يعد مفهوم التكامل بين فنون اللغة من : استماع , وتحدث , وقراءة , وكتابة, من المفاهيم الراسخة بين فنون اللغة العربية بعضها ببعض , إذ أنها تنطلق من إطار مشترك يتمثل في اللغة والفكر والعواطف ." ( عزازي , 2004 , ص 112 ) , كما أن " الشخص حين يستخدم اللغة يستخدمها كلية , وحين يستقبلها _ استماعاً , وقراءة _ فإنه يستخدم كل ما تعلمه من مفردات وتراكيب ودلالات , وقواعد وبلاغة , وحين يرسلها كلاماً أو كتابةً فإنه يستخدم كل ما تعلمه من لغته " ( يونس , والكندري , 1995ص 19 )
فالكتابة وإن جاءت بعد القراءة في الترتيب المنطقي لها إلا أنها لابد أن تكون سابقة الوجود للقراءة ؛ لأن ميدان القراءة هو الكلمة المكتوبة هذا في الأصل والمنطق , وعليه فرؤية الرمز تسبق كتابته , ومن ثم فلا يمكن للإنسان في لغة ما أن يكتب كلمة دون أن يكون قد قرأها أو رأها , وهكذا فإن الكتابة في – آن واحد – فن سابق لاحق للقراءة ( الناقة , 2002 , ص 7 ) . ومن هنا تتضح قوة العلاقة والترابط فيما بين الكتابة والقراءة "حيث لا يمكن قراءة شيء إلا إذا كان مكتوباً ؛ فالقراءة والكتابة نافذتا المعرفة والثقافة الإنسانية ، إذ من خلالهما تحدث عملية الاتصال ، والتفاهم بين البشر على اختلاف ألسنتهم ولهجاتهم . فهما مهارتان متلازمتان لا يمكن الاستغناء عن أحدهما ؛ لأنهما يعملان على تكو ين الشخصية الإنسانية ذات الفكر الرحب والثقافة العميقة" .( عوض ، والعيسوي ، ١٤١٤ هـ، ص ٩) . ومن هنا يمكن القول أن الطالب عندما يكتب فإنه يقرأ , فإنتاج نص كتابي يعتمد على قراءة ما كُتب , وتتضح قيمة القراءة في كتابة الطلاب أن " القراءة تساعدهم على إكساب المعارف وتثير لديهم الرغبة في الكتابة , فمن القراءة تزداد معرفة الطلاب بالكلمات والجمل والعبارات المستخدمة في الكلام والكتابة وعلى هذا فهي تساعد الطلاب في تكوين الحس اللغوي " مدكور (1984 م ص 104 ) , ويتضح التكامل فيما بين القراءة والكتابة من خلال ما يلي :
1- أن القارئ الجيد في معظم الأحيان كاتب جيد في التعبير والرسم الهجائي , وان الكاتب الجيد قارئ في معظم الأحيان .
2- أن القدرة على القراءة الصحيحة المقننة تساعد في صحة الكتابة من حيث الهجاء .
3- أن القراءة المقننة تفيد الكاتب فتمده فكرياً , وثقافياً بالجديد من الفكر والجديد من الثقافة .
4- أن القـراءة تمكن الكاتب في الانطلاق في التعبير , لأنها من أهم مصادر التعبـير الكتابـي . ( مجاور , 1418 هـ , ص 91 ) .
5- أن نص القراءة يمكن أن يكون نموذجا يحتذيه الطلاب عند إنتاجهم وكتابتهم المتنوعة .
6- أن النص المقروء يمكن أن يكون أساسا لتدريبات الفهم ,ويكون طريقاً لتكوين وكتابة موضوع نثري مترابط,بمعنى آخر أي : أن تمرين الفهم يمكن الطالب من إعادة صياغة ما تم قراءته . ( رسلان , 2005 , ص 249 ) .
7- أن بعض أنشطة الكتابة يمكن استخدامها لتحسين مهارات القراءة (Nelson,1992 ,p 22 ) .
ويتبين مما سبق أن القراءة ضرورية في تنمية وتطوير تحسين مهارات الكتابة , فهي مصدر أساسي لتحقيق الكفاءة في الكتابة, فالقراءة الكثيرة المتنوعة من خير الوسائل التي تعين التلميذ على حسن التعبير , لأن طول ممارسة الأفكار الواضحة , واللغة الصحيحة يجعل من السهل علي الطالب أن يحتذيها , ويمكن أن تكون القراءة مرجعاً خصباً للطلاب يعودون إليها للإفادة مما ورد فيها من أفكار موضوعات القراءة , كما يمكن الإفادة مما جاء فيها من شواهد نثرية أو شعرية لتضمنها موضوعات القراءة , ولا خير فيما يقرأه الطلاب ما لم يتجلّ أثره في كتابتهم ( أحمد , 1997 , ص 259 ) .
أما عن مهارة الاستماع فلها ارتباط وثيق بالكتابة يتمثل في أن المستمع يتمكن من التمييز بين أصوات الحروف فيستطيع كتابتها , وكتابة كلماتها صحيحة , كما أن الاستماع الجيد , يزيد الثروة اللفظية فينعكس ذلك كله على كتابته , وقد أكدت دراسة ( مدكور , 1984 ) من وجود علاقة ايجابية بين التدريب المقصود على مهارات الاستماع , ومستوى أداء الطلبة في التعبير التحريري . وعليه فالاستماع للنصوص من القرآن الكريم , والأحاديث الشريفة , والنصوص الشعرية والنثرية ينمي لدى الطالب الارتقاء بكتابته .
كما لا يخفى قوة العلاقة والترابط فيما بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة كما يؤكد ذلك عصر ( د, ت ) بقوله : " هناك علاقة بين اللغة المنطوقة , واللغة المكتوبة, فالأولى تظهر قبل الثانية , وتؤسس أنماطها , بحيث أن المتمكن من نطق الأصوات صحة ودقه , يتمكن من رسم الأشكال الكتابية الدالة على الصوت " ( ص , 247 ) , فالكتابة تدعم طريقة نطق الدارس للحروف , والكلمات , والجمل , وتحميه من النطق المشوه , فضلاً عن إنها قاموس الألفاظ لديه , تلك التي تؤدي دوراً كبير اً في حديث المتعلم والتعبير عن أفكاره ( عصر , 2000 , ص 66 ) , ويرى مييز (1995, Messe) أنه لكي يتم تواصل الطلاب من خلال الكتابة ، يجب عليهم أن يقوموا بتطبيق كل من مهارات التحدث ، ومهارات القراءة ، بالإضافة إلى القدرة على التفكير، وتنظيم الموضوع ، وتهجي الكلمات ، وإنتاج الحروف بخط واضح ومقروء (51 , p )
وتجدر الإشارة بأن الكتابة تتميز عن بقية الفنون بأنها تُمكن الفرد من الرجوع إليها في أي وقت، بينما التحدث والاستماع حينما ينتهي وقتها لا تستطيع أن ترجعها مرة أخرى , كما أن الكتابة ستظل الأداة الأولى والشهادة الموثوق بها في تسجيل الأحداث المهمة في حياة البشر، الوسيلة الأكثر ثباتاً واستمراراً إذ لولاها لضاعت خزائن الفكر المتراكمة من أمة إلى أمة أخرى ولظلت الإنسانية في مهد طفولتها المعرفية والعلمية ". (معروف 1987,ص 132 ) .
وعليه فإن مسألة التكامل بين الكتابة وفنون اللغة الأخرى يعد عنصراً أساسياً من عناصر عملية تعليم اللغة العربية ,فالاستماع والقراءة يثيران الحديث والكتابة , والحديث والكتابة محفزان على الاستماع والقراءة , والكلام يعتمد على مهارة الاستماع , ومهارة الكتابة تعتمد على مهارة اللغة مجتمعة , كما تشكل هذه الفنون روافد مهمة لتعليم مهارات الكتابة فالعلاقة بينهما علاقة ترابط, وتأثر وتأثير .
ساحة النقاش