محمد شو

العالم بين يديك

authentication required

د. عـادل البياتي*

بين العراق ومصر اليوم مشتركات كثيرة، فكلاهما يعيش أزمة بل أزمات، وتتشابه فيهما الأحوال المأساوية إلى درجة كبيرة، أزمة حكم، وأزمة أمن، وأزمة تخبط في القرارات، وأزمة انعدام ثقة بالقضاء، وأزمة أداء سيئ للنواب المفترض أنهم ممثلو الشعب!، وجاءت تطورات يوم الخميس الماضي لتعمق من هذه المشتركات: فقد كان يوم 14 حزيران الجاري، أسعد يوم في حياة كل من المُتشبِّثيْن بالسلطة "نوري المالكي وأحمد شفيق"، إذ جاءتهما الريح بما يشتهيان، وكان يوم الخميس يوماً حاسماً وفق ما وصفته وكالات الأنباء، والبعض في البلدين سمّاه "يوم انقلاب"..

نوري المالكي أعلن انتصاره على المتربصين به، من سياسيين وبرلمانيين، رافضين لأسلوب إدارته الفاشل، وإحباط مساعي سحب الثقة عنه، حيث لم يتوصل الخصوم لجمع العدد الكافي دستورياً من التواقيع لسحب الثقة، حسبما أعلن ظاهراً، ولكن في حقيقة الأمر أن هناك طرفان مؤثران في المشهد العراقي، رغم تنافرهما الظاهري، إلا أنهما عملا بدأب وجدّ من أجل إفشال مساعي سحب الثقة عن المالكي، ألا وهما "إيران" بكل ثقلها في العراق وكذلك إدارة أوباما، فكلاهما يرفض إزاحة المالكي في الوقت الحاضر.

وقد صدرت تلميحات بل تصريحات كاشفة من الطرفين بتشبثهما ببقاء المالكي على سدة الحكم رغم الاعتراض الشعبي الواسع عليه وعلى أداء حكومته، الذي تجسد في الانهيار الأمني الشامل يوم الأربعاء الدامي الأخير وسقوط مئات القتلى والجرحى ضحايا لتفجيرات في 7 محافظات عراقية.

لقد توالت الأحداث الدراماتيكية في المشهد السياسي المصري لتزيد المشهد المعقد تعقيدات أخرى أشد، فقد أصابت المحكمة الدستورية العليا ملايين المصريين بصدمة شديدة بعدما قضت ببطلان مجلس الشعب، مما يعني حله فورا، وعدم دستورية قانون مباشرة الحقوق السياسية، المعروف باسم قانون العزل السياسي، الأمر الذي يعني استمرار أبرز الفلول الفريق أحمد شفيق في سباق الرئاسة.

وكان البرلمان المصري، المنتخب بعد الثورة، قد أجرى تعديلات على مباشرة الحقوق السياسية، نصت على استبعاد بعض الشخصيات التي شغلت مناصب خلال نظام الحكم السابق لمدى عشر سنوات ماضية. وكان من المفترض أن يطبق القانون، قبل الحكم بعدم دستوريته، على الفريق شفيق، مرشح الرئاسة الذي كان آخر رئيس وزراء للبلاد خلال حكم مبارك مما سمح لشفيق بخوض الدور الثاني للانتخابات الرئاسية المصرية!، وهي خطوة بمجملها يراد منها تفريغ الدولة من الجهات الشرعية التي تمثلها، ليؤدي الرئيس الفلولي المصري القادم يمينه الدستورية أمام المجلس العسكري بدلا من مجلس الشعب!!!.. 

من حق شفيق والمالكي أن يعيشا يوم السعد المشترك بينهما، الخميس 14 يونيو، ويتبادلا التهاني، بيوم الحسم الذي أفشل مساعي الخصوم والمتربصين، مهما كان عددهم ونسبتهم، ففي العراق حمل يوم الخميس يوم السعد للمالكي، معاني الفرحة والنصر على المتربصين، فقد أفشل التدخل الإيراني الضاغط على جلال الطالباني المعروف بارتباطاته الإيرانية، وعلى مختلف أطراف التكتل الشيعي، وبالأخص التيار الصدري الذي كان في البدء يرفع لواء المطالبة بسحب الثقة عن المالكي، إلا أن مصادر صدرية مطلعة كشفت أن موقف زعيم التيار مقتدى الصدر، من رئيس الوزراء نوري المالكي، قد تبّدل بما يزيد من فرص المالكي في البقاء. وأن الصدر بدأ يميل بدلاً من سحب الثقة إلى المطالبة بتطبيق إصلاحات مهمة تزيد من شعبية تياره، أبرزها إطلاق سراح جميع معتقليه، وتسليمه مسؤولية الشرطة الاتحادية والشرطة المحلية ممثلاً في منصب وكيل وزير الداخلية لشؤون الشرطة، فضلا عن منصب رئيس هيئة السجناء السياسيين وهيئة نزاعات الملكية ومناصب إضافية في مواقع وكلاء الوزراء تُمَكِّن التيار الصدري من مدّ نفوذه داخل جسد الدولة العراقية الجديدة.

كما تكَشَّفَت للعراقيين تفاصيل الاتصال الهاتفي الذي أجراه "مقتدى" مع "المالكي" ليهنئه على عقد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في الناصرية جنوب العراق، وفي مسعى واضح لحلحلة الأزمة السياسية من جديد والإتجاه ببوصلة الحراك السياسي نحو التفاهم وتقاسم الغنائم بدل الذهاب الى سحب الثقة وإنهاء مرحلة الدكتاتورية والفساد!!!..

خميس السعد لدى أحمد شفيق ونوري المالكي، لم يكن كذلك لدى جماهير ملايين الشعب في مصر والعراق، فقد كان يوم "الصدمة"، للجماهير المتطلعة لإزاحة الظلم، وإنهاء مرحلة الفساد، وانتظار قدوم العدل والحق والإنصاف، والثأر للشهداء، وبقدر ما صدمت الجماهير بالحدثين المفجعين، فإن أحداث الخميس أعطت جرعة إضافية من الإصرار لدى كل من المالكي وشفيق للمضي قدماً في تشبثهما بكرسي الحكم على حساب الشعب، ودون مراعاة لمصالح أسر الشهداء وللثوار الذين صنعوا نصر يوم 25 يناير بدمائهم وعرقهم وكفاحهم.. فجاءت أحداث يوم الخميس لتطيح بالآمال وتنهي التطلعات المشروعة بغد أفضل للشعب.. وأعتقد أن من حق نوري المالكي وأحمد شفيق أن يتبادلا التهاني في يوم السعد والانتصار، يوم الخميس التاريخي...

ولكما الله يا شعب العراق.. ويا شعب مصر!!


_______________
* كاتب وأكاديمي من العراق <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 37 مشاهدة
نشرت فى 17 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

263,529