محمد شو

العالم بين يديك

نواف الزرو:

أكثر من تسع سنوات على الغزو الأمريكي للعراق، والمشهد العراقي اليوم ما زال مثخنا بالجراح بلا حدود، وحجم ومساحة المحارق المقترفة هناك على أيدي القوات الأمريكية ومرتزقتها يصل إلى مستوى هولوكوستي.

فما جرى ويجري في عراق الرشيد لم يكتب في التاريخ، ولم تشهد له البشرية مثيلا، وإن كانت المعطيات الماثلة اليوم تشي بذلك، فإن ما هو مخفي يبقى أعظم وأخطر، فهناك الدمار الشامل الماحق للمدن والبلدات والبنى التحتية، وهناك الاختطاف والنهب الشامل للتاريخ والتراث والحضارة، وهناك الإبادة المنهجية للثروات العلمية العراقية، بل هناك ما هو أبعد وأبعد، هناك الإبادة الجماعية لملايين العراقيين، وهناك التشويه الجيني المنهجي لملايين الأطفال والأجيال.

وعلى هذا الصعيد الأخير حصرا، عندما يعلن البروفيسور كريس باسبي الأمين العلمي للجنة الأوروبية للإشعاع "أن ما تعرضت له الفلوجة أسوأ مما تعرضت له هيروشيما"، وأن نتائج الأسلحة البيولوجية والكيمياوية المستخدمة ضد أهل الفلوجة، تعادل عشرين ضعفا نتائج قنبلة هيروشيما"، فإن هذه الشهادة العلمية دامغة موثقة بألف نفي أمريكي.

وليس ذلك فحسب، بل إن هناك نحو أربعين موقعا عراقيا آخر تعرض لأسلحة ومحارق مماثلة، بل الأنكى من كل ذلك، أن القوات الأمريكية والحكومة العراقية تمنع إجراء أي تحقيق بالجرائم الأمريكية هناك، وتمنع الأطباء العاملين في الفلوجة من الإدلاء بشهاداتهم حول تلك الجرائم وحول الأوضاع الصحية لأطفال وأجيال الفلوجة، بل إنهم يهددون الجميع من الإدلاء بشهاداتهم، والجميع مرعوبون هناك من التصفية أو الاعتقال، فهل هناك أشد ردعا للأطباء والمواطنين من تهديدهم بالقتل والاعتقال...؟!

وعن أطفال الفلوجة والأسلحة المستخدمة ضدهم، دعا أستاذ السموم البيئية في جامعة ليدز البريطانية الولايات المتحدة إلى "الكشف عن طبيعة الأسلحة الكيمياوية التي استخدمتها في هجومها على مدينة الفلوجة العراقية عام 2004، وذلك بسبب القلق الذي يستولي على أهالي المدينة والأطباء إزاء تشوهات المواليد".

وقال في مقاله بصحيفة ذي اندبندنت "إن قلق الأطباء الشديد دفعهم إلى الطلب من الأمهات في المدينة عدم الإنجاب، وأشار إلى أن ذلك يعني أن المشكلة خطيرة جدا"، وكشف تقرير أعده باحثون بريطانيون من جامعة لندن "أن الأطفال العراقيين الذين وُلدوا في أكثر المناطق عنفاً هم أقصر بكثير من نظرائهم المولودين في أجزاء أخرى من البلد المحتل"، وقالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": "إن الباحثين البريطانيين درسوا بيانات من المكتب المركزي للإحصاء وخلصوا إلى أن الأطفال العراقيين دون سن الخامسة من العمر الذين ولدوا في مناطق المقاومة أقصر بنحو 0.8 سنتيمتر من الأطفال من الفئة العمرية نفسها المولودين في المناطق الأخرى".

إلى كل ذلك، كشفت صحيفة ذي غارديان البريطانية" أن مسؤولين في الحكومة العراقية تلقوا رشى من شركة بريطانية لكي تتمكن من الاستمرار في بيع مشتقات نفطية سامة تتسبب بضرر بالغ بصحة الأطفال"، وقام كل من بول جينينغز الذي كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة أوكتيل للأعمال الكيمياوية، وسلفه دنيس كريسون، بتصدير أطنان من مادة رابع إيثيل الرصاص إلى العراق.

وأوضحت الصحيفة "أن هذه المادة محظور استخدامها في السيارات في الدول الغربية لما تسببه من تلف في أدمغة الأطفال"، مشيرة إلى "أن العراق يعتبر الدولة الوحيدة التي لا تزال تضيف مادة الرصاص إلى البترول".

وكان أطفال العراق أبرز ضحايا استخدام القوات الأمريكية أسلحة محرمة خلال حرب عامي 1991 و2003 وما تلاها من معارك في العراق لا سيما معركة الفلوجة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004.

لكن هذه المحرقة ضد الفلوجة التي تعتبر أكبر وأخطر من محرقة هيروشيما، ليست الحقيقة الوحيدة.. بل هي وفق أعمال وممارسات قوات الاحتلال حقيقة كبيرة واحدة من جملة حقائق مرعبة تمس صميم المشهد العراقي وجرائم الاحتلال الأمريكي ضد كافة بنى ومقومات وجود الوطن العراقي والحياة العراقية، فجرائم الاحتلال الأمريكي هناك واسعة شاملة متصلة اقترفت على مدار الساعة بلا توقف ضد كل شيء عراقي.. وعلى نحو حصري إجرامي سافر ضد نساء وأطفال وشيوخ العراق، وضد المجتمع المدني العراقي برمته.

وأعمال قوات الاحتلال هناك كما هي واضحة ملموسة مبثوثة في معظمها بثا حيا ومباشرا إلى حد كبير، وممارسات قوات الاحتلال هناك على أرض بلاد الرافدين، لم تترك مجالا من مجالات الحياة العراقية إلا وألحقت به الأذى والخراب والدمار، ولم تترك بيتا إلا وألحقت به الضرر، ولم تترك أسرة عراقية إلا ونكلت بأفرادها قتلا واعتقالا وتعذيبا.

والسؤال الكبير هنا: لماذا لم يقدم العرب مثلا أو الحكومة العراقية "المنتخبة" على المطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب الأمريكان الذين أشرفوا على محرقة الفلوجة...؟!

تقفز الجامعة العربية، ويقفز العرب المتحمسون لنقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، ونقل ملف الرئيس السوري إلى لاهاي، عن أشد وأخطر الجرائم التي اقترفتها الآلة الحربية الأمريكية في العراق، ليجمعوا على ملاحقة النظام السوري، ويتجاهلون ما جرى هناك من فظائع لن يغفرها التاريخ، كما يتجاهل العرب المتحمسون جدا ملفات جرائم الحرب الصهيونية المفتوحة ضد أطفال ونساء وشيوخ فلسطين منذ أكثر من خمسة وستين عاما، ليطالبوا بمحاكمة النظام السوري "وهذا ليس دفاعا عن النظام وعن القتل هناك" لاقترافه أعمال القتل والمذابح ضد السوريين.. فيا للعجب من العرب!!. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 29 مشاهدة
نشرت فى 11 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

276,788