دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

القصيدة المنسجمة
"ثورة النفس"
سامح أبو هنود
عندما يجتمع الكلمة مع الحرف مع المضمون مع طريقة التقديم بالتأكيد تكون القصيدة مطلقة الكمال، في هذه القصيدة يتوحد الشاعر مع قصيدته، بحيث ينطبق عليه القول: "أنا لا اكتب القصيدة، بل القصيدة هي من كتبتني" فمن الصعب ان يكون هناك لقاء وانسجام في القصيدة في اكثر من عنصر، لكن الشاعر الذي يتوحد مع قصيدته، بالتأكيد يستطيع أن يتجاوز هذا الصعوبة، ويقدم ما هو استثنائي، وهذا ما نجده في قصيدة "ثورة النفس" التي تمثل حالة مميزة.
العنوان "ثورة النفس" يعطي مدلول على فعل الثورة، أي أن هناك متناقضات تستدعي حدوث الثورة:
" أوقدتُ ناريَ في يومي المشوق وها
...........أخمدتُ بالصبر جمرَ البؤس في أمسي
:
فبان سرَّ حياة قد أتيتُ لها
...............فازددت لُبْسَاً وزادَ الفَهْمُ في لُبْسي
:
لا أسعفَ الفَهمُ والإدراكُ فلسفتي
...................أو بَلَّ دائي شيوخُ الجنِّ والإنْسِ
:
فاخترتُ اتبع إحساسي لينبئني
.................فغالب الظن والتشكيك بي حدسي"
هناك حالة تناقض بين "ناري، وأخمدت، و بين فبان سر و فازددت لبسا، وبين لا اسعف الفهم وبين اتبع احساسي" كل هذا يعطي مدلول على أن هناك حالة من الاضطراب داخل الشاعر تجعله يستخدم هذه المتناقضات.
لكن التناقضات لا تقتصر على ما هو داخل نفس الشاعر، بل نجده يتحول العالم الخارجي:
" صعّدتُ روحيَ في الآفاق أحملها
..............فوق اختلاج الرؤى في ثورةِ النّفْسِ
:
وعدت أسبر أغواراً تؤرقني
............في لحظة الموتِ أو في حلكة الرّمسِ"
في البداية نجد حركة الصعود إلى أعلى، "صعّدتُ روحيَ"، ثم حركة معاكسة تماما تتمثل في "أسبر أغواراً" فالحركة الصعود متعلقة بالسماء، وسبر الأغوار" متعلقة بالأسفل وبالعمق وبالجوف، أي الضياء والنور من جهة وبين الظلام والعتمة من جهة أخرى، بين ما هو سماوي وما هو أرضي، فالشاعر يقدم لنا كل الاشياء الداخلية والمحيطة به في حالة من التناقض والصراع، وهذا يخدم فكرة العنوان.
واهما كل من يعتقد أن الثورة سهلة أو هي عمل ممتع، بلا عمل متعب ومرهق للإنسان، وهذا ما وضحه الشاعر عندما قال:
"يا ذا السؤال متى عني تكف فها
...................أوْهَتْ بروحِ الفتى ترنيمةُ اليأسِ
:
من أين جئتُ ومن أمضى مشيئته
..............أو أين أذهبُ إن ضمّ الكرى شمسي
:
ما اخترت لوني ولا عيشي ولا لغتي
.............ما اخترت اسمي ولا ديني ولا جنسي
:
كيف انتهيتُ بروحٍ صار خادنها
...............بؤسي ويسعد إن ضاقت بها.. نحسي
:
من ناب عني في إنفاذ رغبته
.............بل من دعاني وقد كنت الفتى المنسي" 
ألم الشاعر واضح من خلال معاتبته للسؤال: "يا ذا السؤال" فالألم حاضر وموجود داخل الشاعر، لكنه لا يكتفي بهذا البيت، بل يفصل لنا طبيعة السؤال الذي يتعبه ويؤلمه، من خلال "من أين، ما اخترت، كيف انتهيت، من ناب" كل هذا يجعلنا نتفهم الشاعر أكثر، ونتعرف على حقيقة ما يمر به وما يؤلمه.
ومن حالة الألم التي يمر بها الإنسان، الوحدة، حالة الاغتراب عن محيطه/مجتمعه/واقعه، والتي تمثل اصعب حالة على الإنسان العادي، فما بالنا على الشاعر!!:
" وحدي وقفت بساح لست أعرفها
...................لو خيروني بها لاستأنست نفسي"
سنكتفي بهذه الابيات التي توضح العلاقة بين عنوان القصيدة "ثورة النفس" ومضمونها، "المتناقضات"، لننتقل إلى جانب آخر متعلق بلفظ "النفس" والقافية التي استخدمها الشاعر في قصيدته وهي حرف السين، وكأن كلمة "النفس" أخذت وقعها في الشاعر، بحيث لم يقدر أن يتحرر منها، فبدت واضحة من خلال القافية، وهذا امر طبيعي، لكن الملفت للنظر أن الأمر لم يقتصر على القافية فحسب، بل نجد العديد من الأبيات جاءت فيها كلمات تحمل حرف السين: "البؤس، سر، لبسا، اسعف، احساسي، أسبر، السؤال، اسمي، بؤسي، يسعد، بساح، لاستأنست، كؤوس، الألسن، السماء، سبع، اسلفت، اسمعتكم، همسي" كل هذا يعطينا اشارة إلى تعلق الشاعر بحرف السين، والذي يخدم فكرة السؤال، فكلنا يعلم أن المسائل الرياضة يستخدم فيها حرف "س" والتي تعني السؤال وعلى المتلقي أن يجيب عليه.
إذن حرف السين له علاقة وارتباط بالسؤال، هكذا هو مفهومنا عن حرف السين، حتى أننا نقول :"سين، سؤال" لننتظر الاجابة من الطرف المقابل، كتأكيد على وقع الحرف علينا وعلى طريقة تفكيرنا، وهنا نعود إلى ما قلنا في بداية حديثنا: "ان الشاعر يستخدم العديد من الابيات تحمل كلمات فيها حرف السين"، لكن ما حال الابيات الأخرى التي لا يوجد فيها كلمات تحمل حرف السين؟.
سنقدم كافة الابيات التي لم يستخدم فيها حرف السين، وهي:
"صعّدتُ روحيَ في الآفاق أحملها
..............فوق اختلاج الرؤى في ثورةِ النّفْسِ
من أين جئتُ ومن أمضى مشيئته
..............أو أين أذهبُ إن ضمّ الكرى شمسي 
من ناب عني في إنفاذ رغبته
.............بل من دعاني وقد كنت الفتى المنسي 
عجزي عن الفهم والإدراك يدفع بي
..............نحو ارتيابٍ فشا في الروح كالوَجْسِ
من لي يفنّدُ قول الريح إن نطقت
...............وصار كالصّرِ فعل القول في نفسي
أعشت عيونيَ اذ بانوا أحبتها
..................من ذا يعيد لِلَيْلي الأعــين النُّعْـسِ
هات القميصَ فإن جَلّى غباشتها
............جرّدتُ روحي من حِرْصي وَمِن تُرْسي
يا عثرة العقل ما أبقيت من أملٍ
............كي أعصم الروح إن زلّت خُطى نفسي" 
هناك مجموعة من الابيات تحمل صيغة السؤال كما هو الحال في: "من أين جئت، من ناب عني، من لي، من ذا" بمعنى أن كثر من نصف الابيات التي لم تأتي بكلمات تحمل حرف السين، استبدلها الشاعر بصيغة السؤال المباشر، وهذا يعطي اشارة إلى الانسجام والتماهي بين الشاعر وقصيدته، بحيث انعكست حروف كلماتها وقافيتها على مضمونها، مما جعلها وحدة واحدة وكاملة.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس بوك.

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 113 مشاهدة
نشرت فى 23 يونيو 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

557,965