كتبت: الداعية ألفت مهنا

لا يُشَكّكَنَّكَ في الوَعْدِ عَدَمُ وُقوعِ المَوْعودِ، وإنْ تَعَيَّنَ زَمَنُهُ؛ لِئَلّا يَكونَ ذلِكَ قَدْحاً في بَصيرَتِكَ وإخْماداً لِنُوْرِ سَريرَتِكَ.

معاني الكلمات:

القدح: القدح في الشيء التنقيص له والغض من مرتبته.

البَصيرة: القوة المهيئة لأدراك المعاني.

 النور (ج. الأنوار): اسم من الأسماء الله تعالى وهو تجليه باسمه ظاهر، أعني الوجود الظاهر في صور الأكوان كلها. والأنوار عبارة عما ظهر من كثائف التجليات.

السَّريرة: القوة المستعدة لتمكن العلم والمعرفة.

شرح الحكمة:

سبحان من إذا وعد أوفى وإذا توعد عفا، سبحان من أعلى قدر من إذا قدر عفا، وعد سبحانه أحبابه وعودا وتوعد الظالمين، ولكن يحدث في أثناء سير السائرين إلي الله أمورا، قد يقف عندها السائر حائرا ويسأل وكيف هذا، أليس وعد الله حق؟

وهنا يأخذ سيدي أحمد بيد السائر قبل الوقوع فى هذا المنزلق ويقول له: نعم وعد الله حق ولكن قد يكون فهمك لوعد الله هو الذي جاء علي غير مراد الله سبحانه وهذا واضح فيما حدث مع سيدنا نوح عليه السلام الذي قال: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} هود45  نعم وعد الله حق ولكن سيدنا نوح لم يدرك أن إبنه ليس من أهله كما أوضح له سبحانه بقوله: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} هود46  

إذا الوعد حق ولكن فهم الوعد لم يكن موافقا لما وعد الله سبحانه، كما قد يكون وعد الله سبحانه مرتبط بشرط لم يتحقق ذلك الشرط فلم يتحقق الوعد، وقد حدث ذلك مع صحابة خير خلق الله عليه السلام  فقد وعد الله بنصر المؤمنين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} محمد7، وقد خرجوا في يوم أحد و يوم حنين ينصرون الله ودين الله ولكن لم يقع وعد الله بالنصر لتخلف شرط طاعة سيدنا رسول الله في أحد، وفي ترك الذل والنظر إلي العدد يوم حنين فقال سبحانه {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} التوبة25

إذا وعد الله لم يتخلف ولكن شرط تحققه من الذل لم يتحقق. فيقول سيدنا أبن عطاء الله: يا أيها السائر إلي الله لا تجعل عدم تحقق الوعد يدخل الشك إلي عقلك، ولكن عليك أن تنظر إلي بصيرتك التى لم تفهم مراد الله، وإلي السر الذي تخفيه في قلبك فكان سبب في تأخر وعد الله، فقد تكون قد فقدت شرط الإخلاص له، فإن العارف بربه الذي كملت بصيرته وتنورت سريرته هو من يتأدب مع الله ويسكن إليه ولا يتشكك ولا يتزلزل عند تأخر ما وعد الله به، بل يراجع نفسه ويزداد يقينا أن الحكيم هو من ينجز وعده على مراده ومتى تحققت الشروط .

نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا وأن يحقق لنا وعده فلا يتخلف بجهلنا وذنوبنا، وصل اللهم علي سيدنا محمد صلاة تكون نورا لبصائرنا و سريرتنا، أمين أمين أمين.