يتأثر الدماغ بجملة من العوامل ومنها الغذاء الذي يتناوله الانسان، إذ أن لكل مكون تأثير واضح على العمل، والتطور والمزاج والطاقة، لذلك فإن الفتور الذي نصاب به بعد الغداء، أو اليقظة في وقت متأخر من الليل، قد يكونان ببساطة ناتجان عن آثار الطعام على الدماغ.
يعد الدماغ الجزء الأكثر تعقيدا في الجسم البشري، لأنه يتكون من خلايا عصبية تتحكم في الحركات، الأحاسيس والأفكار ودرجات التركيز والانتباه، ويتأثر الدماغ كباقي أعضاء الجسم سلبا و إيجابا بنوعية الطعام الذي نتناوله ، فنوع الطعام قد يسبب الفتور والتركيز أيضا .
من بين الدهون الموجودة في الدماغ الدهون الأمينية "أوميغا 3 و 6". وتأتي هذه الأحماض الدهنية الأساسية، التي تم ربطها بمنع شروط الدماغ التنكسية ، من وجباتنا الغذائية ، لذلك فإن تناول الأطعمة الغنية بالأوميغا، مثل المكسرات، والبذور والأسماك الدهنية ، و حين تعتبر الأوميغا دهون مفيدة للدماغ، فإن استهلاك الدهون الأخرى على المدى الطويل، مثل الدهون غير المشبعة والمشبعة، قد يؤثر على صحة الدماغ ، حيث تتحكم البروتينات والأحماض الأمينية، وهي المواد الغذائية الحيوية في عملية النمو والتطور، في شعورنا وتصرفنا ، وتحتوي كذلك على مركبات طليعية للناقلات العصبية، التي تحمل الإشارات بين الخلايا العصبية، وتؤثر على أشياء مثل المزاج، والنوم والانتباه والوزن ، وهى أحد الأسباب التي قد تجعلك تشعر بالراحة أو باليقظة بعد وجبة غنية بالبروتين ، ويمكن للتركيبات المعقدة في الطعام أن تحفز خلايا الدماغ لإفراز هرمون تغيير المزاج النورايبنفرين، والدوبامين والسيروتونين.
يساعد اتباع نظام غذائي بأطعمة متنوعة في الحفاظ على مزيج متوازن من الناقلات العصبية في الدماغ ، ويحافظ على مزاجك من الانحراف وتستفيد أدمغتنا أيضا من التوريد المنتظم من المغذيات الدقيقة ، إذ تقوم المواد المضادة للأكسدة في الفواكه والخضروات بتعزيز الدماغ لمحاربة الجذور الحرة التي تدمر خلايا المخ ، لتمكين الدماغ من العمل بشكل جيد لفترة أطول من الزمن.
إن نقص الفيتامينات يعرضنا لتدهور الحالة العقلية، ودون مغذيات دقيقة قوية، مثل الفيتامينات B6، وB12 وحمض الفوليك، ستكون أدمغتنا عرضة لأمراض الدماغ وتدهور الحالة العقلية.
تعتبر الكميات الضئيلة من الحديد والمعادن والنحاس والزنك والصوديوم مهمة أيضا لصحة الدماغ وبداية التطور المعرفي، ومن أجل أن يقوم المخ وبكفاءة بتحويل وتوليف هذه العناصر الغذائية القيمة، فإنه يحتاج للوقود، وفي الحقيقة إلى الكثير منه، فإنه يستخدم حوالي 20٪ من موارد طاقته، وتأتي معظم هذه الطاقة من الكربوهيدرات التي يهضمها جسمنا إلى جلوكوز، أو سكر الدم.
إن أي تغير في وظائف الدماغ هو أحد المؤشرات الرئيسية لنقص لعناصر الغذائية. وبدورها تأتي الكربوهيدرات في ثلاثة أشكال: النشا، والسكر، والألياف ، لذلك فإن غذاءاً يحتوي نسبة كبيرة من السكر، مثل الخبز الأبيض ، يؤدي إلى إفراز سريع للجلوكوز في الدم ، ثم يأتي الانخفاض في نسبة السكر في الدم ، وينخفض معه الانتباه والمزاج ، ومن ناحية أخرى فإن الشوفان الحبوب والبقوليات لها إفراز أبطأ للجلوكوز، متيحة بذلك مستوى أكثر ثباتاً من الانتباه. لذلك، للحصول على قدرة دماغية مستمرة، فإن اختيار نظام غذائي متنوع من الأطعمة الغنية بالمواد الغذائية أمرا مهما للغاية.
في بريطانيا، أظهرت دراسة أُجريت في أحد السجون أن السجناء الذين تناولوا مستحضرات الفيتامينات كانوا أقل استعداداً للعنف. وفي ألمانيا، أثبتت أخصائية في علم النفس من جامعة "لوبيك" أن تركيبة الإفطار تؤثر على السلوك الاجتماعي. ولكن، ما الذي يحدث بالفعل في المخ، عندما يقع خيارنا في قائمة الطعام على العسل بدلاً من المربى، وعلى السمك بدلاً من النقانق؟ هذا تحديدا ما يحاول علماء في جميع أنحاء العالم اكتشافه. في علم الأعصاب وعلم الغذاء والذي يُدعى "التغذية العصبية".
إن نظرة إلى مائدة الطعام الأنيقة العامرة بأطباق مجهزة بعناية وبألوان خضروات متنوعة، تثير في المخ الشعور الطيب الذي يعقب تناول هذه الوجبة وتفتح الشهية لها، لكن بمجرد أن نشبع، يقوم جزء معين في المخ بالحد من هذا الشعور وبالتالي تتراجع رغبتنا في الحصول عليه..... وفي النهاية فإن الدماغ هو نتاج ما يأكله.
الاكل الصحي ودوره في مواجهة الاكتئاب:
عادة ما يؤثر التوتر أو الاكتئاب على كل من شهيتك وروتينك اليومي، فبعض الاشخاص يعانون من فقدان الشهية عند الاكتئاب أو التوتر، ويكونون معرضين أكثر لفقدان الوزن اذا ما طالت فترة الاكتئاب لديهم. بينما يجد البعض الاخر في الطعام منفس له وراحة، مما قد يربط سوء المزاج لديهم بزيادة السعرات الحرارية المتناولة وبالتالي زيادة الوزن، كما في مشكلة الاكل العاطفي. كما أن الاشخاص الذين يتناولون مضادات الاكتئاب قد تتأثر شهيتهم سلبا أو ايجابا ً، ولكن ماذا عن الاغذية التي قد تساهم في تخفيف اعراض الاكتئاب أو الوقاية منه؟
ان نمط الحياة الصحي والذي يشمل الحصول على ساعات نوم كافية، والعلاقات الاجتماعية المتكاملة، والابتعاد عن كل ما يسبب الاجهاد والتوتر، وممارسة النشاط البدني واتباع نظام يحوي الاكل الصحي، سيلعب دور كبير في الوقاية من الاكتئاب .
أما عن علاقة النظام الغذائي الصحي فقد وجدت الدراسات الحديثة أن بعض أنواع الاغذية قد تكون بالفعل ذات دور فعال ضد الاكتئاب، حيث على سبيل المثال في دراسة حديثة تم ربط اتباع نظام غذائي عالي بالخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة والاسماك بانخفاض فرص الاصابة بالاكتئاب.
أهم القواعد التغذوية التي قد ترتبط بتخفيف اعراض الاكتئاب أو تقليل فرص الاصابة به :
1- تناول الكميات الكافية من مجموعة فيتامينات ب وخاصة حمض الفوليك، اذ وجد علاقة قوية بين تناول حمض الفوليك وتقليل فرص الاصابة بالاكتئاب، اهم مصادر حمض الفوليك هي: الخضراوات الورقية الخضراء، والحبوب الكاملة، واللحوم والكبدة.
2- تجنب تناول الاغذية العالية بمحتواها بالسكريات البسيطة أو السكريات المضافة كما في المشروبات الغازية.
3- ركز على الكربوهيدرات المعقدة، كالموجودة بالخبز الاسمر والارز البني والشوفان والعديد من الخضراوات والفواكه والبقوليات، اذ وجدت بعض الدراسات علاقة بين تناول الكربوهيدرات ورفع مستويات بعض المواد الكيميائية في الدماغ والمسؤولة عن تحسين المزاج مثل السيروتونين...... أطيب الأمنيات بدوام الصحة والعافية..