محمد شو

العالم بين يديك

د. محمد نور الدين

دخلت تركيا منذ مدة في نقاش لا يتوقف حول ازدياد النزعة الدينية في سلوك النظام الرسمي الذي يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية، وبدأت هذه السجالات مع قول أردوغان سابقاً إن على الدولة أن تنشئ جيلاً متديناً ومحافظاً. واعتبر هذا الموقف انتهاكاً خطيراً لمبدأ العلمنة الذي لا يزال يحكم الدولة في الدستور والقوانين، نظرياً على الأقل.

وقبل أسابيع فتح باب نقاش جديد حول تغيير بنية التعليم وتوزيع مراحل التعليم إلى ثلاث كل منها من أربع سنوات. ويتيح هذا النظام لمن ينهي المرحلة الأولى أن ينتقل إلى معاهد إمام خطيب، ما اعتبر تعزيزاً للتوجهات الدينية في المجتمع بعدما كان ذلك ممنوعاً قبل مرور تسع سنوات من التعليم الإلزامي. كما أن مناهج التعليم الجديدة قد باتت أكثر دينية مع إدخال مواد تتعلق بحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتدريس القرآن.

وآخر عنوان حظي بالنقاش كان معارضة أردوغان للإجهاض كما للولادة القيصرية. وفُسّر جانب من موقف أردوغان حول الإجهاض انطلاقاً من موقف ديني وإن غلّفه بأنه يحدّ من النسل. وقد انضمت رئاسة الشؤون الدينية إلى السجال بإعلان أن الإجهاض في الإسلام جريمة، مؤيدة موقف أردوغان. لكن هذا فتح على رئيس الشؤون الدينية نار العلمانيين الذين اعتبروا موقف رئاسة الشؤون الدينية انتهاكاً للعلمانية والقانون المتعلق بعمل الرئاسة الذي يمنعها من إبداء مواقف سياسية.

في خضم هذا النقاش لفتت الساحة السياسية في تركيا المواقف التي عبّر عنها الباحث التركي المعروف في جامعة بوغازجي الشهيرة فاروق بيرتيك، الذي قدم في حوار مع صحيفة "وطن" على حلقتين مطالعة في ما تشهده تركيا من تحولات فكرية واجتماعية، مختصراً المشهد بأنه "ثورة إسلامية محافظة".

يقول بيرتيك إن حزب العدالة والتنمية "كان يقول في السابق إنه لن يتدخل في نمط الحياة الشخصية للناس. ولكنه نكث بوعده وبات يتدخل في كل صغيرة وكبيرة. واليوم إذ يتدخل في كيفية تعامل المرأة مع ولادة أبنائها فهو سيتدخل غداً في كيفية التعاطي مع رأسها. إذ عندما تتعرض المرأة للزكام في الشتاء فسيقول إن ذلك سببه عدم تغطية الرأس ويدعوها للتحجب".

يقول بيرتيك إن تركيا تعيش موجة راديكالية من التحول أكبر حتى من تلك التي كانت في روسيا السوفياتية. السلطة تتدخل في الخصوصيات. وهي من أكثر الدول تدخلا في الرقابة على أجهزة الإنترنت، وهي الدولة الثانية في العالم بعد الصين في الرقابة على الانترنت وأكثر الدول اعتقالاً للناس.

يقول بيرتيك إن السلطة في تركيا تحوّلت إلى "نادي المحجبات". وكل من يريد أن يحصل على موقع وزوجته غير محجبة لا يستطيع. وهذا لم يحدث حتى في عهد عدنان مندريس الذي قاد حركة إحياء إسلامي في الخمسينات. ويضيف إن "رئيس الحكومة كان يلقى دعماً في سنواته الأولى لكنه في الأعوام الأخيرة بات مختلفاً وبدأت إجراءاته تخيف الجميع، ولا سيما تصاعد نفوذ البوليس في حياة الناس، ولا أحد يعرف نهاية ذلك".

ويرى بيرتيك أن سياسات أردوغان الداخلية في هذا الاتجاه قسّمت تركيا إلى قسمين متعادلين لكل منهما خمسون في المئة. ويقول إن كل التدابير، ومنها نظام المراحل التعليمية، جاءت فجأة وسقطت من أعلى من دون تمهيد أو نقاش مستفيض. وقال إنه حتى في الأنظمة السلطانية لم يكن الباديشاه على هذا القدر من التفرد بالرأي. ولم يقل يوماً "القرار لي وحدي"، مضيفاً أن "تركيا اليوم لا تعيش حتى الباديشاهية، بل تعيش تحت النير. تعيش فترة فرعون لن يقبله المسلمون. إن أهم خاصية للإسلام أنه دين المشورة الدائمة؛ أما الآن فلم يبق شيء من هذا". ويقول بيرتيك "إن ما عجز عنه نظام الاتحاد والترقي في نهاية الدولة العثمانية من جعل الموظفين والمؤسسات كلها تابعة لهم ينجح فيه اليوم حزب العدالة والتنمية".

وقال إن قول أردوغان في القاهرة إن العلمانية تعني أن الدولة تقع على مسافة واحدة من كل الأديان ليس كافياً بل كان عليه أن يقول إن العلمانية تعني الفصل بين الدين والدولة وهو ما ليس متحققا الآن في تركيا.

ويقول بيرتيك إن نظام توزيع مراحل التعليم الجديد سوف يجعل المعاهد الدينية تشكل 35 في المئة من النظام التعليمي في تركيا بعد ثلاث سنوات. وقال إن السلطة تخلق "نزعة دينية محاربة" إلى جانبها.

ورأى أن هذه النزعة تترجم كما في السياسة الداخلية كذلك في السياسة الخارجية والنظام الحقوقي. "وتركيا تعيش اليوم ثورة بهذا الخصوص".

وأعطى بيرتيك هذه الثورة اسم "الثورة الإسلامية المحافظة"، وهي تعني أن تركيا "تسير لتكون بلداً آسيوياً، بينما كان التاريخ العثماني توجهاً من الشرق إلى الغرب وأوروبا. منذ السلطان محمد الفاتح ونحن نذهب ونتوجه الى أوروبا. اليوم يحصل العكس. تركيا تغيّر ساعتها".

واعتبر بيرتيك أن ما تعيشه تركيا هو "جاهلية ما قبل النبي محمد "صلى الله عليه وسلم". تركيا اليوم بيد ناس جاهلين. مثلا وزير الصحة يقول إنه يسمح بالإجهاض حتى الأربعة أسابيع الأولى من الزواج. إنه جاهل لأن الجنين لا يتكون قبل مرور أربعة أسابيع. يوجد جاهلون في مراكز القرار".

ويقول "إن حزب العدالة أصبح قياساً بما قبل خمس سنوات أكثر تشدداً. الأكاديميون في السجن. الصحافيون في السجن. العسكريون في السجن. السيناريو نفسه متواصل. والأمريكيون هم واضعوه". <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 36 مشاهدة
نشرت فى 11 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

276,780