Environment & fisheries

الاهتمام بالبيئة ليست ترفا فكريا ولكنة واجب دينى لحياة افضل

تلوث البحر المتوسط وآثاره السلبية على الكائنات الحية-

 

الإنسان هو أنجح الكائنات الحية في إعمار الأرض واستيطانها واستغلالها.. لكنه
أكثر الكائنات إفساداً وتلويثاً لها.
 (روبرت موريسون)
 عالم بيئي

البحر المتوسط أول بحر تاجر في التاريخ، وهو المدرسة الأولى التي تعلم فيها الإنسان فنون الملاحة، عبرت عبابه السفن الفينيقية تحمل الأرجوان والخمور والزيوت.
لعب دوراً هاماً في تاريخ العالم
ليس حضارة وإنما تمازج حضارات رفدت الإنسانية وقادت البشرية إلى التطور بأشكاله كافة، كل شيء يصب فيها يمتزج بتاريخه ويغنيه.
يمتاز بموقعه الجغرافي والاستراتيجي الممتاز، يتوسط العالم القديم بقاراته الثلاث (آسيا إفريقيا أوربا).وتمتد سواحله على 46 ألف كم كما تتقاسمها 16 دولة.
على خريطة العالم يشكل المتوسط شقاً بسيطاً في القشرة الأرضية على شكل مغزلي ضيق.
ويعد من أهم البحار القارية حيث تحف به اليابس من جميع الجهات، ولا يتصل بالمحيط الأطلنطي المجاور سوى عن طريق ممر ضيق يعرف باسم مضيق جبل طارق الذي يقع بين شبه الجزيرة الإيبرية والمملكة المغربية ويعد المعبر الوحيد إلى المحيط الأطلنطي، يصل طوله إلى 65 كم أما عرضه يتراوح من 14 – 44 كم وأقصى عمق يصل إلى 338 متراً.
للمضيق أهمية مائية كبيرة إذ يتم عبره نقل كميات كبيرة جداً من المياه ما بين الأطلنطي والمتوسط، إذ يدخل قرابة 40 ألف كم3 من المياه وتعبر المضيق يومياً أكثر من 200 سفينة نقل وحربية.
ويعيش حول المتوسط نصف مليار من البشر وتمتد على سواحله أراضٍ غنية بالنباتات المختلفة التي تبلغ أكثر من 10 آلاف نوع تشكل ما بين 8 – 9% من التنوع البيولوجي في العالم في مساحة لا تتجاوز 7% من مساحة المحيطات وبعض الأنواع على الأقل فريد من نوعه، لا يتواجد إلا في المتوسط.
وتمثل نباتات المتوسط ثروة ليس من حيث جمالها الطبيعي فحسب بل من حيث آثارها المناخية والغذائية.
لقد بقيت مياه هذا البحر رقراقة نظيفة على مدى التاريخ مثل البيئة التي تحيط به من كل جانب، ولكن هذا الحال تبدل منذ قيام الثورة الصناعية في أوربة واستخدام الوقود الأحفوري وآخرها انتشار المفاعلات النووية للأغراض السلمية.


إيكولوجية البحر المتوسط
تعد بيئة المتوسط هشة بالمقارنة مع المحيطات والبحار المجاورة نظراً لصفاتها الطبيعية التي تتوضح في خصائصها التالية:
1- المورفولوجية
2- الهيدرولوجية
3- البيولوجية.
* الخصائص المورفولوجية:
تكثر العتبات وأهمها مضيق جبل طارق الذي يفصل مياه المتوسط عن مياه الأطلنطي، وعتبة صقلية التي تقسم المتوسط إلى حوضين الغربية والشرقي.
وآثار العتبات هي عرقلة المياه بين البحار الثانوية المتوسطية مثل بحر إيجة – البحر الأسود – الأدرياتيكي – التيراني.
وإن السمات الأبرز في هذه الجيومورفولوجية هو الانحدار السريع للشواطئ باتجاه الأعماق الكبيرة التي تتراوح بين 2000 – 4000 متراً.
وهذا العمق الكبير مناسب لإبحار الغواصات والسفن الحربية، ولذلك تكثر في المتوسط القواعد العسكرية الغربية.
أما عدد المصبات المائية والأنهار فتزيد على 120 مصباً أبرزها الرون – الايبر – والبون على الشاطئ الشمالي، والنيل على الشاطئ الجنوبي.
وأهم ما يميز الثلاثة الأولى نسبة تلوثها العالية جداً.
* الخصائص البيولوجية:
يعد فقيراً بموارده الغذائية الأساسية " البلانكتون" بنوعيه النباتي والحيواني الذي يشكل عنصراً من عناصر السلسلة الغذائية الضرورية للأسماك.
ويلاحظ انخفاض نسبة هذه العناصر الغذائية كلما انتقلنا من غربي البحر إلى شرقيه
وهناك صفة مميزة للمياه البحرية وهي قلة الخلط الأفقي بين الماء والقاع الممد بالعناصر الغذائية.
كما أن عمليات التناسل النباتي والحيواني متنوعة وحديثة جداً غير أنها تتصف بضعف درجة خصوبتها مما يجعلها سريعة العطب بوجه خاص في حال حدوث تغيرات هامة نتيجة تلوث الأوساط البحرية المحتضنة للكائنات الحية.
* الخصائص الهيدرولوجية:
للبحر المتوسط ميزانه المائي السلبي حسب بعض المصادر حيث يقدر النقص بـ (1000مم تقريباً) بينما لا يبلغ معدل الأمطار 500 مم، ولولا وجود آلية التعويض عن طريق الأنهار ومياه الأطلنطي لتبخر خلال 2000 عام وهذا ما مر فيه فعلاً من 5 – 6 مليون سنة خلت.
أشكال التلوث
التلوث البحري كما عرّفته الاتفاقية الأخيرة لقانون البحار الموقع عليها في "جمايكا " بتاريخ 10/12/1982.
إدخال الإنسان في البيئة البحرية بما في ذلك مصاب الأنهار بصورة مباشرة أو غير مباشرة مواد أو طاقة ينجم عنها أو يحتمل أن تنجم عنها آثار مؤذية مثل الأضرار بالموارد والحياة البحرية وتعريض الصحة البشرية للأخطار وإعاقة الأنشطة البحرية بما في ذلك صيد الأسماك والسياحة البيئية وغيرها من أوجه الاستخدام المشروعة للبحار .

 
أصبح البحر المتوسط عرضة للتلوث الشديد بسبب طرح الفضلات السائلة والبترول والمجارير وهو مهدد بالموت كبحر البلطيق إذا لم تُتخذ التدابير العاجلة، وقد ساهمت جميع دول المتوسط بهذا التلوث، ولكن بشكل متفاوت نسبياً مع درجة تطور هذه الدول وعدد مدنها الساحلية ومصانعها.
وحصة دول الشمال هي العظمى وهي المسؤولة أساساً عن تلوث البحر المتوسط، وتقدم مجتمعة ملايين الأطنان من المواد السامة كل عام لمياه هذا البحر.
وبالرغم من إدراك تلك الدول لخطورة هذا الوضع القائم لازالت الجهود الرامية للتعاون في مجال الحد من التلوث تنقصها النتائج الملموسة وربما لا يكون هذا البحر مشرفاً على الموت، كما يقال لكنه مريض كبقية البحار المغلقة والبحيرات الكبرى في العالم المعاصر.

ملوثات البحر المتوسط
التلوث بالنفط 
 مصادر هذا الملوثات هي:
1- مصافي النفط التي بلغ عددها في دول الحوض ما يقارب 50 مصفاة.
2- ناقلات النفط
3- التسرب الطبيعي من باطن قاع البحر
يشهد البحر المتوسط حركة كثيفة ونشيطة لناقلات النفط العملاقة وتساهم 35% من حركة النفط العالمية التي تعبر خلاله.
ويلاحظ أن ناقلات النفط معظمها بحاجة إلى تبديل لأن عمرها يزيد عن 50 عاماً وبالتالي تصبح أكثر عرضة للحوادث بفعل قدمها، وقد أدى غرق ناقلة نفط قبالة السواحل الإيطالية إلى تلوث هذه السواحل في آذار 1991 وامتدت بقعة النفط إلى قرابة السواحل الفرنسية ملوثة هذه المياه وشردت الآلاف من سكان السواحل وإلى قتل آلاف الأطنان من الأسماك وإلى انتشار الروائح الكريهة.
ويرافق هذا الثقل النفطي الكثيف إلقاء كميات هائلة من النفط في مياهه تتراوح ما بين 120 – 800 ألف طناً في السنة.
عندما ينتشر طن من النفط في البحر فإنه يغطي مساحة 12كم2 وبالتالي يحرم الكائنات البحرية من حاجتها إلى الضوء والأوكسجين.
كما يتفاعل مع بكتريا البحار ويظهر خطر التلوث على النظام بشكل مدمر عند تفاعله مع المنظفات الموجودة أصلاً في مياه المجاري المنزلية المطروحة في مياه البحر.
والتلوث واضح على سواحل سورية وتونس والمغرب، كما تتسرب كميات من النفط إلى القاع مبيدة في طريقها آلاف الكائنات الحية، ويعد الساحل الشرقي أكثر مناطق العالم تلوثاً بالنفط، وفي حال حدوث تسرب نفطي وانتشاره على سطح الماء هناك ثلاثة وسائل لاستعادة النفط والتخلص منه.
1- وسائل ميكانيكية.
2- وسائل عضوية.
3- وسائل كيماوية.
أولا ً: الوسائل الميكانيكية
تهدف لاستعادة النفط المنتشر على سطح المياه بطريقة مباشرة أو بعد حصر البقع النفطية في دائرة محددة ويتم شفطها إلى مراكب خاصة حيث تخزن وتنقل لمعالجتها.
ثانياً: الوسائل العضوية
تستعمل المتعضيات (الميكروبات) الدقيقة والجراثيم الطبيعية الأليفة للزيوت لابتلاع النفط حيث تتغذى هذه الجراثيم بمواد مثل الانيبول المكوّنة من حمض الزيت والآزوت والفوسفور تتكاثر بسرعة من20 عضوية إلى 100 عضوية بالمليمتر الواحد خلال ساعات وتبتلع النفط وتحلل قبل أن تموت خلال أسابيع.
ثالثاً: الوسائل الكيميائية
أنواع من الهيدروكربونات تساعد على تفكيك وتثبيت بقع النفط قبل وصولها إلى الشاطئ وعلى تحللها بواسطة العضويات البحرية الدقيقة.
التلوث الحراري:
يحدث عندما تطرح في البحر المياه المستخدمة لتبريد المنشآت الصناعية
(المحطات الكهربائية الحرارية – المحطات النووية – معامل إسالة الغاز, مصافي النفط).
توجد على سواحل المتوسط حوالي 120 محطة حرارية وتشير الدراسات إلى أن مياه التبريد لها خصائصها كونها أقل ملوحة من مياه البحر وتحتوي على مواد سامة، أثر هذا التلوث محدود ولكنه قد يزيد في المستقبل، له تأثير على الأجناس لصالح الأجناس الأكثر تكيفاً للحرارة.
التلوث الكيماوي:
يعد أخطر أنواع الملوثات وهو نتيجة للتطور الصناعي حيث ترمى الفضلات السامة DDT التي تبقى في المياه لمدة 15 عاماً دون تحلل تام.
وبذلك يتراكم في أنسجة الكائنات البحرية ويزداد كغيره صعوداً عبر السلسلة الغذائية (الإنسان قمة الهرم الغذائي).

 
التلوث بالمواد المشعة:
يرافق تشغيل المفاعلات النووية مشكلة خطيرة وهي التخلص من النفايات الناتجة عن تشغيل المفاعلات والتي يتزايد إنتاجها مع تزايد إنتاج الكهرباء بواسطة المفاعلات.
وتقدر هذه النفايات المشعة بنحو 100 مليون غالون من الفضلات الصلبة والسائلة لكل طن واحد من الوقود النووي، ومصادر هذا التلوث 100% يأتي من إسرائيل والدول الأوربية الساحلية لعدم وجود تصنيع نووي في الدول العربية ومقدار التلوث المطروح في المتوسط 2500 طن تريتيوم 400 طن من مواد مشعة أخرى.
التلوث بالمعادن الثقيلة (الرصاص، الزئبق):
 إن مثل هذا النوع من التلوث مشكلة كبيرة لأن هذه الفلزات ذات تأثير سام، كما أن لها القدرة على التراكم بالأنسجة الحية وهذه الفلزات الثقيلة كالزئبق والرصاص وبعض الفلزات الأخرى كالكاديوم والزنك، يصل إلى البحر حوالي 3,5 مليون طن من الرصاص (من صناعة الدهانات، المبيدات بأنواعها، البطاريات).
الزئبق: عنصر سام جداً عند دخوله الجسم البشري ويؤدي إلى الوفاة وقد أدى التسمم بالزئبق إلى وفاة 243 صياداً من اليابان 1956.
وتحتوي مياه المصانع التي تصب شمال المتوسط على القصدير والتيتيان والحديد وقد شوهدت المواد من الحيتان المحتضرة قرب الشواطئ الفرنسية.
التلوث الحيوي:
ويمكن أن نحدده بثلاثة أنواعه:
1- التلوث العمراني: ناجم عن النشاطات المنزلية والقمامة البيتية
2- التلوث الجرثومي: مياه الصرف الصحي والمستشفيات التي تحمل مليارات من الجراثيم والفيروسات والبكتريا.
3- التلوث بالمنظفات: بلغت الحركة الإجمالية للتلوث بالمنظفات 65000 طن ووجودها في المياه يشكل طبقة عازلة بين الماء والهواء مما يجعل عملية تنفس الأسماك صعبة.

التلوث بالأمطار الحمضية:
ينشأ المطر الحمضي بعد انطلاق غاز CO2 وثاني أكسيد النتروجين إلى الجو عند احتراق الفحم، وبعد انطلاقهما في الجو يتحدان مع بخار الماء الصاعد بفعل أشعة الشمس والحرارة وينتج عن هذا الاتحاد حمض الكبريت وحمض النتريك ويهبط كل من هذين الحمضين مع مياه الأمطار التي تسقط فوق المتوسط ويضاف إلى الملوثات السابقة.
ملوثات تصب في البحر ملوثات طافية تستقدمها التيارات البحرية، كما يلاحظ ارتفاع ملوحة مياه البحر المتوسط بسبب ارتفاع الحرارة الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري والتبخر الشديد.
الآثار الناجمة عن التلوث البحري:
1- القضاء على بعض الأسماك حيث تشير الدراسات وتؤكد أن نصيب الصياد من الأسماك يومياً لا يتجاوز 750 غراماً وهذا يدل على فقر المتوسط الشديد.
25% من الطحالب البحرية مهددة و75% من النباتات البذرية، وأيضاً الاسفنجيات تدهورت تدهوراً شديداً وبخاصة على الساحل السوري بسبب التلوث النفطي واستخدام المتفجرات والسموم بهدف صيد الأسماك.
2- القضاء على البلانكتون الذي يعد غذاءً لأصغر وأكبر الكائنات الحية.
3- تشويه الصورة الجمالية الرائعة لسواحل المتوسط وبالتالي التأثير السلبي على الساحة البيئية.
4- الأمراض الخطيرة التي بدأت تظهر لدى سكان حوض المتوسط حيث تشير تقارير طبية موثوقة إلى وجود البكتريا الممرضة والفيروسات التي تسبب الإصابات التيفية والإسهال كما يحذرون من شلل الأطفال.
5- السباحة في مياه المتوسط مغامرة خطيرة لما تحمله مياه البحر من عصيات الكوليفورم بتراكيز كبيرة جداً.

ظاهرة الاحتباس الحراري وآثارها السلبية
أدت هذه الظاهرة إلى ارتفاع درجة الحرارة على المستوى العالمي وتغير المناخ فزادت ملوحة البحر وارتفعت درجة حرارة مياهه مما انعكس سلباً على الأحياء البحرية.
ومن نتائج هذا التغيير زيادة هجرة أنواع عديدة من الأسماك الضارة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط مثل سمكة (البالون السامة) التي ظهرت منذ 8 سنوات وهي تتغذى على الأسماك الصغيرة مثل السردين والغبص.
قناديل البحر: ظهرت بشكل مبكر وفي غير أوقاتها وهذا سيؤدي إلى منافسة اقتصادية للصيادين حيث تتغذى على يرقات الأسماك إضافة للضرر الذي يلحق بالسباحة البيئية وعشاق السياحة في البحر.
إجراءات الوقاية:
1- إقرار خطة موحدة لدول المتوسط مبنية على النوايا الطيبة والحسنة عن طريق إصدار تشريعات تحترم من قبل الدول الأوربية التي تتجاهل حقوقنا البيئية والدليل على ذلك مؤتمر برشلونة 1976 الذي ضم ممثلي 16 دولة متوسطية، ومؤتمر أثينا واجتماع أوسبار Ospar 1998 في لشبونة، وقرارات كل هذه 2- التغطية المالية، وذلك من أجل تأمين تجهيزات تكنولوجية مسايرة للتطور.
3- التخطيط الهادف والمبرمج ووضع برنامج إيكولوجي موحد صلب، وذلك لوقف زحف السموم والملوثات واعتماد الحلول العملية على المدى القريب والبعيد.
4- من الهام الإشارة في هذا المجال إلى الدور الذي يمكن للطيران والتوابع الأرضية (الأقمار الصناعية) أن يقوم به وهو كشف وجود ملوث ما بدقة وبشكل نوعي، وهذا يتناول البقع النفطية وانتشار مواد معدنية سامة.
5- إن المناطق المحمية لا تتجاوز 1% من مساحة المتوسط وهو رقم ينأى عما يوصي به العلماء عن حماية تتراوح بين 20 – 50 % يحتاجها المتوسط على الفور كشبكة من المحميات البحرية من أجل الحفاظ على تنوعه البيولوجي.

اعداد م لبنى نعيم

المصدر: www.albahethon.com

ساحة النقاش

المهندسة/ لبنى نعيم

lobnamohamed
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

862,936