الحكم على حسنين ابو حية .... قصة قصيرة ... عادل الهلالي
كعادته يخرج في رحلته اليومية باحثا عن الرزق في اماكن النفايات , لا يملك خيارا اخر الا ان يجر قدميه الى تلك المزبلة حيث الرائحة النتنة الفائحة التي تزكم انفه و الجرذان الهائمة التي تعودت عليه و لا تنتحي من طريقه , هذه المزبلة التي يساهم فيها كل سكان المنطقة اصبحت مصدر رزقه بعد ان تتعثر خطواته بالصفائح المعدنية و فضلات الطعام و قطع الملابس المتهرئة .. ما من شيء ثابت في حياته , عمره , افكاره , طموحاته , احلامه المسروقة دائما , و لكن الشيء الثابت فيه و لا يتغير هو الالم , كعاشق يجلس في ظلال الصمت و يترقب بعيونه المتعبة , يترقب دروب حياته التي اصبحت بلا نهايات معروفة .. تتسع .. تضيق .. مملوءة بالحفر و الوحل و الحجارة التي تعترض طريقه .. شاب يتيم من عائلة فقيرة و مهمشة تعيش تحت خط الفقر, مصاب بمرض عقلي (مجنون) يعرفه الغريب قبل القريب .. حسنين ابو حية .. هكذا يحلو لأهل المنطقة تسميته , يخرج صباح كل يوم متجولا بين النفايات القذرة ذات الطرقات الموحلة , يبحث عن اشياء تالفة ..كفر موبايل او راديو قديم عاطل او بطاريات تالفة او يجمع علب المشروبات الغازية الفارغة كي يبيعها .. الناس يراقبونه و يتأملونه بعينين رافضتين للوضع الذي جعل ابو حية بهذا الحال , و البعض منهم يفهم حقيقة الوضع الجديد و المستقبل المبهم فيشترون منه بضاعته التالفة كي يتصدقون عليه ..و ذات يوم لم يجد ما يبحث عنه و لكنه وجد متفجرات نعم متفجرات عباره عن (رمانتين مع صاعقين) في علبه جميله جذبت انتباهه تخلص منها بعض الخارجين عن القانون كي تصبح بيد هذا المسكين . فرح بها كثيرا . و بينما سارت الشمس في منتصف السماء , سار هو باتجاه منتصف المدينة الى السوق معتقدا انه سيبيعها بسعر مرتفع يكفي لسد جوع بطنه , عرض بضاعته في سوق الهرج المزدحم بالبضائع المسروقة و اخرى تباع لسد رمق اطفال جياع , و لكن هذه المرة لم يفطن له احد.. و لا يقلب بضاعته احد , اصابه الاندهاش , بدأ يجول بعينيه الغائرتين في وجوه عابري السبيل و زبائنه المعروفين , لا احد يشتري , اين سيجد قوته لهذا اليوم ؟ كان الوقت يمر عليه حادا مؤلما , في مثل هذا الوقت كان يعود ادراجه الى امه حاملا بعض الدنانير القليلة , اما اليوم اصبحت بضاعته راكدة , وكثيرون يحملون حقائب كبيرة و سلالا بمختلف الاطعمة و بضاعتهم لا تعرف الركود .. لم يفطن لوجوده اليوم احد .. كيف سيشبع جوعه اليوم .. الجوع و الفقر لا يرحم قد يدفع بصاحبه الى ارتكاب جرائم صغيرة او كبيرة , و لكن حسنين ابو حية صاحب عزة تفس لا يرتكب الجرائم و لا حتى يستطيع ان يمد يده ليشحذ .. احد زبائنه رجل طاعن في السن , نظر الى البضاعة و سأله باستغراب و دهشة ..
--- ماذا لديك اليوم يا ابو حية ؟ .. من اين جئت بهذه المتفجرات ؟
نصحه بان يذهب بها الى اقرب مركز للشرطة و يسلمها عسى ان يحصل على مكافئة .. كان الحمل ثقيلا و المسافة طويلة , و عندما وصل مركز الشرطة , شاهده رجال الامن يحمل بضاعته وهم يعرفون حق المعرفة ان حسنين ابو حية مصاب بحالته المستديمة , قيدوا يديه و وضعوه في السجن كي يحققوا معه , كان يقابل النزلاء بابتسامة و بعدها ينفجر بالبكاء , عرفوا حالته المستديمة , البعض يشفق عليه و البعض يمزح معه بكلمات لا يفهمها ابو حية ..
--- ابو حية .. متى بايعت تنظيم داعش ؟
--- من كان المقصود بالتفجير يا ابو حية ؟
--- هل العملية انتحارية ام زرع عبوة ؟
--- هذه الدولة المدنية تجلب المجانين الى السجن بدلا من ارسالهم الى المصحة ..
يضحكون بسخرية و حسنين ابو حية يبتسم ثم يجهش بالبكاء و جسده ينز عرقا ساخنا , ثم يجلس و يستد راسه لصق الحائط , يرفع يده و يضغط عينيه بسبابته و ابهامه و هو يفكر في اسكات حنينه الى امه و اخوته الصغار , ثم انتبه الى شخص كان يغفو بجانبه , فاحس بحرقة قوية في داخله و كآبة كثيفة تغطي روحه , ضغط رأسه بين راحتيه بعد ان مال رأسه قليلا الى الامام , سكن كتمثال اثري محفور على حائط الزنزانة .. ها هي حياتك يا حسنين , قماط جديد , فانت تخرج من قماط لتنتهي الى قماط من نوع اخر و انت في شدقي المرارة و الالم ......
نشرت فى 9 نوفمبر 2016
بواسطة luxlord2009
صدى الأخبار العربية
Sada Arabic News شعارنا الشفافيه »
صدى العربية
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
459,236
صدى العربية
شارك في نقل الحـدث
ساحة النقاش