محمد شو

العالم بين يديك

خميس التوبي

ليس غريبًا على الاحتلال الإسرائيلي أن تتناسل أساليب الخداع والتحايل والكذب والمراوغة التي يتبعها في تعامله مع الصراع العربي- الإسرائيلي بوجه عام، ومع الشعب الفلسطيني بوجه خاص، فرحم الاحتلال ولَّادة نظرًا لما تتمتع به من خصوبة عالية تستمدها من البيئة المحيطة بها، ومن الظروف السياسية التي تعيشها المنطقة ومن الوضع الفلسطيني المنقسم، ومن تمكِّنها وتمكينها من قبل حلفائها الذين يعاشرونها مقدمين لها كافة أشكال الدعم العسكري والمالي والسياسي، ليبقى الاحتلال رأس حربة لحماية مصالح هؤلاء الحلفاء الذين يحظون بخصوصية العلاقة الحميمية.

لقد كان رفض الكنيست الإسرائيلي لمشروع قانون لتشريع بؤر استيطانية عشوائية مقامة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية أحد الأمثلة الحية على أساليب التحايل والغش والكذب التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي مع العالم الخارجي ليوحي بأنه ليس ضد السلام، في حين بالمقابل يعتزم طرح مشروع استيطاني كبير في مستوطنات الضفة الغربية ببناء ما يقارب ألف وحدة سكنية. لكن السؤال الذي يبرز: إلى متى سيستمر المحتل الإسرائيلي في الكذب على الشرفاء والأحرار وخداعهم في العالم؟

أن يصف 59 بالمئة في النرويج- حسب استطلاع للرأي- من يوصفون بـ"المتدينين" الإسرائيليين بأنهم متطرفون، وأن يقول 55 بالمئة إن الكيان الإسرائيلي لا يريد السلام، وأن يقول مثلهم في ألمانيا إنهم على قناعة بأن الإسرائيليين مسؤولون عن العنف في الشرق الأوسط، ويجيب 46 بالمئة أن الكيان الإسرائيلي يقوم بجرائم حرب، ويؤكد 48 بالمئة أن الكيان الإسرائيلي كيان متطرف، فإن ذلك مؤشر على وجود صحوة أوروبية، وتغير في المزاج العام الأوروبي، بل ربما تغير في فكرهم الذي بدأ يعي حقيقة ما يجري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلا لما تجرأوا ولجأوا إلى مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بصورة علنية.

من المؤكد أن هذه الصحوة قد فاجأت المحتلين الإسرائيليين وصعقتهم، وحسب خارجية الاحتلال الإسرائيلي فإن وضع الكيان المحتل كارثي وتدهور بشكل غير مسبوق. ومنشأ هذه الصدمة أن تحدث هذه التصدعات بهذه الصورة اللافتة في الجدران الإسمنتية المسلحة والخراسانات الحديدية التي أرسى الاحتلال قواعدها وتعهدها بالمتابعة والصيانة الدائمتين عبر داعميه ومؤيديه وآلته الإعلامية والمالية الجبارة، ومنذ النكبة واغتصاب أرض فلسطين التاريخية وإلى الآن ظل يعمل على تشويه الحقائق وينقل ما يعنُّ له وما يتوافق مع مشاريعه الاحتلالية إلى العالم الخارجي لا سيما إلى شعوب أوروبا والأمريكتين، مصوِّرًا الشعب الفلسطيني الأعزل المنهوبة حقوقه تارة بالوحش الذي يريد أن ينقض على الكيان الإسرائيلي المحتل، وتارة أخرى بالإرهابي الذي يقتل "الأبرياء الإسرائيليين"، وما المجازر التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي المحتل بحق الشعب الفلسطيني سوى دفاع عن النفس.

إن هذا الاستطلاع هو صفعة أخرى يتلقاها الاحتلال الإسرائيلي بعد صفعة الشاعر الألماني جونتر جراس، إلا أن الوضع العربي السياسي والإعلامي- للأسف- لا يساعد على تقوية هذا الوعي وانتشاره، فهو لم يبلغ بعد مرحلة النضج، إذ لا يزال أسير التبعية الأمريكية ويهوى الانبطاح أمامها، فقد تلقى- ولا يزال- ضربات من عصا الذل الأمريكية، فهو غير قادر على قول "لا" ولا راغب في التحرر والاستقلالية، ولعل أبرز مظاهره احتلال العراق، وتدمير ليبيا، وتقسيم السودان، وجارٍ العمل على إلحاق أخراها بأولاها، وهكذا دواليك.

وبدل أن يعمل الإعلام العربي على نقل فظائع الاحتلال الإسرائيلي ومجازره بحق الشعب الفلسطيني وفضح سرقة الأرض الفلسطينية، برع في التحريض ضد دول عربية ونشر الفبركات الإعلامية عنها، بل وتقديم الدعم لإخراج مشاهدها وفق ما يخدم توجهاته. كما أن الوضع الفلسطيني نفسه لا يقل جرمًا في تضييع القضية الفلسطينية جراء الانقسام المفتعل الذي يستخدمه الاحتلال ورقة رابحة في مشاريع تصفيته للقضية.

يبدو أن العرب جميعهم، رسميين وغير رسميين، بحاجة إلى حملات توعية بأن الذي جلب لنا المصائب والدمار وعدم الاستقرار هو الاحتلال الإسرائيلي، وحلفاؤه هم أداته الحقيقية في ذلك، فلا يتدخلون في شؤوننا إلا لتأمين مصالحهم وتمكين الاحتلال سبب بلائنا ونكباتنا. أما الشعوب الأخرى فباتت غير محتاجة منا تذكيرًا ولا توعية. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 34 مشاهدة
نشرت فى 11 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

269,164