دواعي إصـلاح المنظـومة التـربـويـة
إن رهانات البلاد منذ الاستقلال في إصلاح المنظومة التربية والتكوين تمحورت في ثلاثة أبعاد أساسية هي:
· البعد الوطني
· البعد الديمقراطي
· البعد العصري.
وقد حققت المنظومة التربوية نتائج معتبرة منذ تنصيب لجنة إصلاح التعليم في 15-09-1962 فرفعت نسب التمدرس في مختلف المراحل التعليمية وزادت عدد الهياكل والمؤسسات التربوية وقامت بجزأرة التعليم، لكن مع ذلك سجلت جملة من الاختلالات والتحوّلات الداخلية والخارجية التي استدعت تصور سياسة تربوية جديدة نذكر منها:
أ-في مجال التربية الوطنية:
تباين نسبة التمدرس:
حيث ما زالت بعض المناطق من الوطن تسجل نسبا متفاوتة في نسبة التمدرس بين الذكور والإناث لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو جغرافية.
قلة الهياكل والمؤسسات التربوية:
تسعى الدولة جاهدة لتوفير المؤسسات المدرسية، وقد نجحت في الفترة الأخيرة في إنجاز مشاريع كثيرة وتم تزويدها بكل المستلزمات التي من شأنها تحسين الأداء المدرسي، لكن رغم كل هذا ما زالت تسجل بعض النقائص تتعلق بـ[1]:
· استعمال الهياكل إلى أقصى الحد باللجوء إلى نظام الدوامين.
· اكتظاظ حجرات الدراسة.
· اللجوء إلى تحويل المؤسسات المدرسية من طور لآخر.
· عدم استعمال بعض المنجزات بسبب النزوح الريفي نحو المدن.
· استعمال المنجزات الموجودة بدون المرافق الضرورية.
· عدم احترام معايير البناءات المدرسية.
· ارتفاع كلفة الإصلاحات الكبرى.
· تدهور وضعية المنشآت المدرسية.
إن مستوى التأهيل العلمي والبيداغوجي للمعلمين لا يزال غير مقبول رغم تسجيل نسب تأطير كافية في التعليم الأساسي، ولعل من أسبابه ما يأتي:
· نقص التكوين البيداغوجي خاصة بالنسبة للموظفين في هذا القطاع(عن طريق التعيين بعد اجتيازهم لمقابلات الفحص أو الامتحانات).
· عدم فعالية التكوين وتحسين المستوى لافتقادها للتشخيص.
أثرت نوعية التعليم في نسبة المردود الداخلي للنظام التربوي، فمعظم المتعلمين الجزائريين يجدون صعوبات في توظيف معارفهم العلمية عند حل المشكلات داخل القسم وخارجه[2]، حيث تعاني المدرسة من برامج كثيفة ومواقيت ثقيلة ونقص في التكفل بالمتمدرسين الذين يعانون من صعوبات في التعلم.
ب- التحولات الداخلية والخارجية:
تواجه المدرسة الجزائرية تحديات كبيرة لا تخص وظيفتها التربوية فحسب بل تتعلق أيضا بصياغة مشروع مجتمع الغد الذي يرتكز أساسا على المتعلم القادر على التكيّف مع المستجدات والاستفادة منها في تطوير بلاده، ويأخذ هذا المشروع بعين الاعتبار على المستوى المحلي التحوّلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الجزائر، وأهم هذه التحديات ما يأتي[3]:
· انتقال الجزائر من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية.
· النمو الديمغرافي الكبير في عدد السكان.
· ارتفاع نسبة البطالة.
· العجز الكبير في السلع والخدمات الأساسية.
· بروز ثقافة اليأس والشك والإقصاء.
· تفشي ظاهرتي التطرف والعنف.
· عدم الاهتمام بالعمل والإنتاج.
يشهد العالم المعاصر تطورا كبيرا في كافة الأصعدة وفي مختلف المجالات مما ينعكس أثره على المشروع التربوي الذي يسعى جاهدا إلى مواكبة هذا التطوّر بإصلاح مناهجه ومفاهيمه وتكييفها مع المتغيرات الجديدة و«الناشئة عن التقدم العلمي وتطبيقاته التكنولوجية، وما يصاحبه من قابلية الفرد والجماعة لإدراك المنجزات الحضارية لهذا التقدم يستلزم أدوار لكافة التنظيمات الاجتماعية والمهنية في بناء شخصيات أبناء الأمة وتكوينهم ثقافيا ومهنيا»[4] حتى يمتلكون القدرة على «الاستدعاء والاستيعاب والتفسير والملاحظة والتطبيق والمقارنة والتصنيف،... التحليل، والتركيب والتقويم»[5].
لقد أدى الترابط الوثيق بين جميع بلدان العالم في مختلف المجالات إلى تلاشي الحدود الجغرافية القديمة وإلى اتساع حجم التبادل بينهما، ومع «التطورات التي سادت العالم في المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والفضائية أصبح العالم كقرية صغير بلا حدود اقتصادية أو ثقافية أو سياسية وبذلك تزداد مظاهر العولمة بالدول النامية الغير مستعدة لما يحدث من متغيرات عالمية تؤثر سلبا أو إيجابا»[6]، وأصبح العالم المعاصر ذا توجه سياسي يميل إلى النمط الغربي بعد سقوط النظام الشيوعي وهيمنة الأحادية القطبية على العالم، كما ظهرت تكتلات دولية لمجابهة المنافسة الحرة التي «لن يصمد أمامها إلا اقتصاد قوي غايته الإنسان»[7].
إن المهمة شاقة أمام المشروع التربوي وليس مستحيلة في تكوين الأفراد القادرين على تطوير بلادهم وانتشاله من شبح التخلف وجعله قادرا على المنافسة وعلى الصمود في وجه التغيرات والتحولات الوطنية والعالمية.