لا تسلم الثورات من محاولة عرقلتها أو حتى إفشالها من عناصر مستفيدة من الداخل أو الخارج ، وكما قلت أن العناصر الداخلية إن كانت وحدها أسهل في كشفها والسيطرة عليها من تلك المدعومة بالأيادي الخارجية.
ولفتت نظري واقعة تنحي القاضي عن قضية التمويل الخارجي لبعض الجمعيات والمتهم فيها 43 منهم 19 أمريكيا ؛ وقيل أن سبب تنحيه أن ابنه استقال من النيابة ليعمل محاميا بإحدى الجهات التي لها علاقة بمؤسسة أمريكية ؛ سمعت هذا في أخبار بعض القنوات المصرية أمس ، وقد تكون ظروف عمل الابن بهذه الجهة لا علاقة لها بالقضية أو ربما كانت مقصودة بغرض دفع أبيه للتنحي عن نظر القضية في محاولة للتأثير على العدالة بالتعطيل لاكتساب الوقت لإيجاد مخرج للأجانب المتهمين ، وما دام هناك احتمال أن يكون قصد تعطيل العدالة قائما لتحقيق أغراض أجنبية فلا ينبغي أن تمر هذه الواقعة دون تحقيق وتمحيص.
انظروا كيف تتصرف السفارة الأمريكية والخارجية الأمريكية والكونجرس من أجل إعادة رعاياهم المتهمين إلى بلادهم مستخدمين في ذلك أساليب الترغيب والترهيب ؛ فلا يستبعد أبدا أن تكون أياديهم هي المدبرة لهذه الواقعة ضمن ألاعيبهم التي تتم على جميع المستويات.
هذا يجعلنا نوقن تماما أن أمريكا والغرب لا يمكن أن يتمنوا لنا ديموقراطية حقيقية ؛ لأن الديموقراطية الحقيقية تعني أن يرفض الشعب وصايتهم وأن يتمسك بحقوقه التي تتعارض مع مصالحهم وهم بالقطع لا يريدون لنا تلك الصحوة ولا يريدون لنا هذا التحول.
وفي سياق آخر تكرر سماعي لبعض شباب الثورة الذين يظهرون في البرامج الحوارية وهم يأسفون لأن ثورتهم أخذت من بين أيديهم وانتقلت إلى غيرهم الذين اتضحت صورتهم في مجلس الشعب الذي يكاد يخلو ممن يمثل شباب الثورة إلا قليلا.
وفي الحقيقة أن هذا الواقع لا يستدعي التعجب ولا الأسف لأن الثورة كانت في نفوس الجميع غير أن الله ييسر لبعض الفئات أن تبدأ شرارة الثورة ثم يتبهعا الجميع بعد ذلك ؛ وغالبا ما تكون هذه الفئة من الشباب ؛ ففي ثورة 52 كانت تلك الفئة من شباب الجيش هي التي بدأت شرارة الثورة وتبعها الشعب ؛ وفي ثورة يناير كانت تلك الفئة من شباب الإنترنت وتبعها الشعب أيضا ؛ وكل من الفئتين لها ظروفها وأسبابها في تيسير الله لها بدء تك الشرارة ؛ ولكن الفئة الأولى بحكم وجودها في الجيش استطاعت أن تقود الثورة وتتولى الحكم ؛ لذلك ضاعت الديموقراطية التي كانت منشودة قبل ذلك لأن الذي تولى الحكم هم الأفراد الذين أشعلوا شرارة الثورة وليس الشعب ؛ وجينما يتولى الحكم بضعة أفراد أيا كانت وطنيتهم وأيا كان إخلاصهم فلا بد أن يتحول الحكم إلى استبداد ودكتاتورية وطغيان.
أما في ثورة يناير فقد انتقلت مقاليد الأمور إلى الشعب ولم تبق في أيدي الشباب الذين بدأوا شرارة الثورة ؛ لأن هؤلاء الشباب لم يجدوا في أيديهم آلية أو قوة تمكنهم من القبض على مقاليد الأمولر والوصول إلى السلطة وهذا من حسن الحظ وإلا تحولت الثوة بعد فترة إلى استبداد جديد بسبب وجود السلطة بأيدي فئة واحدة.
وعلى هذا فلا ينبغي لهؤلاء الشباب أن يحزنوا لعدم تمثبلهم بوفرة فهذه إرادة الشعب ، ويكفي هذا الشباب فخرا أنهم كانوا سببا في بدء شرارة الثورة التي من المفترض إن شاء الله أن تعيد الأمور إلى نصابها وتعيد الحكم إلى صاحبه الأصلي والحقيقي وهو الشعب ليختار من يشاء دون أن يحزن أحد لعدم اختياره.
ودمتم بخير
ساحة النقاش