ماجد ضيف
أكتب هذا المقال مساء السبت 16 يونيه، وهو كما يعلم القاصي والداني أول يومي جولة الحسم على شغل منصب الرئاسة المصرية التي تجري بين السيدين محمد مرسي وأحمد شفيق، أكتب والمشهد كما يعلم ويشعر الكافة يتسم بمزيج من الضبابية والغموض والتربص، بل والخوف، أكتب لوجه الله آملاً ألا يعرّضني هذا المقال للمساءلة، إذ أنني سأبوح من خلاله بكلمة السر التي أتوقعها لفك طلاسم المشهد الحالي والتي ألمحت لها في مقال سابق نشر منذ عدة أشهر ولكن يبدو لغباء البعض وكبرياء البعض الآخر أن أحدًا لم يستخلص هذه الكلمة من بين السطور!!
وبداية فإنني أحمل الجميع مسؤولية ما وصلنا إليه وما سنصل إليه، شباب الثورة بكل ما فيهم من غباء ومراهقة وتمرد وأنانية سياسية، الإخوان المسلمون وحزبهم والسلفيون وحزبهم ومختلف القوى والفصائل الإسلامية التي شعرت بالكبر والتميز فتعالت عن الشورى وعن مجرد الاستماع لنصائح الآخرين بمن فيهم محبو هذه التيارات ومؤيدوها "والعبد الفقير إلى الله أحدهم"، القوى الليبرالية والعلمانية التي لم تتزحزح عن مطالبها ورغباتها في تقديس ونصرة ما لا ينبغى تقديسه ونصرته من الحريات المحرمة شرعًا والحقوق المجرمة قانونـًا.
أغلب وسائل الإعلام المرئي والمقروء التي بالغت في ريائها وتملقها لشباب الثورة وأفعالهم وردود أفعالهم تجاه مختلف الأحداث التي مرت بها مصر منذ تظاهرات 25 يناير ومرورًا بثورة الشعب في 28 يناير ووصولاً إلى جولة الحسم في الانتخابات الرئاسية، المجلس العسكري وموقفه الشديد السلبية في مواجهة بعض الأخطاء والخطايا التي اقترفتها بعض المؤسسات وبعض الأفراد والتي وصلت إلى حد الإساءة والسب والقذف المباشر والعلني لرموز المجلس ورموز مختلف السلطات، وقد سوقت هذه السلبية على اعتبارها تسامحًا ونبلاً وهي بكل تأكيد ليست هكذا، الأمر الذي أسفر عن احتقان ثم انحراف واضح ومفهوم ومبرر لمشاعر ومواقف أعضاء المجلس تجاه الثورة وشبابها على وجه الخصوص!!
إن شباب الثورة ما من شك في أن التاريخ سيحمد لهم أنهم كانوا ركنـًا أساسيًا ومؤثرًا من أركان الثورة، ولكن نفس التاريخ دون شك سيذكر أنهم كانوا أول من طعن ثورة الشعب وأول من يتحمل ما سينتج عن هذا الطعن من احتمالات قد تصل إلى مواراتها في مقابر الزمن دون مراسم حداد أو حتى مجرد شهادة رسمية بأنها رقم جديد في قائمة الشهداء!!
لقد توقعت المشهد المؤلم الذي وصلنا إليه منذ شهور، توقعته حين بدأ بعض شباب الثورة في تشكيل ائتلافاتهم، توقعته حين تزايد المنضمون إلى طابور تملق هؤلاء الشباب إلى الدرجة التي جعلتهم يصفون ثورة الشعب بأنها ثورة الشباب، توقعته حين قبل بعض مرشحي الرئاسة المثول بين يدي الشاب الصغير وائل غنيم ورفاقه في سلسلة لقاءات لتقييم المرشحين، توقعته حين غفل شباب الثورة عن تطهير أنفسهم قبل أن ينادوا بتطهير مؤسسات الدولة، توقعته حين صارت الميادين حكرًا على بعض المصريين دون البعض وكأنها بقاع محتلة يفرض فيها المحتل شروطه ويملي أوامره، توقعته حين سمحت الدولة بمخيمات الشباب والشابات في أهم ميادين وشوارع العاصمة وحين صارت البلطجة والتمرد ثورية واعتصامًا يكفله القانون، توقعته حين خالف الكثيرين ضمائرهم واتهموا التيارات الإسلامية باختطاف الثورة من صناعها "وهم يعنون الشباب" والحق أن هذه التيارات جاءت باختيار الشعب لتحمل هموم الشعب لا لتسطو على غنائم الثورة لأن الثورة ومؤسساتها لا غنائم فيهما، رأيته حين أسميت أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الشعب ومجلس الوزراء بأنها أحداث ثورية وأن محدثيها ثوار وأن مصابيها أبطال وأن ضحاياها شهداء!!
ثم إننى قد تيقنت من تحقق المشهد المؤلم الذي حل بنا، حينما تصاعدت حناجر الشباب لتهتف بكلمة السر في الميادين والفضائيات الرخيصة الموجهة منذ أشهر "يسقط يسقط حكم العسكر"، "الشعب يريد محاكمة المشير"، "المجلس العسكرى لن ينجو من المحاكمة"!!
حينها تيقنت أن المجلس العسكري "الذي لولاه ما تنحى مبارك عن الحكم" سوف يتخذ قرارًا بإجهاض الثورة، الثورة التي هي حلم كل المصريين، الثورة التي خرجت من رحم الآلام والتضحيات والعذابات والمعتقلات، الثورة التي طالما عارضنا وانتقدنا مبارك ونظامه استدعاءً لها وتحفيزًا عليها، وهنا أتساءل وأدعوكم للتساؤل في تجرد وعقلانية: ماذا كنتم فاعلين لو أنكم في مكان المجلس العسكري؟ هل تقدمون بأيديكم السلاح إلى من يصر على طعنكم به؟ هل تسلمون الحكم لمن تعلمون أن قراره ما هو إلا صدىً لرغبات الميادين والشوارع حتى وإن كانت على باطل وظلم؟! من المؤكد لو أننا أجبنا أنفسنا بتجرد وعقلانية أننا سننهج نفس نهج المجلس العسكري، إذن هل هناك حل لهذه الأزمة؟
كما كنت على يقين بأن المجلس العسكري، رغم مشاعر الولاء لمبارك، قد انحاز للشعب وأجبر مبارك على التنحي، وكما كنت على يقين بأن شباب الثورة هم أفتى بناتها وأعتى هادموها، وكما كنت على يقين بأن الثورة كانت في حاجة ماسة للتطهر الذاتي قبل المطالبة بتطهير الآخر، وكما كنت على يقين بأن التيارات الإسلامية هم أرقى وأنقى وأطهر وأجدر من يمثل الثورة، فأنا بكل الأسف صرت على يقين مماثل ولكنه لا يستند إلى أية معلومات بأن المجلس العسكري والمؤسسات الرسمية من جهة ومختلف القوى الثورية وفي طليعتهم التيارات الإسلامية من جهة أخرى قد صارا على مشارف معركة حتمية لا من أجل مبارك ولا من أجل منصب الرئيس ولا من أجل مقاعد البرلمان وإنما من أجل البقاء!!
لقد كان بإمكان الجميع بمزيد من النضج والحق والتسامح أن يرفعوا ثورتهم وأن يرتفعوا بها ومعها، ولكن بعض شبابها أبوا بسذاجتهم وسطحيتهم وتمردهم وأنانيتهم إلا أن يدفنوا ثورة الشعب في مقابر الزمن وأن يعودوا بمصر ليس فقط إلى عهد مبارك ولكن إلى مرتبة الدول شبه المفلسة، أقولها وأنا أكاد أختنق لقرط ما ألم بي من هموم وغموم!!
وعاشت مصر لنا وبنا وعشنا بمصر ولها. <!--EndFragment-->
نشرت فى 17 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
272,204
ساحة النقاش