محمد شو

العالم بين يديك

د. فوزية رشيد

لست وحدي وإنما كثير من المراقبين والمحللين السياسيين، حتى الزوار من بلاد ما سمي الربيع العربي، يتفقون أن ليس في البحرين ما يستدعي قيام ثورة، بل ليس فيها ما يستدعي الدخول في الأزمة، وليس فيها حتما ما يستدعي العنف والإرهاب والفوضى وخاصة تحت غطاء كاذب كغطاء المطالب السياسية والإصلاحية من جهة تسمي نفسها المعارضة.

إذًن من أين جاءت الأزمة في فبراير 2011؟ ومن أين تجيء توابعها منذئذ التي تريد إعادة البلاد إلى المربع الأول؟ ومن أين تجيء كل هذه الفوضى والتخريب والإرهاب لتجلب معها اللاأمن واللااستقرار والطائفية؟

لا أحد ينكر أن سمة التطور وسمة التغيير والتنمية المستدامة هي احتياجات بشرية في كل بلدان العالم، وليست فقط في البحرين وحدها، حتى في البلاد التي يتم تصنيفها بالمتطورة والمتقدمة لم تنته ولن تنتهي من الطموح والتطلع إلى ما هو أكثر وبشكل دائم رغم أن تجاربها الديمقراطية استغرقت زمنا طويلا بعضها امتد إلى قرون ورغم ذلك تعترف وتقر بأن هناك ما يحتاج دوما إلى الاستكمال، ولأن تلك البلدان هي النموذج الذي يطرحه عادة دعاة التغيير في أغلب المجتمعات العربية وغيرها، فإن تلك الدول المتطورة تحديدا لم تضع قط العربة أمام الحصان، ولم تجعل من المركبة الديمقراطية أو الإصلاحية منطلقا للعودة إلى الخلف من حيث الفوضى أو لضرب أسس أمنها واستقرارها وثوابتها الوطنية والقومية، أو جعلت من أوطانها عبر الديمقراطية ساحة مفتوحة للاستباحة أو للفوضى رغم ما وصلت إليه من الحريات سواء العامة أو الفردية، بل رغم ما قطعته من أشواط خيالية في الحريات الفردية التي جعلت من القيم الغربية داخلة في أطر الأزمة الحضارية بسببها وبسبب آثارها السلبية في حياة الفرد أو في الأسرة أو في العلاقات الاجتماعية.

ولكن حين تصل تلك الحريات الفردية رغم انفلاتها على المستوى الخاص إلى تخوم حريات الآخرين افرادا أو جماعات فانها فورا تواجه خطوطا حمرا عريضة، أما إذا تعدت على أسس المجتمع في إطاره العام، أو تعدت على الثوابت الوطنية، أو على المصالح الوطنية، أيا كانت، أو على الأمن القومي، حينها ينتفي الحق في مثل تلك الحريات بشكل كامل، ناهيك عن المطالبة أو محاولة فرضها، عبر العنف والتخريب والإرهاب، فتلك جرائم كبرى في كل المجتمعات الغربية من دون استثناء، وليست حريات سياسية أو حريات تعبير.

بالعودة هنا إلى البحرين، فإن هذا البلد الصغير وبكلام الآخرين قد قطع أشواطا ضوئية سواء بالنسبة إلى وضعه قبل عقود قليلة أو قياسا بدول العالم النامي الأخرى وليس فقط الدول العربية.

حققت البحرين الكثير من الإنجازات والمنجزات، وقطعت شوطا كبيرا في التطوير سواء الاقتصادي أو العمراني أو الإسكاني أو المجتمعي العام أو من حيث الإصلاح والديمقراطية وحريات التعبير، أو من حيث محاولات القضاء على البطالة أو محاولات رفع الدخل الفردي أو من حيث الخدمات المقدمة للمواطن أو من حيث التعليم أو الصحة ومجانيتهما في الكثير من المراحل، إلى غير ذلك مما هو كثير من الانجازات التي جعلت البحرين من نفسها في مصاف الدول المشهود بتطورها وتنميتها في العالم كله قياسا إلى الدخل القومي "البحريني"، وليس طبعا الإماراتي أو الكويتي أو... التي يحاول بشكل مبتسر بعض المواطنين مقارنة أوضاعهم بما يملك المواطنون هناك وبما يتوافر لهم.. الخ، ورغم ذلك فلا أحد قال أو يقول، سواء من الجانب الرسمي أو الشعبي، أن لا نواقص أو لا توجد ثغرات، أو أن البلد تمكن من القضاء على الفساد أو الفقر، أو استكمل كل أشكال التطوير سواء في الإصلاح أو في الديمقراطية أو... الخ...

فحتى البلدان المتطورة أو المتقدمة حسب التصنيف الغربي نفسه لدول العالم فيها فقر وفيها فساد وفيها تلاعبات وديمقراطيتها لم تصل إلى حدود النهاية ولن تصل قط، ويكفي أنه في بلد كالولايات المتحدة أو عقر دار الرأسمالية وأقوى اقتصاد في العالم بها ما يعادل "40 مليون إنسان"، غالبيتهم تحت خط الفقر، وفيها من الثغرات التي لو تم رصدها لاحتاج الأمر إلى زمن طويل، وكذلك الكثير من بلدان الاتحاد الأوروبي التي تعاني أزمات اقتصادية متفاقمة وأزمات اجتماعية حادة، وفيها من تعددية المكونات ما يفوق أي مجتمع في العالم.

إذًن البحرين إذا وضعناها حتى في ميزان الدول المتطورة فلن نجد فيها ما يستدعي الثورة أو الانتفاضة أو الأزمة الحادة، فهي- كغيرها من كل دول العالم الطبيعية في تطوراتها- تواجه التعثرات أحيانا والنجاحات أحيانا أكثر وتسير في سياق التطور الطبيعي، سواء في كل مرافق الحياة المجتمعية المختلفة، أو بالنسبة إلى التطور الإصلاحي والسياق الديمقراطي، بل تحقق قفزات كبيرة وبما يتناسب تماما، وهنا يجب أن نلتفت إلى هذا، بما يتناسب مع حجم احتياجاتها "الحقيقية" في التطوير الديمقراطي الذي يتم التعامل معه كوسيلة للغاية التطورية العامة، التي لا تخل بالسياقات السياسية أو الاجتماعية المطلوبة والموجودة، وفي ظل الحفاظ على المبادئ المتفق عليها سواء في الدستور أو في التشريعات القانونية، أو في ظل الحفاظ على الثوابت الوطنية وحماية الحقوق العامة، للمكونات كافة من دون اختزالها في مكون واحد بل فئة واحدة في المجتمع فذلك ما لم يحدث قط في أي مكان من العالم.

وحين نقول: إنه ليس هناك أساس موضوعي حقيقي لدخول بلادنا في أي نوع من الأزمات الكبرى، وليس فقط أزمة العام الماضي المستمرة توابعها حتى اليوم، فان مثل هذا الكلام لا نطلقه على علاته، بل على أساس قراءة موضوعية لما يحدث في بلدنا، ومن خلاله نقول أيضا: إن هناك ومنذ عشرات السنين محاولات دؤوبا لدى البعض في هذا المجتمع "لصناعة الأزمة" أو محاولة إدخال البحرين في "التأزيم المتعمد" بناء على منطلقات لا صلة لها لا بالحقوق ولا بالحريات ولا بالمواطنة في سياقاتها الوطنية الصحيحة والسليمة، وإنما باستغلال كل ذلك لجر البلاد إلى الأزمات المفتعلة التي تقف على سلم الصعود بها والقفز من فوقها جماعات تدعي أنها معارضة، وللأسف تقوم مثل ما قامت قبل أزمة فبراير "بدور وظيفي في إطار إقليمي ودولي" للانقضاض على البحرين وعلى شعبها، ولضرب كل المصالح الوطنية والاقتصادية وليس فقط الأمن والاستقرار. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 33 مشاهدة
نشرت فى 11 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

276,781