أمجد عرار:
إحدى منظمات عد الضحايا في العراق، وهي منظمة غير حكومية، قالت في الأيام الأولى من العام الحالي إن عدد المدنيين الذي سقطوا في أعمال العنف والإرهاب سنة 2011، سجّل ارتفاعاً بالمقارنة مع سابقتها.
ماذا قالت الأرقام التي رأى كثير من المختصين أنها أقل من الواقع؟ قالت إن 4095 مدنياً قتلوا في 2011 بزيادة تقترب من المائة عن السنة التي سبقت. هذا عنى في حينه أن وتيرة القتل في العراق لم تنخفض منذ سنة 2009. وفي ذلك الوقت الذي صدر فيه التقرير قليلون هم الذين توقّعوا تراجعاً في مصائب العراقيين بعد انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي نهاية العام الماضي. لقد فعلت واشنطن كمن يرفع شيئاً بيده ثم يرميه فجأة ويقول إنه تركه وشأنه، لكن الشيء يتحطّم. لا ينتهي تأثير الاحتلال بالانسحاب المادي والبشري لعسكرييه، حتى لو لم يترك سفارة مدجّجة بالقوى العسكرية في عاصمة الرشيد. عندما يخرج الاحتلال في النهار يترك خفافيشه تتحرّك في الليل وتعيث فساداً وامتصاصاً للدماء.
مضت ستة أشهر على خروج العسكريين الأمريكيين من العراق وانكفاء من تبقى منهم في المنطقة الخضراء، وما زالت التفجيرات والخطف والقتل سيّدة الموقف، وآخرها تفجيرات الأربعاء الدامي في ثماني محافظات عراقية راح ضحيتها أكثر من ثلاثمائة وخمسين قتيلاً وجريحاً سقطوا في هذا العراق الذي كان وطناً للعراقيين وأصبح شيئاً يشبه الدولة لكنه لم يبق وطناً، وغير الله تعالى لا يستطيع أحد أن يعلم متى يمكن أن يستعيد الحد الأدنى من مقومات الوطن، إذا قدّر له أن يستعيد.
عقد من الزمان مضى على احتلال العراق بناء على أكبر كذبة عرفها التاريخ، وبدعوى تحريره وتحويله من الدكتاتورية إلى واحة ديمقراطية، فإذا بها شلالات دماء وركام في كل مكان وملايين من الشهداء والجرحى والمعوّقين والمشردين داخل البلد وخارجه، وإذا بالحل الديمقراطي تقسيم ومحاصصة طائفية وألغام فتنة متفجّرة في كل مكان وأي وقت. زعم الغزاة أنهم سيحضرون معهم الأمن والأمان، فأخذوا ما كان موجوداً منه، فأصبح ملايين العراقيين يلزمون بيوتهم مع مغيب الشمس كالدجاج.
عشر سنوات مرّت ونحن نتضرّع إلى الله أن ينقذ العراق مما هو فيه، حتى يعود إلى دوره المحوري في المساهمة في قيادة الأمة العربية ومواصلة الإسهام في الحضارة البشرية التي كان العراق مهداً لها. كان وطناً لشعب، صار مناطق لطوائف. كان بلاد ما بين الرافدين، أضحى بلاداً على أنهار دم. كان نخلة توحّد في اخضرارها جذوراً وساقاً وسعفاً وتعطي رطباً، صار أوراقاً جافة تتلاعب بها الرياح الإقليمية والدولية.
هكذا أكله المستعمرون لحماً ورموه عظماً، وهكذا تركه العرب لمصيره. وإذا ما كان لهذه الصورة السوداء أن تستعيد بياضها، فإن ذلك رهن بأبناء العراق أنفسهم، فهم من دفع ويدفع أثمان مآسي السياسيين والأحزاب والتدخّلات الخارجية البعيدة والقريبة.
أبناء العراق مطالبون بالعودة إلى وحدتهم الوطنية، وإلى نبذ أي خلاف وتفويت فرص الفتنة على المتربصين بالجميع. فالأوطان يبنيها مواطن ينتمي إليها ولا يجرها إلى طائفته ويجيّرها لعشيرته.
أبناء العراق مطالبون الآن وقبل أي وقت مضى بأن لا يتكلّموا إلا لغة الوطن العراقي اليعربي الواحد الذي يتسع لكل طوائفه وأعراقه وأقلّياته. إذا رفض كل عراقي أية خارطة للانتماء تقل عن حدود العراق، وصمّ أذنيه عن كل ناعق بخطاب تقسيمي بغيض ومتخلّف، سيصبح الفتنويون الطائفيون مثل حيوانات جرباء، وسيستعيد العراق كامل صحّته ولياقته. <!--EndFragment-->
نشرت فى 16 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
272,509
ساحة النقاش