الموقف من التعديلات الدستورية والعداء للتيار الإسلامي
خالد مصطفى
موقف الأحزاب والقوى العلمانية في مصر من التعديلات الدستورية التي تم القيام بها بعد نجاح ثورة 25 يناير والإطاحة بنظام مبارك يبدو في ظاهره سياسيًّا ويستند إلى مبررات منطقية، ولكن في حقيقة الأمر يخفي عداء دفينًا للتيار الإسلامي، لا يختلف في جوهره كثيرًا عن العداء الذي كان يكنُّه النظام السابق لهذا التيار، والذي كان يعتمد سياسة التخويف منه للبقاء في موقع القيادة.
وكان من المفترض أن موقف التيار الإسلامي خلال الثورة ومعاضدته لها ومشاركته الفعالة في أحداثها تخفف حدة هذا العداء، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون للنهوض بمستقبل البلاد، خصوصًا أن التيار العلماني يتشدق دائمًا بالدعوة للديمقراطية وحرية إبداء الشعب لرأيه في اختيار ما يريده، ولكن عندما تم تشكيل لجنة تعديل الدستور برئاسة المستشار طارق البشري وخلال بحثها للمواد التي أجمع التيار الوطني على إفسادها للحياة السياسية في مصر، بدأت بعض التيارات العلمانية ممارسة ضغوط بشأن المادة الثانية التي تنص على أن دين الدولة هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع؛ بحجة أنها تعارض مبدأ مدنية الدولة.
ثم عندما انتهت اللجنة من صياغة التعديلات وطرحها للاستفتاء، بدأت الاعتراضات على التعديلات وأن الموافقة عليها ستعني الموافقة الضمنية على الدستور ككل الذي يحتوي على عدد من المواد التي تكرس دكتاتورية الرئيس, كما اعترضوا على سرعة إجراء الانتخابات البرلمانية وضرورة البدء بالانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات البرلمانية؛ لأن التيار الوحيد الجاهز للانتخابات البرلمانية هو التيار الإسلامي ممثلاً في جماعة الإخوان.
وتجاهلت الاعتراضات بقصد أو عن دون قصد أن الاستفتاء ليس على الدستور ككل، ولكن على المواد المعدلة فقط والتي ستكفل انتخابات برلمانية ورئاسية بشكل أكثر عدالة، حيث قررت التعديلات تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات، وتحديد عدد الفترات الرئاسية بفترتين فقط لا غير. كما أعادت الإشراف القضائي على الانتخابات، وألغت قانون "الإرهاب", وخففت من شروط الترشح للرئاسة, وأشارت اللجنة إلى أن هذه التعديلات هي دستور مؤقت؛ حتى يتم انتخاب مجلس نيابي يستطيع أن يشكل لجنة لعمل دستور جديد للبلاد، ولكن التيار العلماني شنَّ حربًا شعواء على التعديلات مطالبًا بعمل دستور جديد الآن.
والسؤال من هو المخول لعمل دستور جديد للبلاد أليس الشعب؟ وكيف يستطيع الشعب عمل دستور بدون مجلس منتخب؟ ولماذا الخوف من مجلس منتخب يقوم بتشكيل لجنة تقوم بعمل دستور ما دام سيتم انتخابه تحت إشراف قضائي وبشكل شفاف؟!
وإذا كان الإخوان هم الجهة الوحيدة المنظمة الآن رغم الملاحقات الأمنية والتضييق عليهم طوال الفترة الماضية، أليس من حقهم أن يفوزوا ما داموا يستحقون ذلك؟ وما ذنبهم في كسل بقية القوى الأخرى التي كانت بعيدة عن الشارع طوال السنوات الماضية، رغم أن التضييق عليها كان أقل ولم تكن محظورة قانونًا مثل الإخوان؟ وإذا كانت القضية مسألة وقت وسيندفع التيار العلماني بمختلف طوائفه "كالموج الهادر" في الشارع، فلماذا رفض التعديلات ما دامت تلبي مطالب الشعب الأساسية؟
فمن البديهي أن تكون المطالبة بتأخير الانتخابات لعدة أشهر وليس رفض التعديلات, أما موضوع البدء بالانتخابات الرئاسية فهو "أمر مريب", ولتأكيد ذلك نسأل هل لو كان التيار الإسلامي ممثلاً في الإخوان سيطرح مرشحًا للرئاسة ولم يتعهد بعدم ترشيح أحد، كان التيار العلماني سيصر على ذلك أم لأنّ أسهم البرادعي وعمرو موسى أعلى فيطالبون بذلك؟!!
إن الإصرار على البدء بالانتخابات الرئاسية سيأتي -كما قال المستشار طارق البشري وأحد قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة- بمبارك جديد، وبالتالي يمكن لما له من سلطة في هذا الوقت أن يتلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية، أما الآن فلا يستطيع أحد التلاعب بالانتخابات البرلمانية؛ لأن المفترض أن الجيش -وهو الحاكم الفعلي- لن يكون له مرشحون.
إن الأمر يبدو محاولة لإقصاء التيار الإسلامي وتحجيمه بشتى السبل، بل وصل الأمر لإعادة أسلوب النظام القديم في التخويف منه في رسالة خفيَّة "للمسيحيين" في الداخل ولأمريكا وأعوانها في الخارج، وخرج إعلامي ليبرالي بارز فقال مستهزئًا: إن نتيجة الاستفتاء ستبين لنا من نختار في الفترة القادمة اللحية القصيرة أم اللحية الطويلة؟ في إشارة لجماعة الإخوان والجماعة الإسلامية اللتين أعلنتا موافقتهما على التعديلات. كما أشاع البعض أن إخراج عبود الزمر القيادي البارز لجماعة الجهاد في هذا التوقيت "محاولة لتسليم البلاد للإسلاميين".
لقد بدأت تظهر حقيقة العلمانيين واعتقادهم "الديمقراطي" النفعي، وهي بداية غير مشجِّعة لمرحلة تحتاج فيها البلاد لمزيد من التكاتف لإخراجها من وضعها الحرج، الذي أدى إليه تسلط وفساد النظام السابق وطبيعة الأحداث التي أعقبت الإطاحة به.
ساحة النقاش