جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
سلاسة السرد في رواية
"على الجانب الآخر من النهر"
مفيد نحلة
قليلة هي الاعمال الروائية التي يشدنا سردها، فالسلاسة في السرد تعد أحد أهم العناصر في الرواية، وهي من يمنح القارئ على التقدم أكثر من العمل الروائي، كما أن بساطة اللغة وسهولتها لها أثرها في تقبل العمل من المتلقي، في هذه اروية يمكن لأي قارئ أن يأتي عليها في جلسة واحدة، وهذا يسحب لها.
احداث هذه الرواية تجري في هولندا، وفي مدينة امستردام تحديدا، رغم حضور بسيط وعابر لحي "الأشرفية" في مدينة عمان، تبقى الأحداث الرئيسة تجري في الغرب، يقدم لنا الراوي نموذج من المهاجرين العرب "زين" الذين يهاجرون إلى الغرب، ظانين أنهم سيجدون فيها الجنة الموعودة، لكنهم يتفاجؤون بما هو غير لك: "رحلت به خيالات إلى زوجته وطفله، سنتان مرتا من عمره دون أن يوفر لهما شيئا من المال، أكلته الغربة، وأضاعت منه حياته البسيطة وسط شوارع امستردام ولاهاي وهارلم، حظه السيء عطل عليه الفرص في "الين" ..هل يعود إلى هناك أم يعود إلى مركز اللجوء وليكن ما يكون ... تمدد قليلا، راح في غفوة خفيفة، نام مضطربا حزينا" ص144، الراوي من خلال هذا المشهد يعبر عن حالة الألم التي يمر بها المغتر، وكأنه بها يريدنا أن نبتعد عن فكرة الهجرة، فهل أقنعنا هذا المشهد؟.
فنجد قسوة الحياة التي يمر بها "زين"، فالحصول على صفة (مهاجر) يتطلب منه البقاء في معسكر للمهاجرين هو اقرب منه إلى معتقل لمدة ثلاثة شهور، ومع هذا يتم رفض طلبه، بعدها نجده يقيم علاقات مع مجموعة من النساء "دالين، ميرا، ليزلي، كاتيا، ناسيا، لاسي،" حتى أنه ينجد طفلا من "ميرا"، يبدأ الشعور بالذنب تجاه زوجته ووليديه في امستردام، يبعث لزوجته أن تأتي إلى هولاندا، تأتي لكنها تغادر بعد ان وجدت صعوبة الحياة وبعد أن عرفت أن "زين" تزوج عليها.
وهنا نتوقف قليلا لأن الراوي لم يقنعنا بالمشهد الذي عرفت فيه "زوجة زين" هذا الخبر القاتل، حتى أنه يمر عليه مرور الكرام، وهذا يحسب على الرواية وليس لها، كما أن عدم ذكر أسم الزوجة، يشير إلى أن العقل الباطن للراوي ما زال يتعامل مع المرأة الشرقية على أنها (حرمة) يحذر النطق باسمها، علما بأنه سمى العديد من النساء الهولنديات وحدثنا عن علاقات حميمة معهن، وهذا ما يجعل الرواية تتحدث من الخارج، من خارج الراوي، أي يحدثنا عن احداث لا تعني له الكثير، لهذا لم يهتم في تناوله لحالة الصراع الداخلي عند "زين" وزوجته، ولم يدخلنا إلى عمق الحالة النفسية "زين" ومر عليها سريعا دون أن يقنعنا بأنه يتحدث عن إنسان يحيش حالة من الغربة، من صور الصراع هذه الصورة: " ماذا دهاك يا زين.. تربط مصيرك في هذا البلد مع "ليزلي" حتى إذا لم تكن قادرا على تحقيق طموحها تطردك كقط أجرب" ص124، كنا نتمنى على الراوي ان يترك "زين" يحدثنا أكثر عن مثل هذا المشاعر، لكنه سرعان ما يتدخل منهيا مثل هذا الحديث المهم والضروري لفهم طبيعة الغربة التي يمر بها "زين"، لينقلنا إلى صور من الخارج، كما هو الحال في هذه الصورة: "تنزوي (ليزلي) في غرفتها، يزحف (زين) إلى فراشها، مل هذه المعزوفة الاسترضائية، شعر بالمسافة تتباعد بينهما كما تتباعد حركة الايام من عمره" ص142، الهوة كبيرة بين المشهدين، ففي الأول نجد شخصية "زين" من يخبرنا بحالته/بألمه/ وهذا له وقع كبير على القارئ، بينما في المشهد الثاني، يحدثنا الراوي ـ من الخارج ـ كما نحن المتلقين، عن حالة "زين" فلا نتأثر كما هو الحال في المشهد الأول.
سنقدم مشهد آخر يوضح التدخل من الراوي ـ غير المريح ـ عندما يتعلق الأمر بمشاعر "زين": " لكن كيف اعود وأنا لا شيء..
ماذا أقول للناس هناك، سنوات الغربة، وزمن الرحيل، أيام التشرد..
لا ... سأبقى هنا..
وقف يدور حول نفسه، ظل شارد الذهن لساعات.. حتى إذا أقبل الليل حمل حقيبته وغادر الشقة.." ص242، يشعرنا الراوي بأنه يتهرب من الدخول إلى أعماق نفسية "زين" أو أنه يمارس سلطته ـ كسيد، كراو ـ على الشخصية بحيث يمنعها الاستمرار بما تشعر به، وهذا ما نجده في الراوي الذي هيمن بشكل مطلق على الاحداث، حتى أنه منع "زوجة زين" من أن تبدي رأيها أو موقفها فيما آلت إليه أحوالها، بعد أن جاءت إلى هولاندا وقبل أن تجيء، وهذا يعطينا فكرة الهيمنة الذكورية على شخصيات أناث في الشرق.
النهاية المفجعة "زين" عندما علم بوت طفله من "ميرا" ثم قراره بالعودة إلى الأشرفية في عمان، جاءت لتؤكد الفكرة التي أرادنا الراوي أن نصل إليها.
الرواية من منشورات دار الينابيع للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2004
المصدر: مجلة عشتار الالكترونية