د. ليلى بيومي
فور إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية ووصول الفريق أحمد شفيق، مرشح المجلس العسكري ونظام مبارك، شعرت غالبية المصريين أن الثورة في خطر عظيم، خاصة وأن الأصوات التي حصل عليها شفيق كانت قريبة من الأصوات التي حصل عليها المرشح الإخواني د. محمد مرسي، وكانت قرابة الخمسة ملايين ونصف مليون صوت، وهي صدمة لكثير من المصريين الذين كانوا يتوقعون أن يفشل هذا المرشح فشلًا ذريعًا.
كان منطقيًا أن يفشل شفيق، فكيف يختار المصريون مرشحًا استهزأ بالثورة، ووقف ضدها، وفي عهده كرئيس للوزراء ارتُكبت "موقعة الجمل" التي قتل فيها المتظاهرون بتآمر وتخطيط حكومي خائب؟
كيف يختار المصريون مرشحًا لا يحسن اختيار ألفاظه ولا يجيد انتقاء تعبيراته؟ كيف ينتخبونه وهم يعلمون أن مجيئه يعني تعقيد المشكلات في البلاد وليس حلها؟ وكيف يصدقون خطابه الدعائي الساذج بينما سبر أغوار الحقائق يؤكد أنه الاختيار الخاطئ، بل أسوأ اختيار ممكن من بين جميع المرشحين؟
لكن الأمر حدث والشر وقع وانتخب قطاع كبير من المصريين "بإرادتهم الحرة" المرشح الوحيد الذي يناصب ثورتهم المباركة العداء ويقول: للأسف الثورة نجحت!!
شفيق هو الاختيار الخطأ، لأن انتخابه سيؤدي إلى مشكلات جمة ومعقدة داخل مؤسسات الدولة، فلو نجح فهو قادم بخطة للالتفاف على ما تحقق من نجاحات للثورة، والمصريون لن يقبلوا ذلك بحال من الأحوال، فالأمور لم تعد كما كانت في عهد أستاذه ومثله الأعلى الرئيس المخلوع، سيفكر في تقليم أظافر الإسلاميين ولن يتمكن من ذلك إلا إذا استصدر قوانين تدعم توجهه، ولكن سيواجه بعقبة شديدة وهي أن الإسلاميين هم المسيطرون على البرلمان وسيمنعونه من ذلك، عندها ستأخذه العزة بالإثم وستأخذه أحلام الدولة البوليسية إلى حل مجلس الشعب لكي يأتي ببرلمان لا يسيطر عليه الإسلاميون، وعندها ستعاد الانتخابات بسيطرة إسلامية جديدة، لأن في هذه الحالة سيقف الناخب بجوار الإسلاميين لأنهم معتدى عليهم.
الإخوان واعون لذلك تمامًا وهم يتحسبون للاحتمال الأسوأ وهو نجاح شفيق وما سيترتب عليه هذا النجاح، لذلك فهم يعطلون قدر الإمكان تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور التي ستكتب دستور مصر الجديد رغم الضغوط الشديدة عليهم، والسبب في ذلك أنهم يريدون ألا تكتمل اللجنة إلا بعد الانتخابات ومعرفة من هو الرئيس الجديد، فإذا كان هو شفيق فالمؤكد أن الإخوان ومعهم السلفيون سيبذلون ما في وسعهم لكي لا يكون الدستور رئاسيًا، وأن يكون أقرب ما يكون إلى الليبرالية، وأن تكون سلطات رئيس الجمهورية أقل ما يمكن، حتى يتحول شفيق إلى مجرد صورة باهتة لرئيس الجمهورية، لا تسعفه اختصاصاته على تنفيذ ما برأسه من أفكار وما بقلبه من طموحات سوداء.
لعلنا جميعًا نتحدث دائمًا عن ضرورة أن يتفاعل الإخوان مع القوى السياسية الأخرى وألا يخرجوا على الإجماع الوطني، وكتبنا أن الإخوان عليهم أن يطمئنوا الجميع فيما يخص اللجنة التأسيسية للدستور. لكن بعد أن جمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة القوى السياسية والأحزاب من أجل السعي لإصدار إعلان دستوري مكمل يلتف على الإخوان، كأكبر قوة سياسية تمتلك مقاعد في البرلمان، والعمل على تشكيل اللجنة من خارج مجلس الشعب، في مخالفة صريحة للإعلان الدستوري، وفي خطوة التفافية مسبقة على الإخوان لمنعهم من تحديد وتقليل اختصاصات شفيق لو نجح في الانتخابات، بعد كل ذلك يكون مع الإخوان الحق في موقفهم هذا.
وهذه الخطوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بجمع القوى السياسية وتجييشها ضد الإخوان، تأتي في سياق متسق مع مسعاه المستمر منذ نجاح ثورة 25 يناير، وهو العمل على تشويه صورة الإسلاميين، من أجل صرف المصريين عنهم تدريجيًا، مع صنع وحراسة حالة الانفلات الأمني، ومع صنع أزمات الوقود، ثم دعم جميع أجهزة الدولة وأموالها وإعلامها لمرشح المجلس العسكري والنظام السابق، وكذلك منع الإخوان بكل الطرق من تشكيل الحكومة حتى لا ينجحوا في حل مشاكل جماهيرية تعمل على حشد التأييد الشعبي لهم.. والعمل على حصر الوجود الإخواني في البرلمان.. لكي ينقلب عليهم الناخبون الذين صوتوا لهم في الانتخابات التشريعية، وكانت النتيجة هي نجاح مرشح المجلس العسكري ونظام مبارك بالأرقام التي نعرفها.
المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يعد من سلطاته إصدار إعلان دستوري جديد، لأن بمصر الآن مجلس تشريعي منذ شهور، وقد أصدر العديد من التشريعات، لكن سوء النية العسكرية تظهر في معاداة مجلس الشعب ومحاولة تهميشه، وأكبر دليل على ذلك هو أن المجلس العسكري متحالفًا مع لجنة الانتخابات الرئاسية، بعدما دفعها دفعًا لعدم تنفيذ القانون، التف على قانون العزل السياسي الذي أصدره مجلس الشعب، لأن في القلب شيئًا مسبقًا وهو الانحياز الكامل للمرشح أحمد شفيق، والعمل بكل الوسائل والآليات من أجل إنجاحه، وفي نفس الوقت العمل بكل الإمكانات القانونية والسياسية والمالية والإعلامية، من أجل منع وصول الإسلاميين إلى منصب رئيس الجمهورية، فالدولة المصرية الآن بكل مؤسساتها وهيئاتها ووزاراتها وأجهزة مخابراتها وأجهزة إعلامها وبالإيعاز للمحافظين من أجل دفع الجهاز الإداري المصري بالكامل للتصويت في صالح المرشح الذي تهواه قلوب العسكريين.
مخطط المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمساعدة شفيق ومحاربة الإسلاميين، أصبح مكشوفًا ومفضوحًا وفجًا، فبعد إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وبعد الحكم على المخلوع مبارك وأركان حكمه، وهو ما ترتب عليه اشتعال المظاهرات الغاضبة على الحكم في جميع أنحاء مصر، أدرك المصريون أن الانتخابات الرئاسية لعبة خبيثة وغير نزيهة، وأن الحل هو في تطبيق قانون العزل السياسي، وهذا سيغير المخطط الخبيث للمجلس العسكري، عندها خرج علينا عضو بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة يقول: إنه لو قامت في مصر عشرة براكين فلن تؤثر على إجراء جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، وهذه الاستماتة في المضي بالعملية الانتخابية لنهايتها، تؤكد أن القوم مصممون على مخططهم الخبيث، فهم يدافعون عن شفيق بأرواحهم ومهجهم، ولن يدفعهم للتنازل عن مخططهم سوى استمرار الثورة في كل أنحاء مصر، لتجبرهم كما أجبرت رئيسهم المخلوع على الاستجابة للإرادة الوطنية رغمًا عنهم عن أمانيهم الخاصة ومخططاتهم الخبيثة.
ولأن ثورة 25 يناير العظيمة، هي منحة ربانية أفاض بها الله سبحانه وتعالى على المصريين، فإنه بعد أن أصبحت هذه الثورة في خطر حقيقي، وأصبحت مهددة بالموت، لتآمر المجلس العسكري عليها، إذا بالمولى سبحانه وتعالى يحييها من جديد وينفخ فيها من روحه، عن طريق الحكم الذي صدر على مبارك وأعوانه، وهو الحكم الذي أغضب المصريين غضبًا شديدًا بعد أن رأوا نظام مبارك الذي ما زال يحكم سيطرته على البلاد.. يحكم بهذه الصورة على الرئيس المخلوع، والذي من الممكن أن يحصل على براءة في محكمة النقض استنادًا إلى أسباب وحيثيات الحكم.
مسؤولية المجلس العسكري في الحكم الهزيل الصادر على مبارك أنه تحالف مع أجهزة الدولة ومنعها من تقديم الأدلة التي تؤكد مسؤولية الرئيس المخلوع عن قتل المتظاهرين إلى النيابة العامة، وقد شكت النيابة العامة من أن جهاز المخابرات العامة وجهاز أمن الدولة رفضا التعاون معها ومدها بأدلة إدانة مبارك، وكان يمكن للنيابة العامة أن تجبر الأجهزة وتحاكم مسؤوليها لعدم التعاون، ولكن المجلس العسكري كان حاضرًا ويحرس هذه المهزلة، لأنه وعد مبارك بأن زوجته لن يصيبها أذى، وأن ولديه في النهاية ستتم تبرئتهما، وأنه شخصيًا سيخرج سليمًا من القضية، لكن مع بعض الصبر، وتعهدوا له بأن يقيم إقامة فندقية ويقابل كل من يريد ويتوفر له حراسة وأمن على أعلى درجة، وقد نفذوا تمامًا تعهداتهم له.
إذا استمر زخم الثورة المصرية فسوف تصدر المحكمة الدستورية حكمها يوم 14 من الشهر الحالي، أي قبل جولة الإعادة بيومين، بدستورية قانون العزل، وبالتالي إبعاد شفيق عن الانتخابات، وساعتها ستتم الإعادة بين 11 مرشحًا "ليس من بينهم د. عبد المنعم أبو الفتوح الذي أعلن أنه في حالة عزل شفيق وإعادة الانتخابات فلن يدخلها طالما بقيت الأمور بهذه الصورة من سوء الإدارة وسوء النية التي يتبعها المجلس العسكري"، ستكون الثورة قد نجحت في اختيار رئيس مؤمن بأهدافها، وستكون قد نجحت في إبعاد من لا يؤمن بها وبفكرها وبطموحاتها.
أما إذا خفتت جذوة الثورة في ميادين مصر، وإذا غاب التنسيق والتلاحم بين القوى الثورية واستمرت الخلافات بينهم، فسوف تتم جولة الإعادة بين د. محمد مرسي وبين أحمد شفيق، ولكن الأمور ستكون غير الأمور، بعد أن جرت في النهر مياه كثيرة، وستكون فرصة نجاح مرشح الثورة كبيرة، لكن ستظل المخاوف موجودة من المخطط الخبيث للمجلس العسكري، الذي يقوم على التزوير الناعم والهادئ وعلى الدعم الإعلامي الكبير والشامل وعلى الأموال الباهظة التي يتم بها شراء الأصوات لصالح شفيق.
بقي أن نؤكد أن فكرة المجلس الرئاسي التي يرددها المرشحان اليساريان الخاسران: حمدين صباحي وخالد علي، فكرة محدودة لم تحظ بالقبول العام بين القوى السياسية والثورية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وهي فعلًا فكرة يصعب إن لم يكن يستحيل تطبيقها، وسوف تؤدي إلى مشكلات كبيرة، والأفضل منها هي فكرة تكوين قيادة وطنية للثورة، هذه القيادة تشكلت حتى الآن في د. عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وخالد علي، وبقي أن ينضم إليها د. محمد مرسي، لكن عليه أن يستجيب للمطالبات الشعبية والثورية له، بتقديم الضمانات التي تهدئ المخاوف تجاهه، وتجعل القوى الوطنية تجتمع عليه.
من الضروري أن يعلن د. محمد مرسي عن هذه الضمانات، ولكننا في نفس الوقت لسنا مع الشطط والمغالاة في هذه المطالب، التي تتحول عند البعض إلى نوع من فرض الوصاية والإذعان والسيطرة المسبقة، فلو توصل د. محمد مرسي إلى تشكيل مجلس رئاسي به نواب من اتجاهات وطنية ومسيحية مختلفة وكذلك نائبة، وإلى إعلان اسم رمز وطني كبير كرئيس لحكومة وطنية موسعة.. سيكون ذلك هو البداية الصحيحة التي ستجعله الخيار الوطني والأوفر حظًا في جولة الإعادة. <!--EndFragment-->
نشرت فى 12 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
271,984
ساحة النقاش