القيادة في الإدارة الإسلامية
الفريق عبدالعزيز بن محمد هنيدي
المصدر: من كتاب: "إدارة الذات: مدخل مقترح في الإدارة الإسلامية".
<!--
لقد عرِّفت القيادة في الإدارة الحديثة عِدَّة تعريفات، منها تعريف (أوردوي تيد)، الذي ذكر أنَّها: "النشاط الذي يمارسه الشخص للتأثير في الناس، وجعلهم يتعاونون لتحقيق هدف يرغبون في تحقيقه" ، وهناك تعريف آخر على أنَّها: "القدرة على التأثير في سلوك أفراد الجماعة، وتنسيق جهودهم، وتوجيههم لبلوغ الغايات المنشودة"..
ومن التعاريف السابقة يتضح أنَّ القيادة تتكون من ثلاثة عناصر أساسية، هي:
1- وجود جماعة من الأفراد.
2- وجود فرد بين المجموعة يؤثِّر فيهم.
3- وجود أهداف مشتركة يسعون لتحقيقها.
أمَّا مفهوم القيادة في الإسلام، فيعني: "ذلك السلوك الذي يقوم به شاغل مركز الخليفة أثناء تفاعله مع غيره من أفراد الجماعة، فهي عملية سلوكية، وهي تفاعل اجتماعي فيه نشاط موجه ومؤثر، علاوة على كونه مركزًا وقوة".
والقيادة الإسلامية قيادة لا تعرف الاستبدادَ أو الفوضى، فالقائد المسلم ينطلق من مبادئ الإسلام الراسخة، ومن العقيدة التي يؤمن بها، مُعتمدًا على مبدأ الشورى مع أتباعه في اتخاذ القرارات بكل موضوعية وعدل وتَجرد، يحدوه في ذلك مَرضاة الله ورسوله.
خصائص القائد المسلم:
يقول الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((سيد القوم خادمهم)) ، وهذا يعني أن الذي يتولى قيادة الجماعة هو مَن يقوم بخدمتهم، والسَّهر عليهم، والسير بهم نحو تحقيق أهدافهم، ومن أهم خصائص القيادة الإسلامية :
1- ولاء القائد وأتباعه لله - سبحانه وتعالى.
2- أن يكون فهم القائد لأهداف العمل ومصلحة المنظمة في ضوء الأهداف الإسلامية الكبرى.
3- الالتزام بالشريعة والسلوك الإسلامي.
4- الأمانة الموكلة إليه من الله - سبحانه وتعالى - بتعهدها بما يترتب عليها من مسؤولية عظيمة؛ لذا يأمر الله عبادَه من القادة أن يؤدُّوا واجبَهم نحوه - سبحانه وتعالى - من خلال ممارسة العدل والرأفة تُجاه المرؤوسين؛ حيث يقول الله - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [الحج: 41].
مبادئ القيادة الإسلامية:
يُمكن توضيح أهم مبادئ القيادة الإسلامية فيما يلي:
أ- مبدأ الشورى:
لقد وجه القرآن الكريم إلى ضرورة التزام القادة المسلمين بالشورى مع أهلِ العلم والمعرفة، وكل من له القدرة على تقديم النُّصح والإرشاد؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38].
ب- العدل:
والقيادة الإسلامية تُحتِّم على القائد أنْ يتعامل مع الآخرين بالعدل والإنصاف، دون النظر إلى أجناسهم أو ألوانهم أو أصولهم؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾[النساء: 58].
ج- حرية الفكر:
على القائد المسلم أنْ يوفر لمرؤوسيه وأتباعِه المناخَ المناسب للنَّقد البنَّاء، وأن يطالب به شخصيًّا، وللأعضاء حقُّ التعبير الحر عن آرائهم، ولقد اعتبر الخليفة عمر بن الخطاب ذلك أمرًا أساسِيًّا، والحادثةُ التي حصلت بينه - رضي الله عنه - والمرأة المسنة، التي قاطعتْه وهو يَخطب بالمسجد مَعروفةٌ؛ حيث أقر عمر بخَطَئِه في الحال، وشكر الله - سبحانه وتعالى - على أنَّ هناك مَن قام بتقويم خطئه.
القيادة في القرآن الكريم:
لقد كان القرآنُ الكريم الموجه الأولَ لقائد الأمة الإسلامية مُحمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - فهو القُدوة الحسنة في القيادة وفن التعامل، والقرآن يزخَر بالآيات الكثيرة التي توجه الرسول في مختلف أمور الحياة؛ قال - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، ومن التوجيهات الإلهية للرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - قول الله - تعالى -: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159].
ويُمكن استخلاص التوجيهات القيادية للرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - من هذه الآية الكريمة بما يلي:
1- اللين الذي تَمتَّع به الرسولُ - عليه الصَّلاة والسَّلام - وذلك من رحمة الله تعالى - للأمة.
2- عدم الفظاظة والشدة والغلظة حَبَّبَ الرسول إلى الصحابة، فالتفُّوا حوله.
3- الأمر بالعفو عن صحابته.
4- الأمر بالاستغفار والدعاء لهم.
5- الأمر بالتشاور في جميع الأمور.
6- الأمر بالتوكل على الله بعد العزم.
وفي القرآن الكريم الكثيرُ من الآيات التي تُوجِّه الرسولَ كقائدٍ لهذه الأُمَّة، وتدفعه إلى حُسْنِ التعامُل، من هذه الآيات قوله - تعالى -: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾[النحل: 125].
القيادة في الأحاديث النبوية:
وتؤكد الأحاديثُ النبوية على ضرورةِ القيادة؛ لقَولِ رَسول الله - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((لا يحل لثلاثة أن يكونوا بفلاة من الأرض إلاَّ أمَّروا عليهم أحدهم)) ، وقوله أيضًا: ((إذا خرج ثلاثة في سفر، فليؤمروا عليهم أحدهم)).
ويتضح من الحديثين السابقين أنَّ الجماعةَ هي التي تَختار القائد؛ لِمَا يتمتع به من قدرات وصفات تؤهِّله للقيادة، بعيدًا عن التسلط وفرض القيادة بالقوة، فالقيادةُ الحقة هي التي تأتي نتيجةَ رضا الجماعة واقتناعها بقُدرةِ هذا القائد في أنْ يقودَها إلى بَرِّ الأمان، وتحقيق أهدافها المرجُوَّة.
وقد كان الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - نِعْمَ القائدُ والقدوة للجماعة الإسلامية، التي آمنتْ برسالته، وتَمسَّكت بدعوته، وضَحَّت بأنفسها وأموالها في سبيل نشر دعوته، ومن توجيهات الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - في مجال القيادة للأُمَّة الإسلامية المتعددة قولُه: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته)) ، وقوله: ((اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبدٌ حبشي، كأَنَّ رأسَه زبيبة)) ، وقوله: ((اللهم مَن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا، فشَقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا، فرفق بهم فارفق به)) ، وأخيرًا قوله: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني)).
ولقد كانت قيادةُ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في تعيين الوُلاة في غايةِ الدِّقَّة؛ حيث يَختارهم من الأشخاص الذين يتمتَّعون بالخُلق القويم وسَعة العلم، وعلى درجة من الكفاءة والجدارة؛ لهذا نجد أنَّ اختيارَ القادة في فجر الإسلام كان يقوم على الاستقامة والقدرة والنزاهة، وكما ذكر سابقًا، فالقيادة الإسلامية تقوم على مبدأ الشورى؛ التزامًا بقولِ الله - تعالى -: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38]، ولقد طبَّق الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا المبدأ في إدارته وقيادته للمسلمين؛ حيث كان يقوم باستشارةِ أصحابه من أهل الرأي والبصيرة.
ولقد ظهرت المقدرةُ القياديةُ للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في مَجالاتٍ عِدَّة، منها مجال التخطيط والتنظيم للدعوة الإسلامية في المجتمع المكي والمجتمع المدني، وما قام به مِن المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، وإبرامِ الاتِّفاقِيَّات والعهود مع غير المسلمين، وكذلك أسلوبه الفريد تجاه المؤلَّفة قلوبُهم وبذْله العطايا والصدقات؛ لجذبهم للإسلام، كما يتجلى أسلوبه القيادي في استقبالِه وُفودَ العرب وإكرامه لهم في سبيل إقناعهم وجذبهم للدعوة، وموقفه القيادي النبيل من صلح الحديبية، وما أظهره من اللِّين والتحمُّل والصبر في سبيل حقن الدِّماء؛ حيث كان لهذا الصلحِ المردودُ الطيب والإيجابي على الدعوة الإسلامية؛ حيث اختلط المشركون بالمسلمين، وتعرَّفوا على أسلوبِهم في الحياة، وعلى إيمانهم بقضيتهم وبرسولهم؛ مما دفع الكثيرَ من المشركين للدخول إلى الإسلام حتى قبل أن يتم فتح مكة.
ولقد سار الخلفاء الراشدون على منهج الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - في تطبيق أسلوبه القيادي، ففي عهد أبي بكر - رضي الله عنه - عرَفت الإدارة الإسلامية المبادئ القيادية المتمثِّلة في نشر الرِّسالة، ورعاية شؤون الأمة، فكان طريقه ومنهجه القدوةَ الحسنة في الحكم، وشريعته الالتزام بمفهوم الشريعة الإسلامية وتطبيقها بكل أمانة وإخلاص، مستندًا إلى مبدأ العدل في المعاملة، والشورى في مَنهجه، كما حارب المرتَدِّين ومن امتنع عن دَفْعِ الزكاة، وحارب مدَّعي النبوة، وحافَظ على استقرارِ الدَّولة الإسلامية وسلامتها، وإذا كان - عليه الصَّلاة والسَّلام - وَضَعَ حجر الأساس في بناء الدولة الإسلامية، فإن أبا بكر - رضي الله عنه - عمِل على تثبيتها واستقرارها، واتَّضحتْ سياسَتُه ومنهجه في الحكم من خلال خطبته التي ألقاها بعد توليه الخلافة؛ حيث جاء فيها:
"أيها الناس، إنِّي وليت عليكم ولستُ بخيركم، فإنْ أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌّ عندي حتى آخذ الحقَّ له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه - إن شاء الله - لا يدَع أحدُكم الجهاد؛ فإنه لا يدعه قومٌ إلا ضربهم الله بالذلِّ، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإن عصيت، فلا طاعةَ لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله" .
بعد ذلك تولَّى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قيادةَ المسلمين، بعد أن اختاره أبو بكر - رضي الله عنه - حيث رأى فيه الكفاية وحُسْنَ السياسة؛ فهو الحكيم العادل الفاروق، ويعد عهدُه من العهود الذهبية للإسلام، وقد آمن - رضي الله عنه - بالشورى، فكان يقول: "أشيروا عليَّ أيها الناس" ، ويستعين بالناس، ويُشاورهم في اختيارِ الوُلاة وقُواد الجيش، ثُمَّ قام بتنظيم مَرافق الدولة، وكيفية الاستفادة من الأموال الكثيرة التي تَرِدُ إلى بيت المال في إنشاء الدواوين، وكان يستخدمُ أسلوبَ المركزية في إدارة الدولة الإسلامية؛ وذلك لأنَّ الدولة في طور البناء، وتَحتاج إلى التنسيق الشامل، والتنظيم الفَعَّال، هذا لا يَتِمُّ إلاَّ عن طريق سُلطة مركزية واحدة، وفي هذا الصدد يقول سليمان الطماوي: "وكلنا يجد أنَّه لم يكن أمام عمر وسيلةٌ أخرى غيرها، بل لا نبالغ إذا قلنا: إنَّه لولا تركيز السُّلطات في يد الخليفة، وهيمنته التامَّة على جميع الأمور في أطراف الدولة، لَمَا استطاع عمر ولا المسلمون أنْ يُحقِّقوا ما حقَّقوه من معجزات في هذا الزمن القصير".
كما قام بتأسيس نظام مُستقل للقضاء، فلم يعيِّن في مناصب القضاء سوى كبار الفقهاء، المعروف عنهم السمعةُ الطيبة، والسيرة الحسنة، والعلم بأصول الدين، وظهرتْ في عهده الإدارة الإقليمية في الدولة الإسلامية، فكان كبارُ العاملين في الدولة هم: الوالي، والعامل، والقاضي، وكاتب الديوان، وصاحب بيت المال، وكانت طريقته عندما يقوم بتعيين والٍ أو عامل تسليمه عهدًا بالتعيين يشتمل على أمرِ تعيينه، مع توضيح واجباته واختصاصاته وسلطاته، ثم يَختم أمر التعيين بختمه الرسمي، ويشهد على ذلك مَن حضر من أهل الشورى من مهاجرين وأنصار.
ولم تكن مسؤولية الخليفة عمر تقفُ فقط عند اختيارهم أو توجيههم، بل تَمتَدُّ إلى إقامة الضمانات التي تَجعل ولاياتهم على الناس رحمةً ورخاء وأمنًا، فعندما يختار الوالي كان يقول له: "إني لم أستعملك على دماء المسلمين ولا على أعراضهم، ولكن استعملتك لتقيمَ الصلاة فيهم، وتقسم بينهم، وتحكم فيهم بالعدل" ، ولقد رُوي عنه أنه تأخر في خطبة الجمعة، فجاء مهرولاً في بردة بها إحدى وعشرون رقعة تَحتها قميص لم يجفَّ بعدُ من البلل، فصعد المنبر، وقال: "حبسني عنكم قميصي هذا، كنت أنتظره حتى يجف فآتيكم به؛ إنه ليس لي قميص غيره" .
وهناك أيضًا موقفه من الهدية التي أهداها له عامله بأذربيجان عتبة بن فرقد من الحلوى والفالوذج، فسأل عمر الرسول الذي جاء بها: "أَوَكلُّ الناس هناك يأكلون هذا؟"، فيجيبه الرجل قائلاً: كلاَّ يا أمير المؤمنين، إنَّها طعام الخاصة، فيَخْتَلِجُ عمر ويقول للرجل: "احمل هديتك وارجع بها إلى صاحبها، وقل له: اتَّقِ الله، وأشبعِ المسلمين مما تشبع منه" .
وجاء رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الذي أكَّد على اصطفاء القادة للمستشارين، والاستعانة بهم في المشورة والرأي والنصيحة، وقد ذكر صفات هؤلاء المستشارين من حيث الأمانة، والذَّكاء، والإلمام بالأمور، والشجاعة في الرأي، وحسن السيرة والخلق.
ولقد جاء في كتابه - رضي الله عنه - إلى الأشتر النخعي عندما وَلاَّه على مصر وأعمالها، وهو أطول عهد جمع أساسِيَّات القيادة الإدارية في كتاب واحد - ما يلي:
1- الحب والرحمة: "وأشعر قلبَك الرحمةَ للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم".
2- الابتعاد عن المحاباة: "أنصف الله، وأنصف الناس من نفسك أو من خاصة أهلك، ومن لك فيه هوًى من رعيتك، فإنَّك إلاَّ تفعل تظلم، ومن ظلم عبادَ الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحضَ حجته، وكان لله حَرْبًا حتى ينزع أو يتوب".
3- إرضاء الجماعة: "وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعملها في العدل، وأجمعها لرضا الرعية، فإنَّ سخطَ العامة يجحف برضا الخاصَّة، وإنَّ سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة".
4- اصطفاء المستشارين: "ولا تدخلن في مَشورتك بَخيلاً يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جبانًا يضعفك عن الأمور، ولا حَريصًا يُزيِّن لك الشر بالجور، فإنَّ البخلَ والجبنَ والحرصَ غرائزُ شتَّى، يَجمعها سوء الظن بالله".
5- توفير الحوافز: "ولا يكن المحسنُ والمسيء عندَك بمنزلة سواء؛ فإنَّ في ذلك تزهيدًا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبًا لأهلِ الإساءة على الإساءة، وألزم كلاًّ منهم ما ألزم نفسه".
6- توظيف ذوي الكفاية: "ثُمَّ انظر في أمور عمالك، فاستعملهم اختيارًا، ولا تولهم محاباة وأثرةً؛ فإنَّهما جماع من شُعَبِ الجور والخيانة، وتَوَخَّ منهم أهلَ التجربة والحياء من أهل البيوتات الصَّالحة، والقدم في الإسلام؛ فإنَّهم أكرمُ أخلاقًا، وأصحُّ أغراضًا، وأقل في المطامع إشرافًا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرًا".
7- الرقابة والمساءلة: "تفقد أعمالَهم، وابعث العيونَ من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإنَّ تعاهُدَك في السرِّ لأمورهم حدوةٌ لهم على استعمال الأمانة والرِّفق بالرَّعِيَّة، وتحفظ من الأعوان، فإنْ أحد منهم بَسَط يدَه إلى خيانة اجتمعتْ بها عليه عندك أخبارُ عيونك، اكتفيتَ بذلك شاهدًا، فبسطتَ عليه العقوبة في بدنه، وأخذتَه بما أصاب من عمله، ثم نصبتَه بمقام المذلة، ووسمتَه بالخيانة، وقلَّدتَه عارَ التهمة".
8- سياسة الأجور: "ثُمَّ أسبغْ عليهم الأرزاقَ؛ فإنَّ ذلك قوةً لهم على استصلاح أنفسهم، وغنًى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرَك، أو ثلموا أمانتك".
9- الاتصال بالرعية: "لا تطولن احتجابك عن رعيتك؛ فإنَّ احتجابَ الوُلاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علمَ ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظُم الصغير، ويَقبح الحسن، ويَحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل".
10- تقدير الأمور: "وإياك والعجلةَ بالأمور قبل أوانها، أو التساقُط فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت، أو الوَهن عنها إذا استوضحت، فضَعْ كلَّ أمرٍ موضعه، وأوقعْ كلَّ عمل موقعه".
وشهدت الدولة في عهد بني أمية تَوسُّعًا كبيرًا؛ مِمَّا أدَّى إلى صعوبة الاتِّصالات؛ مما دفع الخلفاءَ إلى تفويضِ السلطات، واتِّباع أسلوب اللامركزية في القيادة، وخاصَّة بعد التثبت من حسن سلوك الولاة والعمال؛ لهذا كان خلفاء بني أمية يشترطون في مَن يتولى المناصب الإدارية والقيادية من الأشخاص الأمانةَ والمقدرة.
أمَّا الدولة الإسلامية في عهد بني العباس، فقد شهدت نظامًا إداريًّا مُحكمًا في ظل قيادة مركزية قوية ومنظمة، إلاَّ أنَّ صعوبةَ الاتصالات بين أطراف الدولة الواسعة والكبيرة، دفع خلفاء بني العباس إلى منح ولاتهم حقَّ الإشراف على ولاياتهم؛ لهذا مارست الإدارة في بني العباس مبدأَ تفويض السلطة باسم الإنابة؛ حيث يقوم خلفاء بني العباس بإنابة مَن يقوم عنهم في إدارة الولايات الإسلامية، كما كانوا يَحرصون على أن تتوفر في مَن ينوب عنهم الأمانةُ والمقدرة ، وهكذا نجد أنَّ الإدارةَ الإسلامية قد أعطت نموذجًا متطورًا للقيادة يقوم على أسس ثابتة تؤمن وتلتزم بالأهداف الإسلامية، وتُعطي أروعَ الصور في القدوة الحسنة، والسلوك الأخلاقي القويم.
ولقد ذكر الماوردي بعضَ الصِّفات لمن يتولَّى الوزارةَ، منها "الأمانة؛ حتى لا يخون، وقلة الطمع؛ حتى لا يرتشي، وأن يسلم فيما بينه وبين الناس من عداوة وشحناء، ذكورًا لما يؤديه إلى الخليفة وعنه، ذكيًّا فطنًا، صادقَ اللهجة؛ حتى يوثق بخبره، وألاَّ يكون من أهل الأهواء" .
<!--