صلاح حميدة
تقع الأهرامات إحدى عجائب الدّنيا السّبع في مصر، وبعد محاكمة مبارك ومساعديه رفع أحد المتظاهرين في ميدان التّحرير لوحةً كتب عليها "مصر بلاد العجائب" مثيراً تساؤلات كبيرة حول نزاهة النّيابة العامّة وأجهزة الشّرطة والأمن الدّاخلي، الّتي أخفت المعلومات وأتلفت بعضها بشكل مقصود، ورفضت التّعاون مع التّحقيقات الّتي أجريت لجمع الأدلّة على القتلة.
من المعروف أنّ "موقعة الجمل" كانت الجريمة الأكبر والأوضح الّتي ارتكبها النّظام المصري ضدّ الثّوّار المصريين، وأنّ هذه الجريمة ارتكبت على الهواء مباشرةً، وارتكبها القتلة أمام عدسات الكاميرات وأمام ملايين الشّهود، وكان واضحاً من هو القاتل ومن هو المقتول، وكان واضحاً أنّ أجهزة الأمن والجيش لم تفعل شيئاً للدّفاع عن المعتصمين في الميدان، وتركتهم لعصابات القتلة الّذين قدموا يحملون صوراً لحسني مبارك، وتمّ جمعهم وتحريضهم وتمويلهم من قبل شخصيات من حزب ونظام مبارك أمام النّاس.
سبق المجزرة تهديد للإخوان المسلمين من قبل عمر سليمان مدير المخابرات في حينه، فقد قال لهم إنّ موقفهم المؤيّد للمعتصمين المطالبين بإسقاط مبارك: "سيجعلهم يدفعون الثّمن، وسيتحمّلون المسؤوليّة عن الّذي سيجري!!" وزاد رئيس وزراء مبارك حينها- أحمد شفيق- ساخراً من المعتصمين قائلاً: بأنّه سيرسل لهم "بون بون"؛ وصرّح أحد مفكّري الحزب الوطني "مصطفى الفقي" أنّ وزير الدّاخليّة الجديد محمود وجدي "صاحب نظريّة اقتحاميّة" وليس كسلفه، وبات واضحاً أثر التّفكير الاقتحامي على المعتصمين في ميدان التّحرير حينها، باقتحام فلول الحزب الوطني وتواطؤ وتسهيل وزارة الدّاخلية والجيش لمهمّتهم، ثمّ ثمّن بعدها الفقي دور عناصر جماعة الاخوان المسلمين في الدّفاع عن المعتصمين في وجه القتلة، وما قدّموه من تضحيات في سبيل ذلك.
بدأت سلسلة محاكمات لقتلة الثّوّار في مصر، ومن الملاحظ أنّ غالبيّتها تنتهي بتبرئة المتّهمين رغم أنّ القتلة معروفون للضّحايا وللجمهور وللأجهزة المعنيّة بشكل جيّد، والغريب أنّ مقتل حوالي ألف مصري خلال الثّورة لا يوجد دليل عليه، ولم يقبض على شخص واحد من الّذين قتلوا الثّوّار!!.
الأغرب أنّ أحمد شفيق المتّهم بإخفاء الأدلّة في "موقعة الجمل" وأنّه ووزير داخليّته محمود وجدي لم يفعلا شيئاً للدّفاع عن المعتصمين، وهما هنا يتحمّلان المسؤوليّة مثل تلك الّتي يتحمّلها مبارك والعادلي تماماً، وتتمّ المحاكمة منذ فترة طويلة ويوجد شهود إثبات بالعشرات، وعندما باتت القضيّة على وشك النّضوج، يخرج قاتل الثّوّار "شفيق" باتّهام للمقتولين والمدافعين عن المعتصمين بأنّهم هم من قتلوا أنفسهم!! بل يحيل بلاغاً للنّائب العام بهذا الاتهام، ويدّعي بأنّ المعلومات موجودة لدى عمر سليمان ومراد موافي، مديري جهاز المخابرات السّابق والحالي!!
والسّؤال الّذي يطرح نفسه هنا، إذا كان هذا الكلام صحيحاً، فلماذا لم يلقِ جهاز المخابرات المصريّة القبض على مطلقي النّار على المتظاهرين وهم متلبّسون، خاصّةً أنّ منطقة إطلاق النّار كانت وسط القاهرة وحولها مؤسّسات الدّولة السّياديّة كلّها، وتكون فرصته الذّهبيّة لإدانة الإخوان؟ ولماذا يرفض جهاز المخابرات تسليم أشرطة الفيديو في الميدان وحول المتحف المصري للقضاء حتّى اليوم؟ وبما أنّ سليمان وموافي لهما عداء تاريخي مع الإخوان، فلماذا تستّرا على أدلّة تدينهم لمدّة خمسة عشر شهراً؟ وإذا كانت أجهزة الدّولة المصريّة تقول إنّها تقف على الحياد من المعركة الانتخابيّة، فكيف يتسنّى لأحد المرشّحين معرفة تفاصيل ما كان له أن يعرفها لولا أن يكون أحدهم سرّبها له لاستخدامها في معركة تشويه المرشّح الآخر وإسقاطه شعبيّاً بأيّ ثمن؟.
تعتبر هذه الاتهامات إحدى آخر الأوراق الّتي يلقي بها النّظام السّابق في وجه الإرادة الشّعبيّة، وهي معركة ستزداد شراسةً كلّما اقترب موعد الانتخابات الرّئاسيّة، ومن الواضح أن تهافت هؤلاء لهذه الدّرجة من الاتهامات يدلّ على حجم المأزق الّذي وصلوا إليه، ويعطي تصوّراً عن حجم المشاكل الّتي سيواجهها مرشّح الثّورة إذا فاز في الانتخابات، بل يعطي ذلك مؤشّرات خطر يجب الانتباه لها، لأنّ هؤلاء النّاس وراءهم ما وراءهم، وستكشف الأيّام ما كان مخفيّاً من جرائمهم بحقّ المصريين والعرب. <!--EndFragment-->
نشرت فى 13 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
271,984
ساحة النقاش