باسم الشعب المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، الثانى عشر من مايو سنة 2013 م، الموافق الثانى من رجب سنة 1434 ه. برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيرى رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/أنور رشاد العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور/ عادل عمر شريف. نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 145 لسنة 27 قضائية "دستورية"
المقامة من: السيد/ أسامة محمد أحمد على
ضد
1 – السيد رئيس الجمهورية 2 – السيد رئيس مجلس الوزراء 3 – السيد رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب 4 – السيدة/ فهيمة على على العلمى
"الإجراءات"
بتاريخ السادس عشر من يونيو سنة 2005، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب هذه المحكمة، طلباً للحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (20) من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانونين رقمى 100 لسنة 1985 و 4 لسنة 2005.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها. ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
"المحكمة"
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة؛
حيث إن الواقعات – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 27 لسنة 2005 كلى، أمام محكمة الأسرة بالسيدة زينب، بطلب الحكم بضم ابنته إقبال إليه لبلوغها أقصى سن الحضانة، بالإضافة إلى عدم أمانة الأم ، وذلك على سند من أنه كان قد تزوج بالمدعى عليها الرابعة، وأنجب منها طفلتهما بتاريخ 15/3/1993، وبعد انفصام عرى الزوجية، امتنعت عن تمكينه من رؤيتها. وأثناء نظر تلك الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانونين رقمى 100 لسنة 1985 و 4 لسنة 2005 ، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت له – بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدلة بالقانون رقم 4 لسنة 2005 تنص على أن "ينتهى حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشرة، ويخير القاضى الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذه السن فى البقاء فى يد الحاضنة دون أجر حضانة، وذلك حتى يبلغ الصغير سن الرشد وحتى تتزوج الصغيرة".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية- مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى الدعوى الدستورية لازماً للفصل فى الدعوى الموضوعية، وإلا كانت غير مقبولة. وكانت الخصومة فى الدعوى الموضوعية المقامة من المدعى تتعلق بسن الحضانة بالنسبة للصغيرة، فإن نطاق الدعوى الدستورية الماثلة يتحدد بانتهاء حق حضانة النساء ببلوغ الصغيرة سن الخامسة عشرة وتخييرها بعد بلوغها هذه السن فى البقاء فى يد الحاضنة حتى تتزوج.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه أنه ينطوى على عيب شكلى لصدور القانون المتضمن له دون عرض مشروعه على مجلس الشورى بالمخالفة لنص المادة 194 من دستور 1971. وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة، أن التحقق من استيفاء النصوص التشريعية لأوضاعها الشكلية، يعتبر أمرًا سابقاً بالضرورة على الخوض فى أمر اتفاقها أو تعارضها مع الأحكام الموضوعية للدستور، كما أن الأوضاع الشكلية، سواء فى ذلك تلك المتعلقة باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها أو شروط نفاذها، إنما تتحدد فى ضوء ما قررته فى شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها ، ومن ثم فإن نصوص دستور 1971 – قبل تعديله فى 26 مارس 2007، الذى صدر القانون المطعون فيه فى ظل العمل به، تكون هى الواجبة التطبيق فى هذا الشأن، وإذ سبق لهذه المحكمة الفصل فى دستورية بعض نصوص القانون السالف الذكر – فى ظل العمل بأحكام الدستور السابق، فقضت برفض الطعن عليها، وذلك بحكمها الصادر فى الدعوى رقم 125 لسنة 27 قضائية "دستورية" بجلسة 4 مايو سنة 2008، المقامة طعناً على دستورية النص التشريعى ذاته المطعون عليه فى الدعوى المعروضة، فيما يتعلق بسن حضانة الولد، بما مؤداه استيفاء هذا القانون لأوضاعه الشكلية المقررة بالدستور، الأمر الذى يضحى معه نعى المدعى فى غير محله متعيناً الالتفات عنه.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلا – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة .
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر فى 25/12/2012.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، مخالفته أحكام الشريعة الإسلامية، إذ أن رفع سن حضانة الصغيرة حتى بلوغها الخامسة عشرة، وتخييرها عند بلوغ هذه السن، فى البقاء فى يد الحاضنة دون أجر حتى تتزوج، يخالف المبادئ قطعية الثبوت والدلالة فى الشريعة الإسلامية، والتى حددها الفقهاء بالنسبة للصغيرة بين سبع وتسع سنوات، فضلاً عن مخالفة النص ذاته لأحكام الدستور التى تقضى بأن الأسرة هى أساس المجتمع وتقوم على مبادئ الدين والأخلاق والوطنية، كما أن زيادة السن يؤدى إلى تفسخ الأسرة وانهيارها بجعل زمام الأمر فى يد المرأة بما يخالف نصوص المواد 2 ، 9، 10، 11، 12 من دستور سنة 1971، المقابلة للمواد 2 و 10 و 219 من الدستور الحالى.
وحيث إن هذا النعى مردود فى جملته، ذلك أن مؤدى نص المادة الثانية من دستور سنة 1971، والتى رددتها المادة (2) من الدستور الصادر سنة 2012 القائم، أنه لا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، فهذه الأحكام وحدها هى التى لا يجوز الاجتهاد فيها إذ تمثل من الشريعة الإسلامية مبادءها الكلية وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، ومن غير المتصور أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان، وعلى خلاف هذا تأتى الأحكام الظنية سواء فى ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً فهذه الأحكام هى التى تنحصر فيها دائرة الاجتهاد، ولا تمتد إلى سواها، حيث تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها، وعلى أن يكون هذا الاجتهاد واقعاً فى إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية بما لا يجاوزها، متوخياً تحقيق المقاصد العامة للشريعة بما يقوم عليه من صون الدين والنفس والعقل والعرض والمال. ولئن جاز القول بأن الاجتهاد فى الأحكام الظنية حق لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق ثابتاً لولى الأمر يستعين عليه فى كل مسألة بخصوصها، وبما يناسبها بأهل النظر فى الشئون العامة. وأية قاعدة قانونية تصدر فى هذا الإطار لا تحمل فى ذاتها ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة جديدة لا تصادم حكماً شرعياً قطعياً، وتكون فى مضمونها أرفق بالعباد، وأحفل بشئونهم، وأكفل لمصالحهم.
وحيث إن الحضانة – فى أصل شرعتها، هى ولاية للتربية غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته، والقيام على شئونه فى الفترة الأولى من حياته، والأصل فيها هو مصلحة الصغير. وحين يقرر ولى الأمر حدود هذه المصلحة معرفاً بأبعادها، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية – القطعية فى ثبوتها ودلالتها – لا تقيم لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها، ومن ثم يتعين أن يتحدد مداها بما يكون لازماً للقيام على مصلحة الصغير ودفع المضرة عنه، باعتبار أن مدار الحضانة على نفع المحضون، وأن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره. وقد دل الفقهاء باختلافهم فى زمن الحضانة، على أن مصلحة الصغير هى مدار أحكامها، وأنها من المسائل الاجتهادية التى تتباين الآراء حولها. ومؤدى ذلك أنه يتعين ألا يكون سن الحضانة محدداً بقاعدة جامدة صارمة لا تأخذ فى اعتبارها تغير الزمان والمكان، بل يتسم بقدر من المرونة التى تسعها فى أحكامها الفرعية المستجيبة دوماً للتطور، وهى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يريم عنها، أو أن يعقد باجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد جاوزتها. وإذ كان لولى الأمر الاجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التى يقوم برهانها من الأدلة الشرعية، فإن ما نحاه النص التشريعى المطعون فيه من تعديل فى تحديد السن التى تنتهى بها حضانة الصغيرة، ورفعه إلى خمس عشرة سنة، وإعطاء الصغيرة عند بلوغ هذه السن، حق الاختيار لا يعدو أن يكون تقريرًا لأحكام عملية فى دائرة الاجتهاد، أملتها التغيرات التى طرأت على المجتمع والأسرة، بألا يصادم الشريعة الإسلامية فى أصولها الثابتة ومبادئها الكلية، وهو فى ذلك لم يصدر عن نظرة تحكمية بل غايته رفع الحرج وفق أسس موضوعية قدر معها أن مصلحة المحضون تقتضى عدم ترويعه بانتزاعه من حاضنته، بما يخل بأمنه واطمئنانه ويهدد استقراره، اتساقاً مع المستجدات الاجتماعية والثقافية وبما لا يخرج عن دائرة الاجتهاد آخذًا فى الاعتبار أن الصغير فى هذه السن، قد أضحى أكثر تمييزاً وقدرة على تقدير الأصلح له. لما كان ذلك، وكان المقرر أن وجود الصغير فى يد حاضنته سواء قبل بلوغ السن الإلزامية للحضانة أو بعد بلوغها – حين يختار الصغير البقاء معها – لا يغل يد والده عنه، ولا يحد من ولايته الشرعية عليه. وكان النص المطعون فيه – سواء فيما يتعلق بتحديد سن الحضانة أم فى وجوب تخيير الصغيرة عند بلوغ الخامسة عشرة - قد صدر مستلهما مقاصد الشريعة الكلية، غير مناقض لمقوماتها الأساسية، واقعاً فى نطاق توجهاتها العامة التى تحض على الاجتهاد فى غير أحكامها القطعية فى ثبوتها ودلالتها. إذ كان ذلك فإن قالة مخالفة هذا النص لمبادئ الشريعة الإسلامية ومن ثم الدستور لا يكون لها محل .
وحيث إن الحق فى تكوين الأسرة لا ينفصل بالضرورة عن الحق فى صونها، بما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم وتحمل مسئولياتهم صحياً وتعليمياً وتربوياً. وكان الدستور الحالى قد نص فى مادته العاشرة على أن الأسرة أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية – وما تتمثل فيه من قيم وتقاليد – هو ما ينبغى الحفاظ عليه، وتوكيده فى العلائق داخل مجتمعها، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتها ضرورة تقدمها. لما كان ذلك، وكان المقرر أن كل قاعدة قانونية لا تحمل ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة جديدة، تكفل فى مضمونها المصالح الحقيقية التى يتعين أن تشرع الأحكام لتحقيقها. وكان الأصل أن سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، وجوهر هذه السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقرر أنه أنسب لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها، محققاً لما يهدف إليه من التنظيم الذى يشرع له. فإذا كان قد قدر أنه بما أورده فى النص المطعون عليه يهدف من رفع سن الحضانة، وإعطاء الصغيرة الحق فى الاختيار عند بلوغ هذه السن، إلى تحقيق المصالح المشروعة للصغيرة، وبما يتلاءم مع ما طرأ على المجتمع من تغير وتطور فى ظروفه وثقافته، دون أن يضيق على الناس أو يرهقهم، فإنه – وقد التزم الضوابط الدستورية فى هذا الشأن، لا يكون قد خالف المادة العاشرة من الدستور أو غيرها من النصوص المنظمة للحق فى تكوين الأسرة وصيانتها. وحيث إن النص المطعون فيه لم يخالف حكماً آخر من أحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
|
ساحة النقاش