التعبير الكتابي الإبداعي:
تُعد اللغة وسيلة الإنسان فى بناء فكره وثقافته، فهي تمده بالرموز، وتحدد له المعنى، وتمكنه من أداء الأحكام، ومن تخريج الأفكار، وتكوين المقدمات، واستخراج النتائج, وبالتالي التمكن من التواصل مع غيره من بني جنسه والتفاعل معهم تفاعلاً إيجابياً بما يزيد من كفاءته في التعامل مع المواقف الحياتية.
واللغة منظومة متكاملة من المهارات تتمثل في الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة، وتنمية أيه مهارة لغوية تؤثر في المهارات الأخرى، وبقدر ما تكون لدى الفرد من ثروة لغوية قدرته على التعبير والتواصل، فالنمو اللغوي يؤثر في النمو الفكري، وبمقدار نمو اللغة عند الفرد تنمو عملية التفكير لدية، وذلك بما يتضمنه التعبير لديه من تخير للألفاظ وانتقاء التراكيب وترتيب الأفكار وحسن الصياغة وتنسيق الأسلوب واختيار الأدلة والبراهين كما أن كفاءة الطالب في التعبير تحدد قوة تفكيره، فالتفكير والتعبير عمليتان لا يمكن فصلهما ( يونس، 1997: 34).
و اللغة العربية منهج للتفكير و نظام الاتصال و التعبير فثقافة كل مجتمع كامنة في لغته و في معجمها، ونحوها، و صرفها، و فنها، و أدبها، فلا حضارة إنسانية دون نهضة لغوية (مدكور، 2009، 935) .
و يعد التكامل بين الفنون اللغوية (الاستماع، القراءة، التحدث، الكتابة ) من أهم الاتجاهات الحديثة التي قد تسهم في تحقيق أهداف تعليم و تعلم اللغة العربية، فالتكامل بين فنون اللغة و فروعها أمر ضروري (فتحي يونس، 2000، 362) .
و التعبير هو وسيلة الإبانة و الإفصاح عما في نفس الإنسان من فكرة أو خاطرة أو عاطفة و نحوها، بحيث لا يتجرد من طابعها و ملامحها و إن تعددت ألوانه، و هي أداة الاتصال بين الناس و سبيله إلى المحافظة على التراث الإنساني، و هو الوسيلة الوحيدة لربط الماضي بالحاضر و الاستعانة برصيد الأجيال و الاستفادة منه في النهوض بالمستقبل(الخليفة، 2004، 34)
ويستمد التعبير أهميته في مدارسنا من عدة نواحي:
<!--أنه من الغايات المنشودة من دراسة اللغة، لأنه وسيلة الإفهام، كما أنه أحد جانبي عملية التفاهم .
<!--أنه وسيلة لتواصل الفرد مع غيره، و أداة لتقوية الروابط الفكرية و الاجتماعية بين الأفراد .
<!--إن العجز عن التعبير له أثر كبير في إخفاق الأطفال و تكرار ذلك يترتب عليه الاضطراب، وفقد الثقة بالنفس و تأخر نموهم الاجتماعي و الفكري ( فتحي يونس، 1999، 119)
و تعد الكتابة جزء متكامل من النمو اللغوي والمعرفي , وهي تحدث في عدد من السياقات الموقفية والاجتماعية لتخدم عدد من الأغراض , ويرتبط فيها السياق بالهدف في حالات كثيرة , ويتغير بتغير مظاهر النمو , فالمتعلم يطور رؤى حول الكتابة قبل التعليم الرسمي وأثناءه , لأن طبيعتها الكامنة بجانب ما يتعلمه بشكل صريح يكسب المتعلم عدداً من سماتها المتفردة , مما يؤكد الطبيعة المعرفية اللغوية للكتابة من جهة , وكونها عملية تكاملية من جهة أخرى (Bruning & horn,2000).
كما يرتبط التعبير الكتابي بالتفكير الإبداعي و يرتبط بقدراته الأساسية كالطلاقة، والمرونة، و الأصالة، فمن حيث الطلاقة ينمي قدرة المتعلم على استحضار الأفكار والكلمات في موقف محدد من حيث الموضوع و الزمن، و فيما يتعلق بالمرونة فإن الكتابة تزيد من قدرة الفرد على أن يتجاوز القصور في التفكير، و يظهر مهاراته في التكيف مع مختلف المواقف و البيئات الثقافية مهما تباينت، و تباعدت، و تتجلى الأصالة في الكتابة الإبداعية من حيث صقل قدرة الفرد على إنتاج أفكار طريفة و مخلفة لما هو معهود أو متوقع، مع تميزها بالجدة، وتفردها بالطابع الشخصي الأصيل للفرد الكاتب ( موسى، 2002، 215).
ويعرف التعبير الكتابي الإبداعي بأنه القدرة على التعبير عن الشعور و الإحساس واستخدام اللغة المجازية وفنيات الصياغة الأدبية البليغة، و لا تقف عند هذا الحد بل تتعداه إلى أصالة الأفكار و عمقها، و جدتها، و أصالة أساليب التعبير عنها، و الإبداع في عرضها وفي إبراز الصور المتخيلة، و بناء الصور اللفظية، كما أنها تشمل كل مراحل الكتابة بدءا بالفكرة و انتقاء الألفاظ، و انتهاءً بالشكل التنظيمي، لما تم إنشاؤه عقلاً (سلام، عوض، 1991: 105).
و للكتابة الإبداعية فوائدها العائدة على الطلاب من حيث نمو شخصياتهم وتكاملها إتاحة الفرصة للتعبير عن العواطف و المشاعر، و هو أمر مرغوب فيه من الناحية التربوية والتأثير في الحياة العامة، و التمرن على استعمال اللغة كأداة للتعبير أو الاتصال (عبد القادر، 1997، 220) .
ويرجع المختصون ضعف الطلاب في التعبير الكتابي إلى الممارسات التقليدية في تدريسها مما أدى إلى افتقار ما يكتب الطلاب إلى المبادئ الأساسية التي تستند إليها الكتابة الجيدة , وكثرة الأخطاء الإملائية والنحوية , وتميزها بالحشو والتطويل غير المجدي , وعدم ترابط الموضوعات, إضافة إلى السطحية في الأفكار والتشتت في عرضها(الخوالدة,2001، 22).
و من خلال الدراسات السابقة المتعلقة بتدريس التعبير يلاحظ الباحث بوجود قصور في تعليم التعبير الكتابي، و يثبت صحة هذا التقصير نتائج الدراسات التي أجريت فعلى الرغم من الأهمية التي يمثلها التعبير الكتابي –بشكل عام- والتعبير الكتابي الإبداعي – بشكل خاص- , فإن نتائج البحوث تؤكد ضعف التلاميذ في أدائها ومن تلك الدراسات:
دراسة سلوى عزازي (2004) سيادة المدخل التقليدي المتبع في المدارس، والذي يقوم على تحديد الموضوع من قبل المعلم، ثم كتابته على السبورة، وكتابة الأفكار أسفله، سواء أكانت الأفكار محددة من قبل المعلم أم من قبل المتعلم، و مناقشتهم فيها شفوياً، ومطالبتهم بكتابته في المنزل، ثم تصحيحه من قبل المعلم بوضع علامات لا يفهم التلميذ منها شيئا، وأشارت إلى وجوب الإفادة من الاتجاهات الحديثة عند تدريسه .
وتؤكد دراسة هدى إمام (2005) و حافظ (2005) أن واقع تعليم التعبير يعاني إهمالاً شديداً في جوانب عديدة من أهمها خلط المعلمين في التدريس بين التعبير الشفوي والتعبير الكتابي , حيث يصل الأمر ببعضهم إلى عدم القدرة على التميز بين المجالات التي تصلح لتدريسهما , فهم يعتبرون حصة التعبير الشفوي إعداد وتمهيد للتعبير الكتابي, بالإضافة إلى إهمالهم للأنشطة الصفية واللاصفية والتي تتيح للتلاميذ الفرصة لممارسة التعبير وإتقان مهاراته.
ويؤكد فلورنس( Florence ,1994, 220) على أن مشكلات التعبير الكتابي تعود إلى افتقار الطلاب إلى ألوان المعرفة و إلى الخلفية المعرفية التي تمكنهم من توليد الأفكار، وتنظيم الكتابة بشكل جيد .
و من هنا تتجلى المشكلة بضرورة استخدام مداخل و استراتيجيات حديثة وبرنامج في تنمية مهارات التعبير الكتابي الإبداعي لدى التلاميذ.
وتهدف دراسة الكندري (1995) إلى تحديد مجالات التعبير الإبداعي في المرحلة الثانوية , وقام الباحث بتطبيق برنامج لتنمية مهارات التعبير الكتابي الإبداعي على عينة من طلبة وطالبات الصف الثاني ثانوي بالكويت.
وتهدف دراسة موفت( Moffett ,1999 ) إلى معرفة أثر استخدام برنامج كتابي على تنمية التفكير الإبداعي لدى عينة من تلاميذ الصف العاشر والحادي عشر بولاية انديانا , وتم تدريبهم على التخطيط للكتابة باستخدام أنشطة بناء الفقرات على كتابة مجموعة من المقالات الأدبية وتم تطبيق اختبار للتفكير الإبداعي.
ومن خلال استعراض الدراسات السابقة يلاحظ الباحث تعدد مظاهر الضعف لدى الطلاب بجميع المراحل الدراسية في تملك مهارات التعبير الكتابي –بشكل عام- والتعبير الكتابي الإبداعي –بشكل خاص- وربما يرجع ذلك للعديد من الأسباب سالفة الذكر.


ساحة النقاش