جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
عابر سبيل
إنها الحياة عندما تغلق أبوابها ، وتوصد نوافذها ، وتحجب شمسها ، وتسجن قمرها ... عندها يطل شبح الموت الذى يوزع حرقته وأوجاعه الحارة ، ويغرس مخالبه وأظفاره ؛ فيشجى النفوس بالهلاوس، ويُترع المشاعر بالبلابل والوساوس ، فقد ساد الشجن والهقاع ، واشتد الأسى والارتياع ، وحلت المنابه ، وفازت الكآبة ، وآن الأوان ، لدفن الجثمان ، المعطر بالريحان ، وأذن التراب بالاقتراب والأحضان ، وجاءت الآهات من بعيد ومن قريب ، واشتد العويل وارتفع النُحاط والنحيب ، وخَبعت الأصوات بالأنين ، وانسحمت من الحنين ، واغرورقت العيون ، من الحدث المنون
إنها الحياة التى تبدو كبيرة ، وإن طالت قصيرة ، سعادتها وقتية ، ومتعتها مريرة .... فلينظر الإنسان فى الدهر وفى صنوفه ، والموت وفى ظروفه ، من فاتحة أمره ، إلى خاتمة عمره ، هل له من حيلة فى تأخير أجله ، أو تطويل أمده .... كلا وألف كلا ، بل هو العبد لم يكن شيئاً مذكورا ، خلق مقهورا ، ليس بيده اختيار ، هو من العدم أصلا ، ثم الوجود فضلا ، فجاء الموت عدلا
إنها أشباح ، تروح وتجىء ، وآجال تُمسى وتغتدى ، فلا أراد الدهر إيلام مَوجع ، ولا استنزاف مَدمَع ، إنما هى سنة الخلق ، فى هذا الملك
إن الأقدار سهامٌ إذا انطلقت لن ترد ، وإن الخطوب لهى هى تأتى من كل حدب وصوب ، ولكنها تتفاوت فى إمكانية الصبر والجلد ، طبقا لمقدرة الرجل والولد ...
فيا ضحكى أين أنت الآن منى ، وشفير القبر وروح التراب يملأ عينى ، وكأن حفرتى ابتلعت دنياى التى كنت فيها ، وصعدت روحى إلى خالقها وباريها
فالإنسان السعيد ، من يعمل الحساب ، ليوم الميعاد فيأخذ بأسباب النجاة ، ولايؤمل فى هذه الحياة الدنيا ، التى هى فانية مهما طال به المقام ، وبهذا تكون الأمراض والمصائب والآلام ، ليست مكاره تهلكه وتقهره ، بل هى مداخل تسعده وتفرحه ، وتعده وتبشره بخالد الجنان وتربحه فلا يضره حرمان ، ولا يجزع ، ولا يفزع ،وهو القريب من الرحمن .... ولا يغريه من الدنيا متاع ، فبزهده قد باعه ولم يرتاع ، فهو صاحب نفس علياء ، لا يلتفت إلى حقائر الدنيا المحكوم عليها بالفناء
فحياتنا ما هى إلا رحلة عبور من عالم الفناء إلى عالم البقاء ، بها محطات عديدة ، هى ليست بالبعيدة ، مفرحة ، ومحزنة ، ومواقف متغيرة لكنها محيرة ، وعندما تتصورها الآن ترتسم على شفتيك الابتسامة ، وعلامات الحزن والحسرة والندامة فى آن
فعندما تطرأ على بالك كلمات حزينة ، ومواقف أليمة ، تنشب وتنسكب على خديك الدموع فتنطفىء لها الشموع ، وأخرى تتصور فيها لقاء الأحباب ، حاملين الزهور والأطياب ، وسحر الكلمات ، والابتسامات ، تطل عليك فى معظم الحالات ، وتحاورك فى لحظات بهيجة وتلقى عليك البشر والضحكات ، فأنت فى رحلتك مع الحياة تكسب حب الإله ومغفرته ورضاه ، فازرع محبتك فى قلوب البشر ، واهجر الشر وما حصل ، وتخلق بالصفات الحميدة ، لتصبح ذكرياتك سعيدة ، ولا تجعل للشيطان عليك سيطرة ، فيكفينا منه ما جرى وما كان ... واجعل الدنيا معبراً وعِبرات ، لا مستقراً ولا شهوات ، وتزود ليوم الميعاد ، بكل عمل جاد ، يقربك من رب العباد ...
فوالله إنها لمحطات ، سنمر بها حتى نصل إلى النهاية ، وتنتهى الرواية ، فتخرج الروح إلى اللقاء ، والجسد إلى الفناء والزوال ولا تبقى إلا الذكرى على أى حال
فالإنسان فى هذا الكون الفسيح ، فى خيره وشره ، سخطه ورضاه ، ما هو إلا قبضة من تراب تتكبر فيذروها الريح ، فمها كبر حجمها حجماً وعلا شأنها شأناً سياتى يوم من بعده ... فيكنسها كنساً .... فاعتبروا يا أولى الألباب ، واعملوا ليوم الحساب الجليل ، فما نحن فى هذه الدنيا إلا عابرى سبيل
...........
موقعى الشخصى على الرابط :
http://drmervat.blogspot.com/
ساحة النقاش