«التلوث البيئي».. بيئتنا تختنق متى نتحرك؟
جدة - أدار الندوة - سالم مريشيد، صالح الرويس
يُعد "التلوث البيئي" - بكل أشكاله - من أشد المخاطر التي تهدد صحتنا.. وصحة ونمو أجيالنا القادمة، بل ويهدد سلامة بيئتنا بأكبر الكوارث، وهذا التلوث تختلف درجة خطورته من مدينة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى؛ نتيجة حجم الملوثات ودرجتها وخطورتها.
ومع ما له من ضرر على الصحة العامة، إلاّ أن الخطط المعدة والبرامج المنفذة في بلادنا لدرء خطره وعلاج أخطاره، لا ترقى لحجم المشكلة، بل ولا تتفق مع خطورتها وآثارها، ومن هنا يجب أن تتضافر الجهود من المنزل والمدرسة والمجتمع حتى تعم الفائدة مصلحة الجميع، ولا مانع من الإفادة من الخبرات العالمية.. المهم أن نتعامل مع خطورة "التلوث البيئي" على محمل الجدية، وأن لا نرتخي إطلاقاً حول هذا الموضوع.
ومن أجل إلقاء الضوء على حجم "التلوث البيئي" في المملكة، وما يشكله من تهديد لكل أوجه الحياة في وطننا، كانت هذه الندوة التي شارك فيها عدد من المتخصصين والمعنيين بهذا المجال من عدد من الجهات ذات العلاقة، وقد أجمع المشاركون على ضرورة أن تتحرك الجهات كافة لدرء هذا الخطر، مؤكدين أن ما يتم الآن من تنفيذه من برامج وأعمال لا يتناسب مع حجم المشكلة وخطرها.
نحتاج إلى إستراتيجيات وطنية بمشاركة عدة جهات وتفعيل دور «الرقيب» وتغليظ العقوبة على المخالفين من دون «مجاملات»
تلوث صناعي
في البداية تحدث الأستاذ "أبو عشّي" عن مستوى وأسباب التلوث، وقال: "إن التلوث حجمه كبير وتجاوز في بعض مدننا الحد المسموح به كجدة مثلاً"، مشيراً إلى أن من بين أسباب التلوث ما ينتج عن عمليات صناعية، والنشاطات الفنية التي يعملها الإنسان.
وأضاف أن الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة تعمل من أجل الحد من التلوث البيئي عن طريق النظام العام للبيئة، والإدارات البيئية المختلفة لمعالجة كل الأسباب التي تؤدي إلى التلوث، مبيناً أن التلوث بمفهومه العام يشترك فيه الفرد، والبيت، والمجتمع، ولكن أخطرها وأكثرها ضرراً هو التلوث الصناعي، ذاكراً أن هناك تعاوناً مع الجهات البيئية الرسمية في وزارة التجارة والصناعة وإدارات المدن الصناعية والتنبيه عليها باختيار المواقع الصحيحة لهذه المدن، حتى لا يكون لها أي ضرر على المناطق السكنية والسكان، ومن ثم اختيار التقنيات المتطورة والفاعلة لكبح وتخفيف التلوث بمختلف أشكاله.
د. السليماني: محطات الصرف الصحي سيئة!
رماد بركاني!
وكشف "د. السليماني" عن مواقع الخطر التي تهدد البيئة، وقال:"إن إلقاء ورمي المواد الثقيلة من الملوثات في البحر أو دفنها في التربة والصحراء، هو مصيبة كبيرة وخطر إذا لم نوقفه فإن نتائجه في المستقبل ستكون خطيرة، وعلاجها لن يكون بالأمر السهل"، مؤكداً أن مدينة جدة - مثلاً - تُعد من المدن الملوثة، حيث تجاوزت نسبة التلوث فيها الحدود المسموح بها عالمياً في المياه والبحر والجو، وإن كان الجو حتى الآن الأقل مقارنة بالماء والبحر، موضحاً أن أحد الطلبة الذين تخرجوا في الكلية أجرى بحثاً على وقود "الزيت الثقيل" الذي يستخدم بكثرة في محطات الكهرباء وتحلية المياه المالحة، وينتج عنه "الفلاي أش" أو "الرماد الكربوني" الذي توجد به نسبة عالية جداًّ من المعادن الثقيلة، مثل "النيكل" و"الرصاص" و"الكروم" و"المنجنيز"، لافتاً إلى أن المؤسف أن هذه المصانع ومحطات التحلية والكهرباء يدفنون هذا الرماد في مدافن في "الليث" ومناطق أخرى، وهذا الرماد خفيف يتطاير في الهواء وينتقل أثره إلى المزارع القريبة منه، ذاكراً أنه عمل تجربة فعلية لمعرفة ضرر هذا الرماد عن طريق عدة محاصيل زراعية ووجد أنه كلما زادت نسبة "الفلاي أش" في التربة زادت نسبة التلوث في الخضار، وأكلها يتسبب للإنسان بأضرار صحية لا تظهر على المدى القريب، مؤكداً أنه أعطى توصياته للجهات المعنية بهذا الخصوص، وأنه لابد أن يُنقل بواسطة "عربات شفط"، أو في "سيارات مصندقة" حتى لا يتطاير منه شيء في الهواء، وعند دفنه يوضع في أكياس سميكة ويدفن في طبقات عميقة.
د. عشقي: الإحصاءات كشفت واقعنا ولم نتحرك!
معالجة غير جيدة
وعن الدور الذي يمكن أن تساهم به الأمانة من خلال إداراتها المتخصصة في مكافحة التلوث، تحدث "م. باشراحيل" - أمانة جدة - قائلاً: إن الأمانة تعمل الآن على الحد من عملية التلوث، وأكبر مشكلة نواجهها هي الصرف الصحي؛ لأنه يؤثر في البيئة، إلى جانب أن التصريف كله في الوقت الحالي يتم في التربة؛ ما يؤدي إلى تلوثها، كما أن الشبكة الخاصة بتصريف مياه الأمطار والسيول معتدى عليها، سواء من الأهالي أو من الصرف الصحي، مؤكداً أن المياه جميعها غير معالجة، وهو ما يشكل عبئا آخر على البيئة، ويؤدي إلى درجة عالية من التلوث في التربة.
صحتنا في ذمة «رقيب نائم» ومسؤولين ينتظرون «الكارثة» ليتحركوا من مكاتبهم!
وعلّق "القحطاني" على موضوع الوقود الثقيل المستخدم في محطات التحلية والكهرباء، قائلاً: إنه يمنح مجاناً لها من الدولة لتخفيف التكاليف عليها، والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة لها ملاحظات على عملية التخلص من المواد الناتجة والمستهلكة من هذا الوقود، وهناك حوار بين الرئاسة وعدد من الجهات حول هذا الموضوع، أما فيما يخص تصريف مياه الصرف الصحي لابد أن نكون واقعيين بأن نسبة ما يرمى في البحر الأحمر من مياه الصرف الصحي غير المعالجة نسبة ضئيلة، موضحاً أن مشكلة المياه الجوفية التي تعاني منها مدينة جدة والمختلطة بمياه الصرف الصحي تعد من المشاكل الخطيرة الموجودة، كما أن مياه الصرف الصحي في محطات المعالجة لا تعالج بشكل جيد وهي ترمى في البحر، وهذا ناتج لعدم وجود شبكة صرف صحي، وهي مشكلة ستعاني منها المدينة بيئياًّ حتى يتم تشغيل الشبكة واكتمالها، مبيناً أن مشكلة التلوث كبيرة، ولكن للأسف لا توجد عندنا جهات مميزة تقدم إحصاءات واقعية حتى ينور الجمهور بشكل واضح عن هذه القضية.
دفن «الرماد البركاني» المتخلف من وقود محطات التحلية والكهرباء يتم بطريقة مضرة بالتربة
وعلّق "القحطاني"، قائلاً: "المفروض أن نستفيد من النقابات والهيئات وجمعيات النفع العام، حيث إن لها دورا أكبر وضاغطا لتصحيح كثير من الجوانب السلبية في الجهات الحكومية، وهذا يتطلب هيكلة أنظمة الجمعيات، وتفعيل دورها لتكون أكثر قدرة على المتابعة لكل القضايا المتعلقة بالمجتمع".
أبو عشي: المسؤولية مشتركة والحلول مؤقتة
الصرف الصحي
وتحدث "م. باشراحيل" عن مشكلة "مصبات" مياه الصرف الصحي في البحر، قائلاً: تشكلت لجنة لهذا الخصوص من الأمارة والمحافظة والدفاع المدني والأمانة، وقد تم حصر هذه المصبات وكانت (600) مصب، والحمد لله تمكنا من وقف الغالبية العظمى منها، ولم يتبق إلاّ المصبات الخاصة بمجاري السيول والمياه الجوفية المختلطة بمياه الصرف الصحي، وهذه - إن شاء الله - سيتم حلها بمجرد أن تحل شركة المياه مشكلة شبكة الصرف الصحي التي يتم العمل فيها حالياً، موضحاً أنه بالنسبة لاستخدام الزيت الثقيل توجد مخازن تستخدم لهذا الزيت، ولخطورته اتخذت الأمانة بشأنه قرار المنع، وتحولت هذه الورش والمخازن لاستخدام الغاز، لكن المشكلة أنه لا توجد كميات إمداد من الغاز تكفي المدينة، ولم تحل هذه المشكلة حتى الآن.
القحطاني: يجب أن تتضافر الجهود بوعي ووطنية
خمسة بروتوكولات
وحول ما تعمله الهيئة الإقليمية للبحر الأحمر وخليج عدن ورؤيتها لعلاج مشكلة تلوث البحر والأضرار بالبيئة البحرية قال "د. ماهر": إن الهيئة أنشئت للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، وتضم الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وقد أصدر مجلس الوزراء العرب خمسة بروتوكولات لتحقيق الهدف من هذه الهيئة، وهو المحافظة على بيئة هذين البحر والخليج، منها "بروتوكول" خاص بالتلوث بالزيت، وآخر خاص بتلوث المصادر الأرضية، و"بروتوكول" يعنى بالتحالف والتعاون في حالات الطوارئ، مضيفاً أن البحر الأحمر أصبح في الفترة الأخيرة يعاني التدخل الإنساني عليه من خلال مرور (60%) من الصادرات البترولية خلاله، إضافة إلى وجود معامل تكرير وإنتاج، ولهذا فهو يتعرض لعملية إجهاد عالية جداًّ، مشيراً إلى أنه في جدة يشكل الصرف الصحي أخطر ملوثات البحر الأحمر، وهناك جهود تتم حالياً لدراسة ومسح الشواطئ السعودية والسودانية واليمنية، لمعرفة مصادر التلوث ومعرفة البيئات التي يمكن أن تتأثر بالتلوث.
وعقّب "القحطاني" قائلاً: حتى يصبح البحر الأحمر خاصاً لابد أن تطبق عليه جميع الاشتراطات المعمول بها في المنظمات في هذا الإطار، وأن تلتزم الدول القوانين المعمول بها، مبيناً أن المشكلة الرئيسة التي يعانيها البحر الأحمر هي أن الدول الموجودة عليه غير قادرة على تطبيق هذه الاشتراطات، ولذا هناك إشكالات كبيرة تواجه هيئة البحر الأحمر وخليج عدن في تطبيق البروتوكولات المعنية بها.
مداخن المصانع أضرت بالبيئة خاصة المحيطة منها بالمدن
نحتاج إلى الخبرات
ورأى "د. عشقي" أن المشكلة ليست في المنظمات الإقليمية ولكنها في عدم تطبيق وتفعيل القوانين الصادرة عن حكوماتنا، ففي المملكة مثلاً النظام البيئي الصادر عن مجلس الوزراء بمرسوم ملكي لحماية شواطئ المملكة لو طبق ما ورد فيه بالشكل السليم لما عانينا هذه المشاكل وهذا التلوث، فنحن لسنا في حاجة لأحد يقول لنا ماذا نعمل؟، ونفس الشيء في مصر والسودان واليمن، لكن المشكلة أنه لا توجد عقوبات رادعة، ومن أمن العقوبة أساء الأدب، مضيفاً أنه تحدث في هذا الموضوع مع صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن ناصر الرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة وقلت له: "من غير عقوبات رادعة لن نصل إلى نتيجة تجعل الناس تحترم الأنظمة"، فقال لي: "نحن ما نعاقب نحن ننصح، لكن للأسف الشديد بعض الناس ما تهتم بالنصح".
وقالت "د. ماجدة": إن المنظمات الدولية والهيئات الإقليمية لها دور مهم في تحديد مسارات وتقديم استشارات وخبرات دولية، وعندنا مستشارين في المملكة على قدر كبير من العلم والفهم، لكننا في مثل هذه المواضيع نحتاج إلى خبرات المنظمات العالمية.
تلوث نووي
وحول وجود المملكة بالقرب من بعض الدول التي أقامت "المفاعلات النووية"، أوضح "د. عشقي" أن التلوث الإشعاعي والنووي موجود عندنا سواء عن طريق صناعي أو عن طريق طبيعي، والمشكلة القائمة عندنا أن المنطقة تعاني آثار خطيرة من "اليورانيوم"؛ بسبب حربي الخليج الأولى والثانية، وهناك أيضاً خطر من تسرب بعض الإشعاعات النووية من المفاعلات في إيران لو حدث لا قدر الله شيء من ذلك نتيجة زلازل؛ لأن إيران من الدول المعرضة للزلازل، مضيفاً أن (إسرائيل) لديها مفاعلات نووية منذ سنوات، ومخلفات هذه المفاعلات في "خليج العقبة"، وهذا الموضوع لم يتكلم أحد عنه وعن أضراره، وعندما قامت بعثة ألمانية بالتصوير بكاميرات تحت الماء وجدوا "براميل" مملوءة بالمخلفات والنفايات النووية، وهذا الحدث تحدثوا عنه في أوروبا وخاصةً في إيطاليا، وتمت محاكمات المتورطين فيها، بينما نحن لم نفعل شيئاً، مشيراً إلى أنه يحدث تلوث نووي طبيعي من الزلازل بتغير طبيعة الصخور وبالذات "الزرنيخ".
وعلق القحطاني بقوله: يجب أن تكون هناك دراسات علمية موثقة تؤكد هذه الأمور حتى لا نسبب للناس قلق لا مبرر له، مضيفاً: "بيئتنا تعاني التلوث، ولهذا يجب أن تتضافر جميع الجهود بوعي ووطنية لعلاج هذه المشاكل".
البحر الأحمر يعاني كثيراً من التلوث
خط متوازن
وحول الأخطاء التي حدثت نتيجة التنمية على البيئة، قالت "د. ماجدة" كلهم يعرف أن البلد مرت بتنمية صحية وسكانية وعمرانية وصناعية، وكذلك زراعية وتعليمية، والمفروض أن يكون هناك خط متوازن بين التنمية والآثار التي قد تحدث من هذا التطوير، مشيرة إلى أن التعليم مهم، ولكن يجب أن تهيأ المباني المدرسية لتكون مناسبة لجميع المستفيدين منها صحياً ونفسياً، وكذلك في التنمية الزراعية لابد أن أضع قوانين ملزمة لمنع استخدام المياه الجائر والأسمدة الكيمائية الصناعية، وأن تكون لدينا خطط بديلة للحلول ومعالجة الأخطاء.
وعن أهمية الغطاء الأخضر وأثره في الحد من التلوث، أوضحت أنه توجد في الجمعية السعودية للبيئة برامج توعوية كثيرة تهتم بحماية البيئة وإعادة إصلاحها، وهذا يحظى باهتمام من صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن ناصر الرئيس العام لرئاسة الأرصاد وحماية البيئة، فالتنمية المستدامة لها هدفان الأول على المدى القصير، وهو نشر الوعي بين أفراد المجتمع، وعلى المدى الطويل تفعيل القوانين الخاصة بالمحافظة على البيئة، وقد عرض الأمير تركي البرنامج على مجلس الوزراء لأخذ الميزانية الكاملة له، مع مشاركة الوزارات في تنفيذه، مشيرةً إلى أنه يضم سبع نقاط من أهمها التشجير، وهذا يتطلب أن يكون هناك قانون يحمي المسطحات الخضراء في المدن وأطرافها وفي الصحارى بين المدن، وأن يستغل في ذلك مياه الصرف الصحي التي تشكل خطراً على البيئة؛ لأننا لم نحسن استغلالها.
عدم اهتمام
وعن الأخذ بأنظمة البيئة وتطبيقها في المشروعات المختلفة التي لها علاقة بالتلوث أوضح "د. عشقي" أنه ما يصدر من أنظمة وتعليمات خاصة بالبيئة لا يؤخذ به بالصورة المطلوبة، ولهذا نجد أن بيئتنا تزداد تضرراً يوماً بعد يوم؛ لأننا لا نهتم بمتابعة الجوانب السلبية لتلك المشروعات، بل ولا ندرك ضررها بالشكل السليم، فمثلاً شركة المياه عملت محطة صرف صحي في الجنوب الشرقي لمطار الملك عبدالعزيز طاقتها الإنتاجية تصل إلى مليون متر مكعب في وسط منطقة سكنية، متسائلاً: أين دراسة تقويم البيئة لهذا المشروع وخطره؟، مؤكداً أن معظم المكاتب الخاصة بالدراسات البيئية ليست مؤهلة وهدفها الاسترزاق على حساب صحتنا وعافية أجيالنا المقبلة.
وعقّب "أبو عشي"، قائلاً: بالنسبة إلى مجال العمل في الاستشارات البيئية، فإن أي مكتب تنطبق عليه الإجراءات الصحية والعملية يتقدم للرئاسة ويقدم ملفا كاملا عن قدراته وعن المتخصصين الذين يعملون معه مع كونه متفرغا للعمل، مبيناً أنه يوجد مكاتب الخبرة في جامعة الملك عبدالعزيز، وهذه المكاتب معتمدة ومؤهلة.
تداخل في الصلاحيات
وقال "القحطاني": إن هناك تداخلا في الصلاحيات وهذا يجعل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في إشكالية؛ لأن بعض الجهات المنفذة تنفذ مشروعاتها بشكل مباشر من دون الرجوع للرئاسة؛ لأنها ترى أن لديها صلاحيات أكبر وأعلى!.
وأوضح "أ. د. عشقي" أنه عندما كان في المجلس البلدي ذهبت إلى محطة الصرف الصحي في "الخمرة"، التي تعالج نصف مليون متر مكعب، ولم يجد فيها غير مواطن واحد، متسائلاً: هل يعقل أن تكون محطة بهذا الحجم لا يديرها إلاّ شخصين وربما أربعة؟.
وذكر "السليماني" أن العشر محطات الخاصة بالصرف الصحي في جدة جميعها سيئة، وهي عبارة عن بايبات - مواسير - تأخذ مياه الصرف وترميها في البحر، كما أنها من دون معالجة، موضحاً أن المفروض في محطة المطار التي يجري العمل بها أن تكون رباعية المعالجة، مع الإفادة من المياه في نشر الغطاء الأخضر وسقي الحدائق بدل رميها، وهذه المياه صالحة حتى لسقي المزارع التي تنتج الخضروات والفواكه والحبوب إذا عولجت رباعياً بشكل حقيقي، مؤكداً أنه تم التفاهم مع جمعية تعاونية لمساعدة المزارعين في زراعة الوادي وقدمت لهم مشروعاً متكاملاً لذلك، يشتمل على مزارع محمية ومناطق لزراعة "البرسيم" ومناطق لتربية المواشي، وهو مشروع لو نفذ سيعيد الحياة ل "وادي فاطمة" مرةً أخرى، مبيناً أن شركة المياه أحبطت المشروع، فبدلاً من أن تساهم في تشجيعه وتدعمه لكونه مشروعا سيفيد الوطن والمواطن، إلاّ أنها أكدت أنها لن تقدم الماء المعالج بالمجان، ولكنها ستبيع الطن للمزارعين بستة ريالات!.
تجاهل الجامعات
وحول دور الجامعات في دراسة هذه المخاطر ووضع حلول لها أوضح "د. السليماني" أن أهم مشكلة بيئية تواجهها مدننا، خاصةً جدة هي مشكلة الصرف الصحي، وقد ذهبت منذ فترة للمسؤول عن مشروعات الصرف لأعرف منه متى سينجز العمل في الشبكة، ولكنني وجدت أنه غير متأكد من الوقت!، مضيفاً: "في المملكة حتى الآن (30) محطة تنقية، وفي مصر مثلاً توجد محطة واحدة طاقتها الإنتاجية حوالي أربعة ملايين متر مكعب، أي أكثر من طاقة محطات المملكة كلها"، لافتاً إلى أن المشكلة هي أن كثيرا من الجهات الحكومية لا تحاول الاستفادة من الخبرات الموجودة في جامعاتنا، فالجامعات هي مراكز أبحاث، ومستعدون لتقديم خبراتنا، ولكن كل جهة مقتنعة أنها فاهمة كل شيء وأن لا حاجة للجامعة وخبراتها.
وعلّق "د. عشقي" على هذا الموضوع بقوله: مع الأسف الجامعات غائبة عما يجري في المجتمع وعما تعانيه مدننا من مشاكل، مبيناً أن الدولة أنفقت البلايين على الجامعات وهي مكانك سر مع الأسف!، مؤكداً أنهم مازلوا خلف أسوار الجامعة ولم يقفزوا إلى الخارج إلاّ في بعض الاجتهادات الشخصية، مشيراً إلى أن أي مشكلة تتعلق بحياة الناس ومصيرهم يجب أن تكون الجامعات أول من يتصدى لها.
تكاليف المشروعات
وقال "ماجد أبو عشي": إنني متفائل بالجامعات ولابد أن يؤخذ بأبحاثها حتى تكون لدينا قرارات صحيحة مبنية على معلومات وإحصائيات دقيقة.
وعن دور الأمانة في معالجة التلوث في مدينة جدة بعد أن سجلت معدلات مرتفعة في نسبة التلوث أوضح "م. باشراحيل" أنهم في الأمانة يعانون مشكلة جوهرية وهي أن كل المشكلات تحتاج إلى مشروعات، فمثلاً عندما تطلب لأي مشروع مبلغا معينا ميزانية لتنفيذه لا تعطى إلاّ نصف المبلغ، فكيف يتم تحقيق الجودة في التنفيذ؟، مؤكداً أنه لو أعطي الميزانية الكافية فعند ذلك يمكن أن أحاسب المسؤول على أي خلل أو خطأ، ولهذا فإن الأمانة تعمل جاهدة على الحد من كل أسباب التلوث في جدة، ولكن كيف أحقق الهدف المطلوب وشبكة الصرف الصحي لم تنجز بعد؟.
وقال "د. سمير ماهر": إن الدراسات موجودة والقوانين الرادعة موجودة ومشكلة الصرف الصحي والتلوث كلما تأخرت فإنه يصعب حلها، بل ويجعلها أكثر كلفة وأشبه بالمستحيل، والمملكة من المعروف أنها فقيرة جداًّ من حيث المياه، ومع هذا نجد عندنا مشكلة صرف صحي!، مبيناً أنه من المفروض أن لا توجد هذه المشكلة، وأن تعالج هذه المياه ويستفاد منها بدل هدرها والتضرر منها، فهذه المياه الناتجة من الصرف الصحي ثروة لم يحسن استغلالها.
«محاصيل المجاري».. طبق من البكتيريا!
قال "أ. د. سمير السليماني إن كثيرا من المزارع في المدن والمحافظات يعمل بها عمّال شرق آسيويين، تتم سقاية محاصيلها بمياه "المجاري"، إلى جانب وجود "أحواش عشوائية" عبارة عن مزارع للخضار تروى بمياه "وايتات" الصرف الصحي، مؤكداً أنه عمل مع أحد الأساتذة في الجامعة وهو "د. عبداللطيف" بدراسة، وأخذ عينات من خمسة أنواع خضار من "الحلقة"، ومن "السوبر ماركات"، ومن مواقع أمام المساجد، و"الدكاكين" الخاصة بالخضروات، فوجدنا بها تلوثا ب "بكتيريا القولون البرازية"، مشدداً على أن وجود هذه البكتيريا معناه وجود بكتيريا أخرى مثل "التفوئيد" و"الديسونتاريا" وغيرها، متسائلاً: أين الأمانة منها؟.
وعلّق "م. كامل باشراحيل" على "د. السليماني"، وقال:"أنت وضعت المشكلة على عاتق الأمانة كجهة رقابية"، مضيفاً أن هذا العامل شرق آسيوي يتعامل مع المواطن الذي يزرع مزرعته، ويسوِّق المحصول، مؤكداً أنه واثق (100%) بأنه لا يسوقه في الحلقة، ولكن يوصله إلى "الدكاكين" التي تبيع الخضار ويعمل بها أبناء جلدته، ولم يمروا على مختبر الأمانة.
وذكر الأستاذ "حسين القحطاني" أن هناك إشكاليات ناتجة عن تداخل في الصلاحيات، فكل جهة عندها أنظمة وقوانين وصلاحيات، مضيفاً أنه لو رفع في قضية إلى وزارة المياه، أو الأمانة، أو أي وزارة أخرى، فإن الرد يكون: "أنا عندي نظام ومصادق عليه".
وأشار "م. كامل باشراحيل" إلى أن المشكلة ليست فقط في عدم التنسيق ولكنها أيضاً تعود إلى أن كل جهة تحاول أن تتنصل من المسؤولية، وترمي بها على الجهات الأخرى، بل ولا توجد مبادرات من الجهات المختلفة لإنهاء هذه الإشكاليات؛ لأنه من المفروض عند وجود أي إشكالية أن أذهب إلى الجهة المختصة، ولكنك لا تجد من يستمع إليك، أو عنده استعداد أن يشارك في وضع حل لتلك الإشكالية.
توصيات ومقترحات
* البدء بتنفيذ برنامج وطني لدراسة وتحديد أسباب التلوث بكل أشكاله ووضع خطة عاجلة لعلاجها.
* تأكيد التزام كل الجهات المعنية حكومية وأهلية في تطبيق اشتراطات سلامة البيئة في كل مشروعاتها، وتحقيق مبدأ التنمية المستدامة وسلامة البيئة.
* الإفادة من المياه الناتجة من الصرف الصحي ومعالجتها رباعياًّ، حتى لا تصبح ضرراً على البيئة، ليستفاد منها في سقيا المزروعات والمسطحات الخضراء.
* ثلاثون محطة تنقية لمياه الصرف الصحي في المملكة جميعها لا تعمل وفق أنظمة الحفاظ على البيئة وترمي مياهها في البحر والأودية من دون معالجة.
* دراسة وتحليل مياه الخليج وتربته وهوائه لتحديد وجود "اليورانيوم"، وتحليل مياه الآبار في المدينة المنورة وتحديد نسبة تلوثها وعلاقتها بالإصابة بأمراض السرطان.
* يجب أن يكون لجامعاتنا دور أكثر حضوراً في علاج مشاكل التلوث في مدننا، وألا تكون مجرد متفرج.
* الحد من التداخل في الصلاحيات بين الجهات المختلفة لتحديد مسؤولية كل جهة من دون تعارض أو تداخل في الصلاحيات، ما يؤدي إلى اختلال المسؤوليات.
* التأكد والتقصي من إمكانات المكاتب والشركات الخاصة بتقديم الدراسات البيئية ومدى كفاءتها، للحد من الأضرار المصاحبة للمشروعات بالبيئة على المديين القصير والبعيد.
* نشر الغطاء الأخضر على امتداد مدننا والطرق السريعة والبراري؛ لتكوين الغابات الخضراء التي تساهم في التخفيف من التلوث الجوي.
* الاهتمام بنشر الوعي البيئي بين جميع أفراد المجتمع، وأن يكون للإعلام المقروء والمرئي والمسموع حضور أكبر في التوعية.
ساحة النقاش