صالح بن عبد الله السليمان
عجبا للبعض، يغضبون لشيء يجب أن يسعدوا له، ويسعدون لشيء يجب أن يغضبوا له، ويكرهون أشياء جميله، ويحبون أشياء قبيحة!!
لنبدأ القصة من البداية، لا أعلم هل يعرف البعض معنى كلمة "مرجعية" أم لا؟ فأصل الكلمة هي "رجع"، والرجوع هو لعودة ورد الشيء إلى أصله، أو رد الشيء إلى العارف به، ولهذا نسمي بعض الكتب العلمية "مراجع".
ونجد نفس المعنى في قوله تعالى "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" فحين التنازع في أمر يرد إلى القرآن والسنة الصحيحة، إن كنا نؤمن بالله سبحانه وتعالى ونؤمن بأننا سوف نبعث ونحاسب.
إذن المرجعية هنا تعني العودة في حال التنازع. ولكن الغريب أن الكثير يتضايق من هذا، بل يحاربه ليلا ونهارا، وهو يقول أنا مسلم، وأؤمن بالله وبالرسول وباليوم الآخر.
يقبل قيام أحزاب سياسية على أساس مرجعية علمانية، ويقول لا ضير في هذا. ويقبل قيام أحزاب سياسية على أساس مرجعية ليبرالية، ولا يرى ضيرا فيها. ويقبل قيام أحزاب سياسية على أساس مرجعية شيوعية، ولا يرى ضيرا فيها. ويقبل قيام أحزاب سياسية على أساس مرجعية اشتراكية، ولا يرى ضيرا فيها، ويقبل قيام أحزاب سياسية على أساس مرجعية رأسمالية، ولا يرى ضيرا فيها؛ ويقبل قيام أحزاب سياسية على أساس مرجعية قومية، ولا يرى في ذلك ضيرا. يقبل بأي نوع من المرجعية، ولكنه يغضب وتنتفخ أوداجه عندما يسمع عن أحزاب ذات مرجعية إسلامية، فيقف ليحاربها، ويعتبرها أحيانا متاجرة بالدين، وأحيانا يعتبرها عودة إلى الوراء، وأحيانا يعتبرها تخلفا عن ركب الحضارة، ولا أفهم لماذا؟
المرجعية الإسلامية تعني أن يُرجع الحزب السياسي أمور السياسة إلى أمر الله سبحانه وتعالى، وأوامر الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في السياسة قليلة جدا، وهي قواعد عامة، مثل العدل، الإحسان، الشورى، والرأفة بالرعية، وغيرها من أحكام هي غاية في الروعة، وغاية في الرقي والحضارة، ويكفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن أن الإمام الذي يؤم قوما وهم له كارهون لا تقبل صلاته، ففي حديث أبي أمامه مرفوعا "ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا رجل أمّ قوما وهم له كارهون..."، هذه هي أسس المرجعية الإسلامية، فهل نكرهها؟ وهل نحاربها؟
البعض يقول إن من يقول بالمرجعية الإسلامية من أحزاب سياسية هم منافقون، ويتخذون الإسلام وسيلة للحصول على الحكم، وأقول، أما الحكم بنفاقهم، فهو حكم بالنوايا وسرائر الأنفس، وهو غيب لا يعلمه إلا الله ومن قال بهذا فهو كاذب.
أما القول بأنهم يتخذون الإسلام وسيلة للحكم، فأقول، ونِعْم الوسيلة، إن جاؤوا ليحكموا بالعدل والإحسان والشورى، بل نستطيع محاسبتهم في الانتخابات القادمة ونطردهم من الحياة السياسية إذا لم يحققوا ما وعدوا الناس به من مرجعية للقواعد الأصيلة للإسلام، فهي فترة زمنية وتنتهي، فإن لم يقيموا ما في عهدهم للناس، فلن تقوم لهم قائمة مرة أخرى.
البعض يقول، لهؤلاء أطماع سياسية، وأقول، هل من يقول بغير المرجعية الإسلامية ليس لديه أطماع سياسية؟ إذن لماذا نقيم انتخابات ونفاضل بين المرشحين، لو كان الطموح السياسي مكروها ويجب الابتعاد عنه؟ فهذا طموح سياسي وليست أطماعا سياسية، ولا نعيب أحدا بشيء ونقبل نفس الشيء من شخص آخر.
والله إني أتمنى أن يخرج لنا عشرات الأحزاب السياسية على مرجعية إسلامية، أحدها يركز على الجانب الاقتصادي والثاني على العسكري والآخر على الاجتماعي أو العلمي... وغير ذلك من أولويات، ولكن أن نقبل بأي حزب على أي مرجعية ونرفض المرجعية الإسلامية، فذلك والله مخزٍ قبل أن يكون مضحكا.
فالإسلام ضمن للإنسان حريته، وضمن له كرامته، وضمن توازن الحقوق بين أفراد المجتمع، فلا أحد يلتزم بواجبات أكثر من الآخر، أو بحقوق أقل من الآخر، وهذا التوازن هو الذي حفظ حقوق المسيحيين واليهود في العالم الإسلامي، بينما أبيد المسلمون في إسبانيا وفي الفلبين وغيرهما من الدول التي لا تدين بالإسلام، وكلنا يعرف محاكم التفتيش. وليس في الإسلام محاكم تفتيش، وكلنا يعرف صكوك الغفران، وليس في الإسلام صكوك غفران. <!--EndFragment-->
نشرت فى 11 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
272,638
ساحة النقاش