المحميات الطبيعية فى مصر
اليوم، يزدهر في أرجاء العالم نوع بديع من السياحة، يقبل السائحون على التخييم ومراقبة الطيور والاستمتاع بألوان الطبيعة الخلابة. وهذا النوع من السائحين لا يسعدون بصحبة ذلك الجمل البائس الذي تحفل به صور الدعاية لمصر سياحيا في الخارج، ولا تبهرهم الفنادق الفخمة التي يجدون مثيلا لها في بلادهم، ومصر من أولى الدول بأن تكون قبلة لأولئك، حسبما توضح الدكتورة ناهد عبده، رئيسة جمعية محبي المحميات، التي أكدت في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» أنه يسعدها أن يهتم القائمون على السياحة في البلاد بأنواع السياحة الترفيهية والأثرية، ولكن من الأروع أن نلفت أنظار السكان المحليين والعالم إلى ما تتميز به البلاد دونا عن غيرها من كنوز ومناظر طبيعية خلابة.
وتقول: «بين ربوع الصحراء التي يخترقها نهر النيل وعلى مساحات شاسعة من السواحل البحرية، تضم مصر كنوزا طبيعية لا مثيل لها». وتتابع: «هذه الكنوز قد لا يعرفها الكثيرون، ولكنها تظل رمزا للجمال والطبيعة ومثالا شاخصا على قدرة الخالق وبديع صنعه مهما مرت عليه السنون، وتقديرا لقيمة بعض هده الأماكن أو لكونها فريدة من نوعها لصون هذه الطبيعة الخلابة من التدمير كان لا بد من إعلان المحميات بموجب تشريعات وقوانين دولية وداخلية حافظت كذلك على إبداعات الإنسان الحضارية وتراثه الطبيعي والثقافي».
ومن بين الجهات المهتمة بالطبيعة في مصر تأتي " جمعية محبي المحميات الطبيعة " التي ترأسها الدكتورة ناهد، الأستاذة أيضا بجامعة عين شمس، وقد أشارت إلى أن الجمعية أنشئت عام 2002، وهي مؤسسة علمية غير حكومية، وهي الوحيدة، على مستوى جمهورية مصر العربية، التي تُعنى بشؤون المحميات الطبيعية المصرية ككل، وكذلك التراث الطبيعي والإنسانـي، وتضم الجمعية في عضويتها نخبة من محبي الطبيعة والعلماء والباحثين وأساتذة الجامعات والمصورين والفنانين وغيرهم.
فالمحمية الطبيعية هي أي مساحة من الأرض أو المياه متميزة بما تتضمنه من كائنات حية نباتية أو حيوانية أو ظواهر طبيعية ذات قيمة ثـقافيـة أو عـلمية أو سياحية أو جـمالية، وتنتشر بين ربوع مصر الكثير من المحميات الطبيعية؛ حيث يصل عددها حتى الآن إلى 29 محمية منتشرة في أرجاء مصر من شمالها إلى جنوبها، وهي: محميات رأس محمد ونبق وطابا وأبو جالوم بجنوب سيناء، ومحميتا الزرانيق والأحراش بشمال سيناء، ومحمية علبة وجزر البحر الأحمر الشمالية، ومحمية وادي الجمال بالبحر الأحمر، ومحمية سانت كاترين بجنوب سيناء، ومحميات سيوة والسلوم البحرية والعميد بمطروح، ومحمية قبة الحسنة بالسادس من أكتوبر، ومحميات الصحراء البيضاء والجلف الكبير بالوادي الجديد، ومحمية البرلس بكفر الشيخ، ومحمية كهف وادي سنور ببني سويف، ومحميات وادي العلاقي وسالوجا وغزال بأسوان، ومحميات قارون ووادي الريان بالفيوم، ومحميات الغابة المتحجرة ووادي دجلة بحلوان، ومحمية أشتوم الجميل ببورسعيد، ومحمية وادي الأسيوطي بأسيوط، ومحمية الدبابية بالأقصر، إضافة إلى جزر نهر النيل التي يبلغ عددها 144 جزيرة.
وكما هو ملاحظ فإن هناك تنوعا كبيرا في الأماكن والمناخ والطبيعة الخاصة بكل مكان، مما يجعل مصر ثرية جدا في مجال التنوع الطبيعي الذي حباها به الله، فهذه الأماكن كلها تحوي كنوزا حقيقية جديرة بأن يضعها المصريون وغيرهم في حساباتهم عند التخطيط لزيارة مصر أو القيام برحلة في داخلها؛ فالسياحة البيئية هي اتجاه عالمي وأعداد عشاقها آخذة في النمو، في جميع أنحاء العالم. ومصر، بفضل ثرواتها الطبيعية وتنوعها، قادرة على المنافسة فيه بقوة؛ فالتخييم والغطس وتسلق الجبال ومراقبة الطيور ورحلات السفاري أصبحت من أولويات الكثير من السياح القادمين إلى مصر للاستمتاع بطبيعتها وكنوزها، كما أصبح لها وجود في ثقافة المصريين، خاصة الشباب.
فمصر غنية بالتراث الطبيعي المتنوع والمختلف؛ ففيها حياة برية وحياة بحرية غنية جدا، خاصة في منطقة البحر الأحمر، بما تتميز به من شعاب مرجانية وأسماك وكائنات بحرية نادرة جدا لا مثيل لها، وهناك صحارى شاسعة تحوي كنوزا طبيعية من الجبال والنباتات والحيوانات والطيور، وهناك نهر النيل العظيم وتراث ثقافي غني جدا في جنوب سيناء ونباتات طبية نادرة وأشجار المانجروف، وغير هذا الكثير.
ولا يقتصر الأمر على مجرد الأماكن الطبيعية، وإنما أيضا هناك محميات أثرية، فتعتبر المواقع الأثرية محميات ثقافية، وقد أعلنت «اليونسكو» قائمة بالتراث الثقافي العالمي في مصر تتضمن منطقة آثار أبو مينا القبطية وآثار القاهرة الإسلامية ومنطقة آثار طيبة بالبر الغربي، وهي الوحيدة المعلنة من قبل مصر عام 1995 كمحمية أثرية، وهضبة الأهرام ومقابر ممفيس القديمة ومنطقة آثار دهشور والآثار النوبية من جزيرة فيلة إلى أبو سمبل ومنطقة سانت كاترين.
وتهدف جمعية محبي المحميات الطبيعية في المقام الأول إلى التعاون مع الجهات المعنية بمصر والخارج للوصول بالمحميات الطبيعية ومناطق التراث الطبيعي والإنساني إلى المستوى العالمي الذي يحافظ على تراث مصر ويجعلها مزارا للسياحة البيئية فتحقق دخلا قوميا من دون أن تشكل عبئا على الاقتصاد القومي، مما يسهم في رفع مستوى الحياة الإنسانية الكريمة للأهالي القاطنين بالقرب من المحميات ومناطق التراث الطبيعي والإنساني وكذلك نشر الوعي البيئي بين المصريين.
وعن تواصل الجمعية مع الجماهير وإشراكهم في النشاطات البيئية المختلفة، تقول الدكتورة ناهد عبده: إن الجمعية لها نشاطات كثيرة مختلفة تقوم بها بين الناس، مثل تنظيم الندوات التي نسعى من خلالها إلى نشر المعرفة والوعي البيئي بين المواطنين، ونشارك في أسبوع شباب الجامعات، كما ننظم زيارات ورحلات للشباب لاستكشاف المحميات الطبيعية والتعرف عليها وممارسة بعض الأنشطة مثل التخييم والتدريب على الغوص وغيرهما، إضافة إلى سعينا لنشر الفكر والوعي البيئي من خلال وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها باعتبارها الوسائل الأكثر قدرة على الانتشار والوصول لجموع الناس. كما تقوم الجمعية بتنظيم الكثير من ورش العمل والمعارض المتعلقة بالبيئة لتعريف الناس بالمحميات الطبيعية، فلا بد أن تعي الجماهير أهمية هذه الأماكن فيسهمون بالتالي في المساعي المبذولة للحفاظ عليها باعتبارها من الثروات والكنوز القومية.
وعن أمنياتها للجمعية وللبيئة المصرية، أشارت عبده إلى أنها تتمنى أن يسعى الجميع للحفاظ على البيئة باعتبارها أمانة سنسلمها للأجيال المقبلة. واستطردت: «أتمنى إنشاء متحف قومي لمصر عن التاريخ الطبيعي لنكون مثل الدول المتقدمة التي تهتم بالمتاحف من هذا النوع، وأتمنى أن تنجح جمعية محبي المحميات الطبيعية في أن تكون لها مكتبة ومتحف متاحان لكل الباحثين والمهتمين بمجال البيئة؛ فنحن نسعى حاليا لتحقيق هذا الحلم
اعداد م/لبنى نعيم
ساحة النقاش