المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، السابع من إبريل سنة 2013م، الموافق السادس والعشرين من جماد الأول سنة 1434 ه . برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيرى رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أنور رشاد العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق والدكتور / حنفي على جبالي ومحمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف وسعيد مرعى عمرو نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمي رئيس هيئة المفوضين وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 200 لسنة 27 قضائية " دستورية " .
المقامة من: السيد / عبد الحميد متولي الدنديطى
ضد
1 السيد رئيس الجمهورية 2 السيد رئيس مجلس الوزراء 3 السيد وزير العدل 4 السيد وزير المالية 5 السيد رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب
الإجراءات
بتاريخ التاسع من نوفمبر سنة 2005، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص البند السادس من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1996 .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة ؛
حيث إن الواقعات – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى إلى المحاكمة الجنائية فى القضية رقم 21775 لسنة 2004 جنح قسم ميت غمر، لأنه فى خلال الفترة من شهر يوليو سنة 2001 حتى شهر سبتمبر 2002، ذكر عمدًا بيانات غير صحيحة عن مبيعاته، على النحو المبين بالأوراق، وطلبت عقابه بالمواد (1 و2 و14 و15 و16 و43/2 و44 بند 6 و47/8) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 . وأثناء نظر الدعوى ادعى الحاضر عن المدعى عليه الرابع مدنيًا بطلب الحكم بإلزام المدعى بأن يؤدى مبلغ 24630 جنيهًا والضريبة الإضافية بواقع 1/2 % عن كل أسبوع تأخير . ومحكمة أول درجة قضت بتاريخ 16/7/2005 بتغريم المدعى ألف جنيه، وإلزامه بأداء قيمة الضريبة الأصلية وتعويض ألف جنيه، كما ألزمته بفوائد التأخير، طعن المدعى بالاستئناف رقم 9185 لسنة 2005 جنح مستأنف مأمورية ميت غمر الابتدائية، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية البند السادس من المادة (44) من قانون الضريبة العامة الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى المعروضة .
وحيث إن المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه – مقروءة فى ضوء الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 9 لسنة 28 قضائية " دستورية " – تنص على أن " مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضى بها قانون آخر، يعاقب على التهرب من الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويحكم على الفاعلين متضامنين بالضريبة والضريبة الإضافية وتعويض لا يجاوز مثل الضريبة .
وفى حالة العود يجوز مضاعفة العقوبة .
وتنظر قضايا التهرب عند إحالتها إلى المحاكم على وجه الاستعجال " . كما تنص المادة (44) من القانون ذاته على أن : " يعد تهربًا من الضريبة يعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها فى المادة السابقة ما يأتى : 1 .... 6 تقديم بيانات خاطئة عن المبيعات إذا ظهرت فيها زيادة تجاوز (10%) عما ورد بالإقرار. 7 ....... 13 .......
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا بمقتضى قانونها، إنما تقوم بحسب الأصل على مدى اتفاق أو مخالفة النصوص المطعون فيها لأحكام الدستور القائم وقت الفصل فى الدعوى، أى مقابله النصوص الموضوعية بالنصوص الدستورية القائمة وقت الحكم فى الدعوى الدستورية، ومن ثم فإن بحث دستورية النصوص المطعون فيها فى الدعوى المعروضة يتعين أن يتم وفقًا لأحكام الدستور الجديد الصادر فى 25/12/2012 .
وحيث إن حاصل المناعى التى ساقها المدعى تتحصل فى أن ما تضمنه البند سادسًا من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات – الآنف الذكر – يناقض مبدأ أصل البراءة، بإحداثه قرينة قانونية مفادها أن الإقرار الضريبى إذا تضمن بيانات غير صحيحة تزيد عن 10% يعد تهربًا من الضريبة، يعاقب فاعله بالعقوبة ذاتها المقررة لهذا التهرب، كما أنه يهدر مبدأ العدالة الاجتماعية، ويخل بمبدأ مساواة المواطنين فى الأعباء والتكاليف العامة، إذ يعاقب الممتنعون عن الإقرار بالضريبة المستحقة وفق ذات الأسس التى يعامل بها غيرهم ممن تقدموا بإقرارات تضمنت بعض الأخطاء، الأمر الذى يخالف أحكام المواد (4 و38 و40 و65 و66 و67 و165) من دستور 1971، المقابلة لنصوص المواد (14 و26 و33 و34 و74 و76 و77 و82 و102 و115 و131 و168 و170) من الدستور الحالى الصادر فى 25/12/2012. وحيث إن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ويحدد لكل من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحياتها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها بما يحول دون تدخل أى منها فى أعمال السلطة الأخرى أو مزاحمتها فى ممارسة اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها.
وحيث إن الدستور اختص السلطة التشريعية بسن القوانين وإقرار الأعمال التشريعية، كما اختص السلطة القضائية بالفصل فى المنازعات والخصومات . وحيث إن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل فى أعمال أسندها الدستور إلى السلطة القضائية وقصرها عليها، وإلا كان هذا افتئاتًا على عملها وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية .
وحيث إن الدستور كفل الحق فى المحاكمة المنصفة بما نص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وهو حق نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشرة، التى تقرر أولاهما أن لكل شخص حقًا مكتملاً ومتكافئًا مع غيره، فى محاكمة علنية ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه، وتردد ثانيتهما فى فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، فى أن تفترض براءته، إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه، وهى قاعدة تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائى، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى قضى الدستور بأنها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه، ولا يجوز – تبعًا لذلك – تفسير هذه القاعدة تفسيرًا ضيقًا، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وأن نطاقها وإن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائى وإنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المشار إليها من طبيعة مدنية، إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزومًا فى الدعوى الجنائية، وذلك أيًا كانت طبيعة الجريمة وبغض النظر عن درجة خطورتها، وعلة ذلك أن إدانة المتهم بالجريمة إنما تعرضه لأخطر القيود على حريته الشخصية وأكثرها تهديدًا لحقه فى الحياة، وهى مخاطر لا سبيل إلى توقيها إلا على ضوء ضمانات فعلية توازن بين حق الفرد فى الحرية من ناحية، وحق الجماعة فى الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخرى، ويتحقق ذلك كلما كان الاتهام الجنائى معرفًا بالتهمة مبينًا طبيعتها مفصلاً أدلتها وكافة العناصر المرتبطة بها، وأن تستند المحكمة فى قرارها بالإدانة، إذا خلصت إليها، إلى موضوعية التحقيق الذى تجريه، وإلى عرض متجرد للحقائق، وإلى تقدير سائغ للمصالح المتنازعة، وتلك جميعها من الضمانات الجوهرية التى لا تقوم المحاكمة المنصفة بدونها، وقد قرنها الدستور بضمانتين تعتبران من مقوماتها وتندرجان تحت مفهومها، هما افتراض البراءة من ناحية، وحق الدفاع لدحض الاتهام الجنائى من ناحية أخرى، وكان افتراض البراءة يمثل أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها وليس بنوع العقوبة المقررة لها، وينسحب على الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها، فقد كان من المحتم أن يرتب الدستور على افتراض البراءة، عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة وتُكون من جماعها عقيدتها، ولازم ذلك أن تطرح هذه الأدلة عليها، وأن تقول هى وحدها كلمتها فيها، وألا تفرض عليها أى جهة أخرى مفهومًا محددًا لدليل بعينه، وأن يكون مرد الأمر دائمًا إلى ما استخلصته هى من وقائع الدعوى وحصلته من أوراقها غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها .
وحيث إن افتراض البراءة لا يتمخض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلى ممثلاً فى الواقعة محل الحق المدعى به، إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها، وهذه الواقعة البديلة هى التى يعتبر إثباتها إثباتًا للواقعة الأولى بحكم القانون، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى وأقامها بديلاً عنها، وإنما يؤسس افتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة، لازال كامنًا فيه، مصاحبًا له فيما يأتيه من أفعال، إلى أن تنقض المحكمة بقضاء جازم لا رجعة فيه هذا الافتراض على ضوء الأدلة التى تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التى نسبتها إليه فى كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية تحكمية ينشؤها .
وحيث إن المشرع، بما نص عليه بصدر المادة (44) المطعون فيه، من أنه " يعد تهربًا من الضريبة "، وهى جريمة عمدية، نص فى البند السادس من هذه المادة على أن مجرد تقديم بيانات خاطئة عن المبيعات تتجاوز 10% مما ورد بالإقرار بمثابة قرينة قانونية على جريمة التهرب العمدى من سداد الضريبة، منشئًا بذلك قرينة قانونية يكون ثبوت الواقعة البديلة بموجبها دليلاً على ثبوت واقعة التهرب الضريبى التى كان ينبغى على النيابة العامة أن تتولى بنفسها مسئولية إثباتها فى إطار التزامها بإقامة الأدلة المؤيدة لقيام كل ركن يتصل ببنيان الجريمة، ويعتبر من عناصرها، بما فى ذلك القصد الجنائى العام ممثلاً فى إرادة الفعل مع العلم بالوقائع التى تعطيه دلالته الإجرامية، وإذ كان ذلك فإن الواقعة البديلة التى اختارها النص المطعون فيه لا ترشح فى الأغلب الأعم لاعتبار واقعة التهرب العمدى من أداء الضريبة ثابتة بحكم القانون، وتبدو القرينة – تبعًا لذلك – غير مرتكزة على أسس موضوعية ومقحمة لإهدار افتراض البراءة، ومجاوزة من ثم لضوابط المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور .
وحيث إن جريمة التهرب الضريبى من الجرائم العمدية التى يعتبر القصد الجنائى ركنًا فيها، وكان الأصل هو أن تتحق المحكمة بنفسها وعلى ضوء تقديرها للأدلة التى تطرح عليها من علم المتهم بحقيقة الأمر فى شأن كل واقعة تقوم عليها الجريمة، وأن يكون هذا العلم يقينيًا لا ظنيًا أو افتراضيًا، وكان الاختصاص المقرر دستوريًا للسلطة التشريعية فى مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها لا يخولها التدخل بالقرائن التى تنشؤها لغل يد المحكمة عن القيام بمهمتها الأصيلة فى مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التى عينها المشرع إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية، فإن عمل المشرع يعد فى هذا الخصوص انتحالاً لاختصاص كفله الدستور للسلطة القضائية، ومناقضًا، كذلك، على النحو السابق إيضاحه لافتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه .
وحيث إن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائمًا من الناحية الدستورية، ولضمان فعاليته، بوسائل إجرائية إلزامية تعتبر كذلك، من ناحية أخرى، وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع، وتتمثل فى حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى قدمتها النيابة العامة إثباتًا للجريمة، والحق فى دحضها بأدلة النفى التى يقدمها، وكان النص التشريعى المطعون عليه، وعن طريق القرينة القانونية التى افترض بها ثبوت القصد الجنائى، قد أخل بهذه الوسائل الإجرائية بأن جعل المتهم مواجهًا بواقعة أثبتتها القرينة فى حقه بغير دليل، ومكلفًا بنفيها خلافًا لأصل البراءة، ومسقطًا عملاً كل قيمة أسبغها الدستور على هذا الأصل، ويكون النص، فضلاً عما تقدم جميعه، مخلاً بضوابط المحاكمة المنصفة وما تشتمل عليه من ضمان الحق فى الدفاع، ومن ثم يكون مخالفًا لأحكام المواد (26 و34 و74 و76 و77 و78 و81 و82 و168 و170) من الدستور القائم الصادر فى 25/12/2012 .
وحيث إن النص فى المادة (43) من القانون السابق الإشارة إليه يتضمن العقوبة الجنائية المقررة لمن يرتكب جريمة التهرب الضريبى، وهى ذاتها التى يتعين توقيعها على من ارتكب الفعل المؤثم بالنص المطعون فيه، فإنه – وفى هذا النطاق فقط – يكون مرتبطًا به ارتباط لا يقوم له بدونه وجود، ولا تكون له بغيره أثر، ومن ثم فإنه يترتب على القضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه، وبطريق اللزوم الحتمى، اعتباره ساقطًا، وهو ما يتعين القضاء به .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند سادسًا من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1996، وسقوط نص المادة (43) من القانون فى مجال تطبيقها على البند رقم (6) المشار إليه، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
|
ساحة النقاش