استفتاء مصر.. الشعب هو الفائز
مصطفى الانصارىبغض النظر عن نتائج الاستفتاء -بل وأتعمد كتابة هذه السطور قبل إعلان نتيجته- يجب أن نبارك للشعب المصري نجاحه في ضرب المثل، وانتزاع مشاعر التقدير والاحترام من كافة شعوب العالم..
نجح المصريون في أول اختبار حقيقي للديمقراطية، وسجلت معدلات الحضور في مراكز الاستفتاء على التعديلات الدستورية أرقامًا قياسية؛ إذ اصطف المواطنون منذ الصباح الباكر في طوابير طويلة أمام اللجان ضمّت كل فئات الشعب المصري من الأغنياء والفقراء، والشباب والشيوخ، والرجال والنساء.
حرص الجميع على المشاركة في تحضُّر لافت للنظر، دون احتكاكات أو مشاحنات أو مشاجرات أو أعمال بلطجة، وبمساعدة لجان نظام من المتطوعين، حيث التزمت الشرطة لأول مرة بحماية المقار من الخارج بمعاونة الجيش..
وذلك تحت إشراف 17 ألف قاض، وفي ظل مراقبة وطنية للاستفتاء شارك فيها نحو 50 ألف شاب لمراقبة عمليات التصويت، وهو ما يعد الأكبر عددًا في تاريخ الاستفتاءات والانتخابات المصرية على مر التاريخ.
وكما استمتع الجميع بهذه الأجواء المتحضرة الراقية، لاحظنا اختفاء ظواهر مقيتة كنا نراها في عصر الظلام المباركي، مثل التصويت القسري الموجَّه والرشاوى الانتخابية والتزوير وتصويت الأموات.. مفارقة عجيبة شهدت ظهور معدن الشعب المصري النفيس، واختفاء أدران وأمراض حقبة أليمة في تاريخ مصر.. وتصدّق مقولة الشاعر المصري فاروق جويدة حين قال:
" الثورات مثل فيضان الأنهار يستكين النهر فترة طويلة وتهدأ فيه كل الأشياء، وحين يفيض الماء يصحو من غفوته الطويلة ويعود له شبابه القديم، وتراه صاخبًا مجنونًا فيه كل الحماس والاندفاع والشموخ.. هكذا الثورات تلقي كل ما حولها من شوائب البشر.. تندفع نحو آفاق التغيير فتحمل كل مفاسد ما كان قبلها لتضيء الحياة من جديد.. تتساقط الأوراق الصفراء لتصبح الشجرة مظلة للعدل والحق والجمال.. تخبو وجوه كريهة أدمنت العبث والفساد والنفاق ليطل زمان جديد، ووجوه جديدة تشبه فيضان النهر وهو يلقي بعيدًا ما تركت أزمنة الفساد والتخلف والهمجية"[1].
نحمد الله كثيرًا أن أطال في أعمارنا لنشهد في مصر استفتاء لا تُعرف نتائجه مسبقًا، الأمر الذي لم يحدث منذ انقلاب يوليو 1952م!!
استفتاء شاهدنا فيه رئيس الوزراء يقف في الطابور، ويعتذر لمن اضطر إلى تجاوزهم للتصويت بعد أن أمضى نصف الساعة داخل اللجنة!
مبارك للشعب المصري الذي قال كلمته، وأكّد للجميع أنه شبّ عن الطوق..
فلا خوف عليه بعد الآن من أجندات داخلية وخارجية..
ولا مجال لتخويفه بفزّاعات الإخوان والكنيسة والتدخل الأجنبي..
لقد أعاد الله الوعي لهذا الشعب الأصيل، وعلى جميع الأحزاب والقوى السياسية أن تلهث من الآن؛ لتحاول أن تكسب رضاه وتحذر كل الحذر من غضبته..
ولا أستثني أحدًا.. فلا إخوان ولا جيش ولا كنيسة ولا غرب ولا شرق يمكن أن يتصور امتلاك القدرة على توجيه المصريين بعد الآن.
ولذا لم يبق أمام القوى الوطنية المخلصة لهذا الوطن إلا العمل والاجتهاد حتى لا تذبل وتنتهي وتغيب عن وعي هذا الشعب العظيم..
يا شعب مصر، فهمت الآن معنى الشعار الذي سمعته في ميدان التحرير..
(ارفع رأسك فوق أنت مصري).
ساحة النقاش