|
|||||||||||||
|
|||||||||||||
مخاطر ازدياد حموضة مياه المحيطات(*) يدخل الكثير من غاز ثنائي أكسيد الكربون المنبعث من احتراق الوقود الأحفوري في المحيطات، حيث يغيّر التوازن الحمضي لمياه البحر. وقد يكون تأثير هذا التغير في الحياة البحرية كبيرا جدا.
في عام 1956، أشار كل من<R.ريفل> و<H.سويس> [وهما جيوكيميائيان يعملان في معهد سكريپس لعلم المحيطات في كاليفورنيا] إلى الحاجة إلى قياس كمية غاز ثنائي أكسيد الكربون (CO2) في الهواء والمحيطات للوصول إلى «فهم أوضح للتأثيرات المناخية المحتملة الناجمة عن الإنتاج الصناعي الكبير المتوقع لثنائي أكسيد الكربون في الخمسين سنة القادمة.» وبتعبير آخر أرادا أن يفهما كيف يمكن أن تكون عليه الوضعية المنذرة بالكارثة في الوقت الحاضر؛ ولذلك يبدو مدهشا أن يحتاجا الآن إلى البرهنة على أهمية مثل هذه الملاحظات، ولكن في ذلك الوقت لم يعرف العلماء بالتأكيد فيما إذا كان ثنائي أكسيد الكربون المنطلق من عوادم الآلات ومداخن المعامل، يمكن أن يتراكم فعلا في الغلاف الجوي. وقد اعتقد البعض بقدرة مياه البحر على امتصاص جميع ثنائي أكسيد الكربون أو أن تمتصه نباتات اليابسة.
فقد رأى <ريفل> مع الراحل<D.C.كيلنگ> [الباحث الشاب الذي استخدمه في هذا المشروع] أنّه كان عليهما أن يضعا المعدّات في أمكنة بعيدة عن المصادر المحلية لإطلاق ثنائي أكسيد الكربون وامتصاصه، التي ربّما تُعطي قياسات متغيرة بصورة مضلِّلة. وكان أحد الأمكنة الذي اختاراه بعيدا كل البعد عن النشاطات الصناعية والغطاء النباتي الذي يمكن أن يصل إليه أي شخص: وهو القطب الجنوبي. أمّا المكان الآخر فكان في محطة الأرصاد الجوية المقامة على قمة مونا لوا في جزيرة هاواي.
استمر الرصد في مونا لوا من عام 1958 حتى الوقت الحاضر (باستثناء انقطاع واحد قصير). ولأن موقع هاواي ليس بعيدا كموقع القطب الجنوبي، فهو يُري ارتفاعا وهبوطا حادّين في مستويات ثنائي أكسيد الكربون متوافقة مع تغيّر الفصول في نصف الكرة الشمالي، إلا أنه في نهاية كل سنة يصبح تركيز هذا الغاز الحابس للحرارة أعلى ممّا كان عليه قبل12 شهرا. وهكذا لم يمض زمن طويل على المجتمع العلمي ليدرك أنّ <ريفل> كان مصيبا _ فمعظم ثنائي أكسيد الكربون المنطلق إلى الغلاف الجوي مقدّر له أن يبقى هناك. كما أن حساباته كانت صحيحة عندما أوضح أنّ جزءا مهما من هذا الغاز ينتهي في البحر. لقد كان واضحا لدى<ريفل> منذ مدة طويلة أنّ الجزء الذي انتهى في البحر سيغيّر كيميائية مياه البحر تغييرا جوهريا. وبخلاف بعض مظاهر التغيّر المناخي، فإنّ حقيقة هذا التأثير _ وهو بصورة أساسية ازدياد حموضة مياه المحيطات _ لم تُناقش بصورة جدية، مع أنّ تأثيراتها الكاملة قد بدأ كشفها حاليا.
كم هو غير طبيعي؟(**)
سِجلّ نصف القرن الذي قدّمه <كيلنگ> قيّم للغاية، غير أنّ مدته كانت قصيرة جدا لوضع الحالة الراهنة في سياقها؛ ومع ذلك استطاع العلماء الحصول على عرض أطول مدةً وذلك بقياس الفقاعات الهوائية المحبوسة في لباب الجليد. فقد توصّلوا من هذا الأرشيف الطبيعي إلى أن تركيز ثنائي أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كان ثابتا تقريبا لعدة آلاف من السنين وبعدها بدأ بالزيادة بسرعة مع بداية عصر التصنيع في القرن التاسع عشر. إنّ نسبة هذا الغاز في الوقت الحاضر أعلى بنحو 30% عما كانت عليه قبل عدة مئات من السنين، ومن المتوقّع أن تصبح ضعفي أو ثلاثة أضعاف مستواها السابق في نهاية هذا القرن.
يأتي المدد المتنامي من الكربون في جزئه الأكبر من احتراق الوقود الأحفوري: الفحم الحجري والنفط والغاز الطبيعي (تضيف صناعة الأسمنت واحتراق الغابات المدارية بعضا منه أيضا. وللتبسيط دعنا نصرف النظر عن هذا الرقم الثانوي من أجل الوضوح). وبخلاف مكونات الكائنات الحية، لا يحوي الوقود الأحفوري_ أو يحوي القليل من_ الشكلَ المشعّ من الكربون؛ أي من نظير الكربون 14 الذي يتألّف من ثمانية نيوترونات في نواته عوضا عن ستة نيوترونات في الكربون العادي. كما أن في الوقود الأحفوري نسبة فريدة من نظيري الكربون المستقرين (الكربون 12 والكربون13)؛ ومن ثم فإن احتراق الوقود الأحفوري سيترك بصمة نظيرية متميّزة في الغلاف الجوي. وهكذا لا يمكن لأحد أن يتساءل من أين تأتي الزيادة المتنامية من ثنائي أكسيد الكربون.
يمكن أن تتغيّر معدّلات الامتصاص. وفي وقتنا الحاضر فإنّ نحوا من40% من ثنائي أكسيد الكربون المنبعث من الوقود الأحفوري يبقى في الغلاف الجوي؛ أمّا الباقي فتمتصه نباتات اليابسة أو مياه المحيطات، بنسب متساوية تقريبا. إنّ حقن كربون الوقود الأحفوري في مياه البحر لا يكوّن حاليا إلا إضافة صغيرة نسبيا إلى المحيط الذي هو مستودع ضخم لهذا العنصر الطبيعي؛ ولذلك يتطلّب تحرّي الامتصاص وتحديد كميته قياسات دقيقة دقّة واحد في الألف. ونظرا إلى أن كميات الكربون تتغيّر من مكان إلى آخر، فإنّ العمل يحتاج أيضا إلى الموارد والمثابرة لمسح تركيزات الكربون عبر العالم. لقد قام علماء المحيطات بهذا العمل تماما في أواخر الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، كجزء من تقييم عالمي قامت به مجموعتا بحث عرفتا باسميهما المختصري JointGlobal Ocean FluxStudy) JGOFS)وWorld OceanCirculation Experiment)WOCE).
ومع ذلك لم تتمكّن تلك المسوح من التمييز في الكربون المقاس بين ما هو طبيعي وما هو مشتق من ثنائي أكسيد الكربون الذي طرحه الناس في الهواء. ولإنجاز هذا العمل قام في عام1996 <N.كروبر> [الذي يعمل حاليا في جامعة كاليفونيا، لوس أنجلوس] مع اثنين من زملائه، بتطوير تقنية جديدة. إنّ تطبيق طريقة <كروبر> على معلومات المجموعتين JGOFS و WOCE ، هذا التمرين الذي انتهى في عام2004، يوحي بأنّ المحيطات امتصت تماما نصف الكربون الأحفوري المنطلق إلى الغلاف الجوي منذ بداية الثورة الصناعية.
والطريقة الأخرى لتوثيق هذه العملية هي إجراء قياسات متكررة للكربون في الجزء نفسه من المحيط. ويجب الحذر في تمييز الكربون الأحفوري من المصادر البيولوجية المختلفة لعنصر الكربون في مياه البحر. وتحتاج الملاحظات إلى عقد من الزمن أو أكثر للكشف عن الاتجاه الكلي الناتج من حرق الوقود الأحفوري مقابل خلفية التغيّرات الطبيعية. لقد قمت في العام الماضي (2005) مع <R.فانّينكوف> [من مختبرNational Oceanicand AtmosphericAdministration'sAtlantic Oceanographicand MeteorologicalLaboratory] بقيادة بعثة بحث لإجراء تجربة مثل هذه تماما.
لقد أمضينا شهرين تقريبا مع فريق مكون من 31 عالما وفنيا وطالبا على متن مركب لأخذ العينات من أجل دراسة الخواص الكيميائية والفيزيائية لجنوب غرب المحيط الأطلسي، بدءا من سطحه إلى قاعه ومن القطب الجنوبي إلى خط الاستواء، وهي الشريحة نفسها من المحيط التي قمت بقياسها مع علماء آخرين في عام1989 عندما كنت طالب دراسات عليا.
وعندما قارنا ملاحظاتنا التي أجريناها في عام 2005 بتلك التي أجريت قبل16 سنة، وجدنا أنّ تركيز الكربون في مئات الأمتار القليلة العليا من المحيط الأطلسي في الوقت الحاضر أعلى ممّا كانت عليه في الماضي القريب، وهو متوافق مع فكرة أنّ البحر يمتص ثنائي اكسيد الكربون الجوي. وقد وجد علماء بحار آخرون اتجاهات مشابهة في المحيطين الهادئ والهندي. فما هو بالضبط ما يُنذر به هذا التغيّر في البيئة البحرية؟
مراجعة لأوليات كيمياء المحيطات(****)
مع الأسف، يتطلّب تفسير هذه التغييرات في مياه المحيطات، مراجعة لبعض دروس كيمياء السنة الأولى الجامعية؛ ولكن الأمر ليس شاقا. يتحد ثنائي أكسيد الكربون(CO2) مع الماء (H2O) ليشكّل حمض الكربون الضعيف (H2CO3)، وهو الحمض نفسه الموجود في المشروبات الغازية الكربوناتية. وهو مثل جميع الحموض يطلق أيونات الهدروجين (H+) في المحلول، ويُحرّر أيضا أيونات البيكربونات(HCO3-1) مع كمية أقل من أيونات الكربونات(CO3-2). ويبقى جزء صغير من حمض الكربون في المحلول من دون أن يتفكّك مع كمية صغيرة أيضا من ثنائي أكسيد الكربون. والخليط الناتج المؤلّف من مركبات الكربون والأيونات هو إلى حد ما خليط معقّد.
والنتيجة البسيطة الوحيدة لكل هذا الذوبان والتفكّك هي زيادة في تركيز أيون الهدروجين، حيث يقدّر الكيميائيون عادة كميتها بمقياس الرقم الهدروجيني(pH) المعروف. إن انخفاض وحدة واحدة على هذا المقياس يتوافق مع زيادة مقدارها عشرة أضعاف في تركيز أيونات الهدروجين، وهذا يجعل الماء أكثر حمضية، في حين أن ارتفاعه وحدة واحدة نحو الأعلى يتوافق مع نقصان 10 أضعاف، وهذا يجعل الماء أكثر قلوية. والرقم الهدروجيني المتعادل (للماء النقي) هو7. ويراوح الرقم الهدروجيني لماء البحر الأصلي ما بين8 و 8.3، وهذا يعني أن مياه المحيطات إلى حدّ ما هي مياه قلوية بصورة طبيعية.
لقد تسبّب امتصاص ثنائي أكسيد الكربون في خفض الرقم الهدروجيني في المياه السطحية الحديثة قرابة0.1 (أقل قلوية) ممّا كان عليه في الأزمنة ما قبل الصناعية. وما لم تُعدّل الحضارة «شهيتها» للوقود الأحفوري في القريب العاجل وبطريقة فعّالة فإنّ الرقم الهدروجيني لمياه المحيط سوف يهبط0.3 إضافية عند حلول عام2100. وفي تنبؤ مقلق لمستقبل أكثر بعدا يشير<K.كالديرا> [المتخصص في علم المحيطات بمعهد كارنيگي في واشنطن] إلى أنّ الرقم الهدروجيني للمحيطات سيصبح بعد قرون من الآن أخفض من أي وقت مضى خلال 300 مليون سنة الماضية.
وقد تبدو هذه التغيّرات في الرقم الهدروجيني صغيرة ولكنها تنذر بالخطر؛ إذ تشير التجارب الحديثة بوضوح إلى أنّ هذا التغيّر يُؤذي بعض أشكال الحياة البحرية وبصورة خاصة الكائنات التي تعتمد على وجود أيونات الكربونات لبناء أصدافها (أو الأجزاء الصلبة الأخرى) من كربونات الكالسيوم(Ca CO3).
في البداية، يبدو هذا «القلق» متناقضا. فعلى الرغم من جميع الاعتبارات، وإذا كان بعض ثنائي أكسيد الكربون الذي امتصته مياه البحر يتفكّك إلى أيونات كربونات، فيتوقع أن يوجد الكثير منها في هذه المياه، أكثر مما كان متاحا في غير هذه الظروف. ومع ذلك، يتصدّع هذا المنطق لأنه يهمل تأثير جميع أيونات الهدروحين التي تكون قد تشكّلت والتي تنزع إلى الاتحاد مع أيونات الكربونات مشكلة أيونات بيكربونات. والنتيجة النهائية هي إذًا نقصان في تركيز أيونات الكربونات.
ويكمن القلق من أنّ خفض الرقم الهدروجيني (وكذلك تركيز أيونات الكربونات التي من المتوقّع أن تنخفض إلى النصف في أثناء هذا القرن) سوف يعرقل قابلية بعض الكائنات الحية على تصنيع كربونات الكالسيوم إلى حدّ سيجعل نمو تلك الكائنات الحية صعبا. إنّ أكثر أشكال الحياة تأثّرا بذلك هو نوع من العوالق النباتيةphytoplankton (كائنات نباتية طافية) تدعى حاملات الكوكّوليتات coccolithophorids المغطاة بلويحات صغيرة من كربونات الكالسيوم وتوجد بشكل عام قريبة من سطح المحيطات (حيث تستخدم ضوء الشمس الوفير في عملية التركيب الضوئي). أمّا الأمثلة الأخرى المهمة فهي الكائنات الطافية التي تدعى المنخرباتforaminifera (التي تنتمي إلى مجموعة المتمورات amoeba) والپتروپوداتpteropods (قواقع بحرية صغيرة). وهذه المخلوقات الصغيرة تكوّن مصدرا غذائيا رئيسيا للأسماك والثدييات البحرية التي تتضمّن بعض أنواع الحيتان.
ويخشى البيولوجيون أيضا ممّا قد يحدث للمرجانيات، التي على الرغم من مظهرها الذي يشبه النباتات، فإنها في الواقع مستعمرات من حيوانات صغيرة تنتمي إلى شقائق البحرsea anemones، فهي تتغذّى بترشيح العوالق البحرية (كائنات صغيرة طافية) من مياه البحر وتفرز هياكل من كربونات الكالسيوم التي تتراكم مع الزمن لتشكيل ما يسمى الشعاب المرجانية coralreefs التي تشكّل النُّظُم البيئيةecosystems الأكثر إنتاجا وتنوّعا من الناحية البيولوجية. وإضافة إلى ذلك تسهم الطحالب المرجانيةcoralline algae (طحالب تفرز أيضا كربونات الكالسيوم، وغالبا ما تشابه المرجانيات في المظهر) في «كلسنة» calcification الكثير من الشعاب المرجانية. فالرصيف (الشعب) الحاجزي الكبير GreatBarrier Reef المقابل لشاطئ أستراليا مثلا _ وهو البنية البيولوجية الأكبر في العالم _ هو بكل بساطة تراكم من المرجانيات والطحالب المرجانية، جيلا بعد جيل.
وتوجد أمثلة أقل وضوحا في أمكنة أعمق من البحار، حيث تغطّي جزئيا تجمّعات من مرجانيات الماء البارد الحواف القارية والجبال البحرية seamounts مشكلة مواطن مهمة للأسماك.
تدين مرجانيات المياه الضحلة بألوانها الجميلة جزئيا إلى الطحالب المتكافلة معها التي تعيش داخل خلايا المرجان. تترك أحيانا هذه الطحالب عائلها (مضيفها) استجابة لأشكال متنوعة من الإجهاد البيئي كاشفة بذلك الهيكل الأبيض الذي تحتها المؤلّف من كربونات الكالسيوم. ويمكن أن تحدث عملية «التبييض» bleaching هذه، نتيجة لارتفاع درجات الحرارة ارتفاعا كبيرا مثلا. ويظن بعض العلماء أنّ ازدياد حموضة مياه المحيطات (أو بتعبير أصحّ نقصان في الحالة القلوية الضعيفة في مياه المحيطات) ينزع أيضا إلى الحضّ على مثل هذه الأحداث العرَضية.
البقاء للأثخن؟(*******)
ومع ذلك يمكن أن تتأثّر المرجانيات والكائنات البحرية المكلسِنة، بازدياد الحموضة بطرق أكثر أهمية_ أي يمكن لأصدافها في الواقع أن تتفتّت. وإذا أردت توضيح هذا القلق: دع قطعة من الطباشير (كربونات الكالسيوم) تسقط في كأس تحوي حمض الخل (وهو حمض ضعيف)، ستبدأ قطعة الطباشير بالذوبان فورا. وللوصول إلى فهم أكمل لشكل الحياة الأكثر عرضة للخطر، مثل خطر الموت، لا بدّ من درس آخر في الكيمياء.
توجد كربونات الكالسيوم في المرجانيات أو في أصداف المخلوقات البحرية الأخرى في شكلين معدنيين اثنين: الكالسيت والأراگونيت. كما أن بعض الكائنات الحية التي تفرز الكالسيت تضيف عنصر المغنيزيوم إلى المزيج. ويكون كل من الأراگونيت والكالسيت المغنيزي أكثر ذوبانا من الكالسيت العادي. وهكذا فإنّ المرجانيات و الپتروپودات التي تبني أصدافها من الأراگونيت، والطحالب المرجانية المكونة أصدافها من الكالسيت المغنيزي، قد تكون معرّضة بصورة خاصة للأذى نتيجة ازدياد حموضة مياه المحيطات.
تعتمد قابلية ذوبان كربونات الكالسيوم بصورة أساسية على تركيز أيونات الكربونات (ومن ثم تعتمد بصورة غير مباشرة على الرقم الهدروجيني)، ولكن قابلية الذوبان تتوقّف أيضا على متغيّرات متعدّدة أخرى تتضمّن درجة الحرارة والضغط. إن الكثير من المياه الباردة العميقة الحالية مياه حمضية تكفي لإذابة أصداف كربونات الكالسيوم. ويقال لهذه المياه إنها مياه «تحت مشبعة» undersaturated. وتوصف المياه السطحية الدافئة الضحلة بأنّها «فوق مشبعة» supersaturated فيما يتعلّق بالكالسيت والأراگونيت على السواء، وهذا يعني عدم قابليتهما للذوبان. إنّ الانتقال بين الظروف تحت المشبعة والظروف فوق المشبعة يرجع إلى مستوى الإشباع؛ أي إلى المستوى الذي تبدأ تحته الأصداف والهياكل المؤلفة من كربونات الكالسيوم بالذوبان.
إن تدفق ثنائي أكسيد الكربون من الغلاف الجوي إلى المحيط تسبّب في إزاحة مستوى التشبُّع للأراگونيت والكالسيت مسافة50 إلى 200م إلى الأعلى نحو سطح المحيطات مقارنة بما كان عليه في القرن التاسع عشر. وتشير الدراسات الحديثة إلى أنّ مستوى التشبع سيرتفع أكثر في العقود القادمة. ومن ثم، كلّما ازدادت حموضة مياه المحيطات أكثر فأكثر، صارت الأجزاء العلوية منها، الصديقة للقواقع(1)، أقل سمكا. وبمعنى آخر ستصبح مياه المحيطات بالتدريج أقل ملاءمة للكائنات الحية المفرزة لكربونات الكالسيوم.
ومنذ البداية، استنتج الكثير من العلماء أنّ ازدياد حموضة مياه المحيطات يمكن أن يثير فقط مشكلة ثانوية لأنّ المياه السطحية ستبقى «فوق مشبعة» _ على الأقل فيما يتعلّق بالكالسيت الذي هو الشكل الأكثر استقرارا من كربونات الكالسيوم. ففي أواخر التسعينات من القرن الماضي، قاد<C.لانگدون> [المتخصص في البيولوجيا البحرية بجامعة ميامي] تجربة متميّزة لاختبار هذا الافتراض؛ إذ غيّر كيمياء المياه على رصيف مرجاني صنعي أقيم في خزان ضخم في مختبرالبيوسفيرII بجامعة كولومبيا (الذي يقع، بصورة مستغربة، في وسط صحراء أريزونا). وبصورة مدهشة وجد أن معدّل إنتاج كربونات الكالسيوم في المرجانيات قد انخفض مع انخفاض الرقم الهدروجيني، مع أنّ المياه بقيت فوق مشبعة إلى حد بعيد فيما يتعلّق بالأراگونيت. وبعد مدة قصيرة برهن<U.ريبيسل> [من معهد ألفرد وگنر للأبحاث البحرية والقطبية] وزملاؤه على وجود إعاقة مشابهة في نمو حاملات الكوكّوليتات الطافية. وتتوافر حاليا تجارب مختبرية للكشف عن التأثيرات المؤذية لتزايد ثنائي أكسيد الكربون (والرقم الهدروجيني الأخفض الذي ينتج منها) على كل المجموعات الرئيسية من الكائنات الحية البحرية التي تتمتع بأجزاء صلبة مؤلفة من كربونات الكالسيوم.
ونظرا إلى كون درجة فوق إشباع المياه الباردة هي أقل بصورة طبيعية من المياه الدافئة لجميع أشكال كربونات الكالسيوم، فإنّ نظُم البيئات المائية العميقة الواقعة في مناطق خطوط العرض العليا قد تكون الأولى التي تعاني ازدياد حموضة مياه المحيطات. والأمر الأكثر احتمالا أنّ المياه السطحية القطبية ستصبح «تحت مشبعة» بالنسبة إلى الأراگونيت قبل نهاية هذا القرن. واعتمادا على أعمال<V.J.فابري> [من جامعة ولاية كاليفورنيا، سان ماركوس]، فإنّ إحدى الإمكانيات المقلقة تكمن في أنّ الپتروپودات القطبية سوف تختفي جميعها تماما، أو ربّما سوف تجبر على الهجرة إلى مناطق خطوط العرض الأدنى والأدفأ على افتراض إمكانية تكيّفها مع تلك البيئات. ولا يعلم أحد كيف سيؤثّر النقصان الكبير في عدد الپتروپودات في الأجزاء الأخرى من النظام البيئي البحري. ولكن حقيقة أنّ تلك القواقع الصغيرة تشكل حلقة في السلسلة الغذائية للمحيط الجنوبي (فهي تعيل جماعات كبيرة من الأسماك والحيتان والطيور البحرية) هي سبب وجيه لهذا القلق.
وقد ينتظر العوالقَ البحريةَ الكلسية النباتية والحيوانية في خطوط العرض العليا مصير مشابه، مع أنّ تضاؤل أعدادها سيتم بعد عقود من الزمن بسبب أنّ أصدافها مكوّنة من الكالسيت وهو شكل كربونات الكالسيوم الأقل ذوبانا. ومن المحتمل أيضا أن تتأثّر مجتمعات مرجان المياه العميقة وبصورة خاصة تلك التي تعيش في غرب الأطلسي الشمالي على طول ممر المياه المحتوية على تراكيز مرتفعة من الكربون الناجمة عن انبعاثات الوقود الأحفوري.
أمّا مستقبل الشعاب المرجانية المتوقع فمن المؤكد أنّه أكثر قتامة. وفي هذه النظم البيئية «الثمينة»، فإن ازدياد حموضة مياه المحيطات ليس إلا واحدا من إجهادات بيئية كثيرة، وهو هجوم يتضمّن: احترارا دفيئيا وتلوثا محليا وصيدا جائرا وتدميرا للمواطن. والكثير من الشعاب المرجانية حاليا في تراجع ويمكن أن يدفع ازدياد حموضة مياه المحيطات بعضها إلى الموت، ومن ثم إلى انقراضها.
تغيّر بحري قادم(********)
وبمقدار ما يتوقع من حدوث ظروف سيئة للكثير من الكائنات الحية البحرية، فإنه سيكون هناك بعض المنتصرين أيضا. ففي الوقت الحاضر، توجد كمية قليلة من الكربون في مياه البحر على شكل ثنائي أكسيد كربون ذائب، وهذه الندرة تحدّ من نمو بعض أنماط العوالق النباتية (كائنات نباتية طافية). ويكرّس الكثير من هذه الأنواع جزءا مهما من طاقته لتركيز ثنائي أكسيد الكربون داخل خلاياه. ومن المفترض أنّ الزيادات في ثنائي أكسيد الكربون المذاب ستكون مفيدة لها، وربّما هذا هو الذي سيحصل. ومع ذلك لم يُعرف الشيء الكثير عن هذا المفعول التسميديfertilization لوضع تنبؤات ثابتة لمستقبل العوالق النباتية أو للقول فيما إذا كانت المستويات الأعلى لثنائي أكسيد الكربون ستفيد الطحالب التي تقوم بعملية التركيب الضوئي والتي تعيش داخل المرجانيات. إنّ الكثير من أنواع العوالق النباتية البحرية يستخدم أيون البيكربونات في عملية التركيب الضوئي. ونظرا إلى أن تركيز هذا الأيون لن يتغير كثيرا، فلا يتوقع البيولوجيون أن يزداد نمو هذه الكائنات الحية زيادة كبيرة. إنّ بعض النباتات الأرقى (مثل الأعشاب البحرية) يستخدم مباشرة ثنائي أكسيد الكربون المذاب، ومن المحتمل أنه سيستفيد من مستوياته المرتفعة تماما مثل النباتات الأرضية التي يزداد نموها عندما يزداد تركيز هذا الغاز في الغلاف الجوي.
|
ساحة النقاش