونصف العام، على الرغم من أن سياسات الاستيطان بلغت ذروتها، في هذه الفترة، وخاصة في القدس المحتلة؟! هل من راحة يمكن أن يُمَتعَها بها "المجتمع الدولي" أفضل من هذه الراحة التي تنعم بها فيما العالم منشغل بأوضاع أخرى، ولا أحد يعنيه أن تُصَادَر أراض جديدة، ويتكثف الاستيطان في المناطق المحتلة، ويُحَاصر شعبٌ بأكمله، ويتضور جوعاً، ويُعْتقل العشرات من أبنائه كلّ يوم، ويُقَتلَ آخرون؟
وماذا عن عشرات القرارات الدولية ضد "إسرائيل"، ألا تستحق من دبلوماسي واحد أن يطالب مجلس الأمن بوضع هذه القرارات تحت أحكام الفصل السابع؟ ألا يستحق "المجتمع الدولي" ومجلس الأمن أن يدافع عن شرفه، وعن شرف القانون الدولي، في المكان المناسب الذي يُنْتَهك كلّ يوم؟
كي يصدق الناس مجلس الأمن فليلتفت إلى معاناة شعب آخر في المنطقة يُذْبَح منذ ثلثي قرن فيما "الضمير العالمي" خامد... ومتواطئ!. <!--EndFragment-->
نشرت فى 18 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
271,971
ساحة النقاش