قضت المحكمة الإدارية العليا بأن :
" و من حيث إن قضاء هذه المحكمة و على ضوء ما قضت به دائرة توحيد المبادئ ، قد جرى على أن اجتياز مقابلة اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظائف القضائية يعد شرطاً لازماً يُضاف لشروط التعيين المقررة قانوناً و السالف بيانها ، و أن تلك الجهة غير مقيدة في اختيار المتقدمين سوى بمدى توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية المتقدمين إليها ، و كان تلك المهمة لم تتقيد بأي اختبارات سابقة تتعلق بالقدرات و العناصر الدالة على توافر أو عدم توافر تلك الأهلية ، كما لم تتقيد بأي ضوابط أخرى فإن سلطتها في الاختيار تكون سلطة تقديرية لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة .
و ليس من شك في أن القول بغير ذلك ، إنما يؤدي إلى إهدار كل قيمة لعمل لجان المقابلة ، و حلول المحكمة محلها بناءً على ضوابط يضعها القاضي ليحدد على أساسها مدى توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة ، و تلك نتيجة يأباها التنظيم القضائي و مبدأ الفصل بين السلطات ، و إذ كانت تلك المهمة التي أسندت إلى اللجنة لم تقترن بطريقة صريحة قاطعة و معيار واضح يحدد لها كيفية أداء مهمتها و استخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة فإن ذلك لا يعني حتماً أنها مارست عملها بغير ضوابط أو معايير ، فلا جدال في أنها استعانت بالعرف العام الذي يحيط تولي الوظائف القضائية و الوظائف التي يضفي عليها المشرع تلك الصفة بمعايير دقيقة و ضوابط قاطعة و صفات سامية ، بيد أنه يبقى من غير المسموح به أن تحل المحكمة نفسها محل اللجنة في إعمال تلك المعايير و الضوابط و استخلاص تلك الصفات .
كما لا وجه للقول بأن السلطة التقديرية المقررة لتلك اللجنة تعد امتياز يتعين الحد منه برقابة قضائية حاسمة ، ذلك لأن ممارسة السلطة التقديرية في مجال التعيين في الوظائف القضائية سيظل على وجه الدوام واجباً يبتغي الصالح العام باختيار أكفأ العناصر و أنسبها ، و هو أمر سيبقى محاطاً بإطار المشروعية التي تتحقق دون سواها ، و ذلك بالتمسك بضرورة توافر ضمانات شغل الوظيفة و القدرة على مباشرة مهامها في إرساء العدالة دون ميل أو هوى ، و فضلاً عن ذلك فإن تلك السلطة التقديرية هي وحدها التي تقيم الموازنة بين كل من توافرت فيه الشروط العامة المنصوص عليها في القانون في شغل الوظائف القضائية و بين فاعلية مرفق القضاء و حسن تسييره ، فلا يتقلد وظائفه إلا من توافرت له الشروط العامة و حاز بالإضافة إليها الصفات و القدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل ، و من ثم فإنه إذا أتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المنوط بها استخلاص مدى أهليته في تولي الوظيفة القضائية و المشكلة من قمم أعضاء الجهة التي تقدم لشغل وظائفها ، فإنه لا يكون أمامه إن أراد الطعن في القرار الصادر بتخطيه في التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف عن المصلحة العامة ، و عندئذ يقع على عاتقه عبء إثبات هذا العيب .
و حيث إنه لا مندوحة من أن يترك لأعضاء تلك اللجان بما أوتوا من حكمة السنين التي رقت بهم في وظائف القضاء حتى بلغت منتهاها و أضحوا شيوخاً لرجال القضاء ، أن يسبروا أغوار شخصية كل متقدم لشغل الوظيفة القضائية لاستخلاص مدى توافر الصفات و القدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل ، و التي يتعذر على الأوراق و الشهادات أن تثبتها أو تشير إليها لاختيار أفضل العناصر لتولي الوظائف القضائية ، كما يتعذر على القوانين و اللوائح أن تضع لها قيوداً أو ضوابط يمكن التقيد بها ، فلا مناص من أن توضع مسئولية اختيار العناصر المناسبة لشغل تلك الوظائف أمانة في عنق شيوخ القضاء يتحملونها أمام الله و ضمائرهم ، و لا معقب عليهم في ذلك من القضاء ما لم يقم الدليل صراحة على الانحراف بالسلطة أو التعسف في استعمالها تحقيقاً لأهداف خاصة .
( الطعن رقم 3622 لسنة 56 ق – جلسة 23/3/2013 – الدائرة الثانية – موضوع – مجلة هيئة قضايا الدولة – العدد الرابع 2013 – ص 172 وما بعدها )
ساحة النقاش