أشرف سعد الدين عبده - المحامي بالإسكندرية - مصر

<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]-->

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

 

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الثاني عشر من مايو سنة 2013 م ، الموافق الثاني من رجب سنة 1434 هـ .

برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيري ..............................رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين :  عبد الوهاب عبد الرازق  و سعيد عبد العزيز الشناوي  و ماهر سامي يوسف  و محمد خيري طه النجار  و سعيد مرعي عمرو  و الدكتور/ عادل عمر شريف ....................... نواب رئيس المحكمة .

و حضور السيد المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمي ...رئيس هيئة المفوضين.

و حضور السيد / محمد ناجي عبد السميع ................................. أمين السر.

 

أصدرت الحكم الآتي :

 

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 229 لسنة 29 قضائية " دستورية ".

 

المقامة من :

السيد/ مدحت جمال الدين سيف .

ضد :

1-   السيد رئيس مجلس الوزراء .

2-   السيد وزير المالية .

 

الإجراءات

 

بتاريخ 20 أكتوبر سنة 2007 ، أودع المدعي صحيفة الدعوى قلم كتاب هذه المحكمة ، طالباً الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 103 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 187 لسنة 1993 ، و نص الفقرة الأولى من المادتين الخامسة و السادسة من مواد إصدار قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 .

و قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على نص الفقرة الأولى من المادتين الخامسة و السادسة من مواد إصدار قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 و رفض الدعوى بالنسبة لباقي الطلبات .

 

و بعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .

و نُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، و قررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .

 

المحكمة

 

بعد الاطلاع على الأوراق ، و المداولة .

حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى و سائر الأوراق – تتحصل في أن مصلحة الضرائب كانت قد قدرت صافي إيرادات المدعي عن نشاطه في مهنة المحاماة عن سنة 2001 تقديراً جزافياً بملغ 10264 جنيهاً ، استناداً إلى تقديمه إقراراً تقديرياً غير مستند إلى دفاتر و سجلات ، و بتاريخ 6/4/2004 تقدم الدعي بطعن على تقديرات المصلحة أمام لجنة طعن ضرائب كفر الشيخ – الدائرة التاسعة – قيد أمامها برقم 117 لسنة 2005 ، وبجلسة 12/2/2005 قررت اللجنة تخفيض تقديرات مأمورية الضرائب عن تلك السنة إلى 4343 جنيهاً ، و إذ لم يرتض المدعي هذا القرار فقد طعن عليه أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية بالدعوى رقم 971 لسنة 2006 كلي ضرائب ، و أثناء نظر الدعوى ، دفع بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 103 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 187 لسنة 1993 ، فيما تضمنه من أن يكون لمصلحة الضرائب عدم الاعتداد بالإقرار و تحديد الأرباح بطريق التقدير، و نص الفقرة الأولى من المادتين الخامسة و السادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل فيما تضمنه كل من النصين من تحديد تاريخ قبل أول أكتوبر سنة 2004 ، و إذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع ، و صرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية ، فقد أقام المدعي الدعوى الماثلة .

 

و حيث إن الفقرة الثانية من المادة 103 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 بعد تعديله بالقانون رقم 187 لسنة 1993 ، تنص على أن " .... و للمصلحة تصحيح الإقرار أو تعديله ، كما يكون لها عدم الاعتداد بالإقرار و تحديد الإيرادات أو الأرباح بطريق التقدير".

 

و تنص المادة الخامسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل على أن " تنقضي الخصومة في جميع الدعاوى المقيدة أو المنظورة لدى جميع المحاكم على اختلاف درجاتها قبل أول أكتوبر سنة 2004 بين مصلحة الضرائب و الممولين ، و التي يكون موضوعها الخلاف في تقدير الضريبة ، و ذلك إذا كان الوعاء السنوي للضريبة محل النزاع لا يجاوز عشرة آلاف جنيه ، و تمتنع المطالبة بما لم يسدد من ضرائب تتعلق بهذه الدعاوى .

 

و في جميع الأحوال لا يترتب على انقضاء الخصومة حق للممول في استرداد ما سبق أن سدده تحت حساب الضريبة المستحقة على الوعاء المتنازع عليه .

 

و ذلك كله ما لم يتمسك الممول باستمرار الخصومة في الدعوى لطلب يقدم إلى المحكمة المنظور لديها الدعوى خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون ".

 

و تنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من مواد إصدار ذلك القانون على أن " في غير الدعاوى المنصوص عليها في المادة الخامسة من هذا القانون ، يكون للممولين في المنازعات القائمة بينهم و بين مصلحة الضرائب ، و المقيدة أو المنظورة أمام المحاكم على اختلاف درجاتها قبل أول أكتوبر سنة 2004 ، طلب إنهاء تلك المنازعات خلال سنة من تاريخ العمل بهذا القانون ، مقابل أداء نسبة من الضريبة و المبالغ الأخرى المستحقة على الوعاء السنوي للضريبة المتنازع عليها ، وفقاً للشرائح الآتية :..... ".

 

و حيث إن من المقرر – و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن نطاق الدعوى الدستورية ، ينحصر في الحدود التي تعلق بها الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع ، و كان المدعي قد قصر دفعه على عجز الفقرة الثانية من المادة 103 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 187 لسنة 1993 و الذي ينص على أن " .... و يكون لها عدم الاعتداد بالإقرار و تحديد الإيرادات أو الأرباح بطريق التقدير "، كما انصب دفعه على ما تضمنه نص الفقرة الأولى من كل من المادتين الخامسة و السادسة من مواد إصدار قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 من تعيين تاريخ قبل أول أكتوبر سنة 2004 لتحديد مجال تطبيق أحكامهما ، و من ثم فإن نطاق الدعوى الراهنة يتحدد بهذه النصوص دون غيرها .

 

و حيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – و هي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها و بين المصلحة في الدعوى الموضوعية ، و ذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها و المطروحة أمام محكمة الموضوع ، و كان النزاع الموضوعي يدور حول الطعن على قرار لجنة الطعن الضريبي بتخفيض إيرادات المدعي عن نشاطه في مهنة المحاماة عن سنة 2001 إلى 4343 جنيهاً ، و عدم اعتداد مصلحة الضرائب بالإقرارات المقدمة منه ، و تحديد إيراداته عن ذلك النشاط بطريق التقدير الجزافي ، فإن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى تكون متحققة بالنسبة للطعن على عجز الفقرة الثانية من المادة 103 من قانون الضرائب على الدخل ، وما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة الخامسة من مواد إصدار قانون الضريبة على الدخل من تحديد نطاق تطبيق أحكامه بتاريخ قبل أول أكتوبر سنة 2004 ، دون ما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من مواد إصدار ذلك القانون في هذا الشأن ، إذ تنصب أحكامه على الدعاوى المقيدة أو المنظورة لدى المحاكم قبل أول أكتوبر سنة 2004 ، و التي يجاوز الوعاء السنوي للضريبة محل النزاع فيها عشرة آلاف جنيه ، وهو ليس حال الدعوى الماثلة ، و تبعاً لذلك فإن القضاء في المسألة الدستورية المتعلقة بهذا النص لن يكون ذا أثر أو انعكاس على الدعوى الموضوعية و الطلبات المطروحة بها ، و قضاء محكمة الموضوع فيها ، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لذل النص ، و بقبولها بالنسبة لباقي النصوص المشار إليها ، و لا يغير من ذلك إلغاء قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 ، بمقتضى نص المادة الثانية من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل ، إذ المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي المطعون فيه لا يحول دون النظر و الفصل في الطعن بعدم الدستورية قبل من طبق عليهم ذلك القانون خلال فترة نفاذه ، و ترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم ، و تبعاً لذلك توافرت لهم مصلحة شخصية في الطعن بعدم دستوريته ، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسري على الوقائع التي تتم في ظلها أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى إلغائها ، فإذا ألغيت هذه القاعدة و حلت محلها قاعدة قانونية أخرى ، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها ، و يقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها ، و بذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين القانونيتين ، و من ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت و ترتبت آثارها في ظل أي من القانونين – القديم و الجديد – تخضع لحكمه، فما نشأ منها و ترتبت آثاره في ظل القانون القديم يظل خاضعاً لحكمه ، و ما نشأ من مراكز قانونية و ترتبت آثاره في ظل القانون الجديد يخضع لهذا القانون وحده ، و على ذلك فإن إلغاء قانون الضرائب على الدخل على النحو المشار إليه ، و الذي طبق على الدعي أثناء فترة نفاذه ، و ترتبت بمقتضاه آثار قانونية في حقه ، لا ينفي مصلحته في الطعن عليه بعدم الدستورية ، و التي تبقى قائمة و متحققة في حدود نطاقها المتقدم ذكره .

 

و حيث إن المدعي ينعى على النصوص المطعون فيها مخالفة المواد 8 ، 38 ، 40 من دستور سنة 1971 ، بقالة أن عجز الفقرة الثانية من المادة 103 من قانون الضرائب على الدخل المشار إليه قد أطلق يد مصلحة الضرائب في تقدير إيرادات و أرباح صغار الممولين دون ضوابط أو أسباب عند رفض إقراراتهم ، كما حدد نص الفقرة الأولى من المادة الخامسة من القانون 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل السالف الذكر تاريخ أول أكتوبر سنة 2004 لتحديد مجال انطباق أحكامه و الإفادة منها ، بما يعد إخلالاً بمبدأي المساواة و تكافؤ الفرص ، و بمقتضيات العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي ، و التي يتعين كفالتها للممولين .

 

و حيث إن المقرر أن حماية هذه المحكمة للدستور، إنما يصرف إلى الدستور القائم ، إلا أنه إذا كان هذا الدستور ليس ذا أثر رجعي ، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور السابق الذي صدر النص المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه ، طالما أن هذا النص قد عمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة سريان ذلك الدستور.  متى كان ذلك و كان قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 187 لسنة 1993 ، الذي تضمن النص المطعون فيه ، قد تم إلغاؤه بمقتضى قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 ، قبل نفاذ الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011 ، و الدستور الحالي الصادر في 25/12/2012 ، و من ثم يتعين الاحتكام في شأن المسألة الدستورية المتعلقة بالنص المطعون فيه ، إلى نصوص دستور سنة 1971 ، الذي صدر القانون المشتمل على النص المطعون فيه ، و تم العمل به إلى أن تم إلغاؤه ، خلال مدة سريان ذلك الدستور.

 

و حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن " الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً و بصفة نهائية من المكلفين بها ، و هي بكل صورها تمثل عبئاً مالياً عليهم ، و يتعين – تبعاً لذلك – و بالنظر إلى وطأتها و خطورة تكلفتها ، أن يكون العدل من منظور اجتماعي مهيمناً عليها بمختلف صورها محدداً الشروط الموضوعية لاقتضائها نائياً عن التمييز بينها دون مسوغ ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التي كفلها الدستور للممولين جميعاً في شأن الحقوق عينها ، فلا يحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها ، و لما كانت السلطة التشريعية التي تنظم أوضاع الضريبة العامة بقانون يصدر عنها – إعمالاً لنص المادة (119) من دستور سنة 1971 – يكون متضمناً تحديد وعائها و أسس تقديره و بيان مبلغها ، و الملتزمين أصلاً بأدائها ، و المسئولين عن توريدها ، و قواعد ربطها و تحصيلها و توريدها و ضوابط تقادمها ، و غير ذلك مما يتصل ببنيانها .

 

كما أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون – و على ما تدل عليه المادتان (61 ، 119) من دستور سنة 1971 – هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية و أسسها الموضوعية ، و تكون العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي ضابطاً في الحدود المنصوص عليها في المادة (38) من دستور سنة 1971 ، إذ ليس ثمة مصلحة مشروعة ترتجى من وراء إقرار تنظيم ضريبي يتوخى مجرد تنمية موارد الدولة من خلال فرض ضريبة تفتقر إلى تلك القوالب و الأسس ، ذلك أن جباية الأموال في ذاتها لا تعتبر هدفاً يحميه الدستور.

 

و حيث إن من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة " أن تحديد دين الضريبة يفترض التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع لها ، باعتبار أن ذلك يعد شرطاً لازماً لعدالة الضريبة ، و لصون مصلحة كل من الممول و الخزانة العامة ، و يتعين أن يكون ذلك الدين – و هو ما يطلق عليه وعاء الضريبة ممثلاً في المال المحمل بعبئها – محققاً و محدداً على أسس واقعية يكون ممكناً معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه ، و لا يكون الوعاء محققاً إلا إذا كان ثابتاً بعيداً عن شبهة الاحتمال منسوباً إليه ، و محمولاً عليه ، وفق الشروط التي يقدر المشرع معها واقعية الضريبة و عدالتها ، بما لا مخالفة فيه للدستور، و بغير ذلك لا يكون لتحديد وعاء الضريبة من معنى ، ذلك أن وعاء الضريبة هو مادتها ، و الغاية من تقرير الضريبة هو أن يكون هذا الوعاء مصرفها . و لا يحول إقرار السلطة التشريعية لقانون الضريبة العامة دون أن تباشر هذه المحكمة رقابتها عليه في شأن توافر الشروط الموضوعية لعناصر تلك الضريبة ؛ و ذلك بالنظر إلى خطورة الآثار التي تحدثها ، و تمتد هذه الرقابة إلى الواقعة القانونية التي أنشأتها ، و قوامها تلك الصلة المنطقية بين شخص محدد يعتبر ملتزماً بها ، و المال المتخذ وعاءً لها محملاً بعبئها ، وهذه الصلة – و هي التي لا تنهض الضريبة بتخلفها - تتحراها هذه المحكمة لضمان أن يظل إطارها مرتبطاً بما ينبغي أن يقيمها على حقائق العدل الاجتماعي ، محدداً مضمونها و غايتها على ضوء القيم التي احتضنها الدستور.

 

و حيث إن المشرع قد أورد النص المطعون فيه ضمن الأحكام العامة الواردة بالباب السادس من الكتاب الأول من قانون الضرائب على الدخل المشار إليه ، و لم يحقق فيه التوازن المطلوب بين أمرين هما حق الدولة في استئداء الضريبة المستحقة قانوناً ، لما تمثله من أهمية بالغة نحو وفاء الدولة بالتزاماتها العامة تجاه الأفراد ، و بين الضمانات الدستورية و القانونية المقررة في مجال فرض الضرائب على المواطنين ، لا سيما من حيث تحديد وعاء الضريبة تحديداً حقيقياً كشرط لعدالتها . ذلك أن المشرع قد منح بهذا النص مصلحة الضرائب سلطة عدم الاعتداد بالإقرار و تحديد الإيرادات و الأرباح بطريق التقدير الجزافي ، دون تقييد سلطتها في هذا الشأن بضوابط و معايير حاكمة ، يعد التزامها شرطاً لعدالة الضريبة ، و لصون مصلحة كل من الممولين و الخزانة العامة ، و تكفل أن يكون وعاء الضريبة ممثلاً في المال المحمل بعبئها محققاً و محدداً على أسس واقعية يضحى ممكناً معها الوقوف على حقيقته بعيداً عن شبهة الاحتمال أو الترخص ، وصولاً إلى تقدير حقيقي لهذا الوعاء ، و تحديد المقدرة التكليفية للممولين تحديداً حقيقياً بعيداً عن الشطط في التقدير الذي يجاوز أرباح الممولين الفعلية ، ويتعداها إلى أصل رأس المال فيدمره ، و يقيم الربط الضريبي على أسس غير واقعية ، تصادم التوقع المشروع لهم ، و تباغت حياتهم و تعصف بمقدراتهم ، و تصم الإقرارات المقدمة منهم بعدم الصحة فلا يكون مقدار الضريبة الملزمين بأدائها معروفاً لهم قبل استحقاقها ، و لا عبؤها ماثلاً في أذهانهم عند سابق تعاملاتهم ، بما لازمه ترخص مصلحة الضرائب في تحديد وعاء الضريبة و مادتها و مصرفها و مقدارها تبعاً لذلك ، بعيداً عن الضوابط الدستورية الحاكمة لإنشاء الضرائب العامة ، و يتضمن إهداراً لقواعد العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي و تهيمن عليه ، و ذلك كله بالمخالفة لنصوص المواد 61 ، 38 ، 119 من دستور سنة 1971 ، و لا يغير من ذلك تحميل مصلحة الضرائب طبقاً لنص المادتين (100) ، (104) من قانون الضرائب على الدخل بعبء الإثبات في حالة عدم الاعتداد بالإقرار المعتمد من أحد المحاسبين و المستند إلى دفاتر منتظمة يتم إمساكها طبقاً لأحكام القانون ، و إذ لم يحدد القانون القواعد الحاكمة للإثبات في هذه الحالة ، بما يضمن عدالته و الوصول إلى تقدير حقيقي لوعاء الضريبة ، بل منح نص المادة 105 من هذا القانون المصلحة سلطة ربط الضريبة طبقاً لما يستقر عليه رأيها في حالة عدم موافقة الممول على التقدير أولم يقم بالرد على ملاحظات المصلحة في المهلة المحددة ، هذا فضلاً عن أن تحميل المصلحة بعبء الإثبات على النحو المشار إليه لا يسري في حالة عدم انتظام الدفاتر و السجلات أو عدم الإمساك بها ، و بالنسبة لصغار الممولين من أصحاب النشاط التجاري أو الصناعي غير الملتزمين بإمساك دفاتر منتظمة أو اعتماد إقراراتهم الضريبية من أحد المحاسبين ، والذين لا يمكن استبعادهم بحال من نطاق الحماية الدستورية ، ذلك أن التجاء مصلحة الضرائب إلى طريق التقدير يكون باعتباره أسلوب محاسبة و ليس جزاء ، بما يوجب مراعاة توفير الضمانات الدستورية فيما تجريه المصلحة من تقديرات ، و عدم حرمان هؤلاء الممولين من الحق في المعاملة القانونية الكافلة لمشروعية فرض الضريبة عليهم ، و ضمان تقدير وعائها تقديراً حقيقياً يقوم على ما تنبئ به مؤشرات دخلهم و غيرها من القرائن و الأدلة ، و ذلك كله من خلال إخضاع تقديرات المصلحة لإيراداتهم و أرباحهم لضوابط أو معايير تكفل لهم ذلك ، و تبعد تلك التقديرات عن أسلوب التقدير الجزافي ، الذي عزف عنه المشرع في قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 ، مما يتعين معه القضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه فيما لم يتضمنه من وضع ضوابط أو معايير للتقدير الذي تجريه المصلحة عند تحديدها لإيرادات و أرباح الممولين طبقاً لأحكامه .

 

و حيث إنه بالنسبة للطعن على ما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة الخامسة من مواد إصدار قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 من تحديد نطاق تطبيق أحكامه بتاريخ قبل أول أكتوبر سنة 2004 ، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على ذلك النص الذي زال معمولاً به ، من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر بتاريخ 25 /12/2012 ، باعتباره الوثيقة الدستورية الحاكمة للنزاع الدائر حول هذا النص .

 

وحيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق ، و إن كان الأصل فيها هو إطلاقها ، إلا أن القيود التي يفرضها الدستور لصون هذه الحقوق من صور العدوان المحتمل عليها ، هي التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز أن يتداخل التنظيم التشريعي فيها هدماً للحقوق التي يكفلها الدستور ، أو مؤثراً في محتواها بما ينال منها ، و من ثم تمثل هذه الدائرة مجالاً حيوياً لا يتنفس الحق إلا من خلالها ، و لا يكون تنظيم هذا الحق ممكناً من زاوية دستورية إلا فيما وراء حدودها الخارجية ، ليكون اقتحامها مجانباً لتنظيمه ، و عدواناً عليه أدخل إلى مصادرته أوتقييده ، كذلك لا يجوز أن تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعاً محدداً عن أهدافها ، بل يجب أن تكون هذه النصوص مدخلاً إليها ، و موطئاً لإشباع مصلحة عامة لها اعتبارها ، و مرد ذلك ، أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر عن فراغ ، ولا يعتبر مقصوداً لذاته ، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها ، و تعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها ، و طريق الوصول إليها .

 

كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبدأ المساواة أمام القانون ، أساس العدل ، وهو أدخل إلى جوهر الحرية ، و أكفل لإرساء السلام الاجتماعي ، و لئن جاز القول بأن الأصل في كل تنظيم تشريعي أن يكون منطوياً على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض ، أو المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها ، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور ، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعاً محدداً ، عن أهدافها ، ليكون اتصال الأغراض التي توخاها ، بالوسائل ، منطقياً ، و ليس واهياً أو واهناً ، بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستورياً .

 

و حيث إن قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 187 لسنة 1993 قد نظم في المواد 157 و ما بعدها منه تشكيل لجان الطعن الضريبي و إجراءات مباشرتها لمهامها ، على نحو يبين منه أن هذه اللجان لا تعدو أن تكون هيئات إدارية أناط بها القانون مهمة الفصل في المنازعات التي تتردد بين مصلحة الضرائب و الممولين ، باعتبار أن اللجوء إليها يمثل مرحلة أولية ، قصد بها إعادة النظر في اختلاف وجهات النظر بين الطرفين قبل الالتجاء إلى القضاء ، و إذا كانت المادتان 161 ، 162 من القانون المار ذكره ، قد نصت على أن للطرفين الحق في الطعن على قرار لجنة الطعن الضريبي أمام المحكمة الابتدائية المختصة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان قرار اللجنة ، و لهما استئناف الحكم الصادر من تلك المحكمة أمام محكمة الاستئناف أياً كانت قيمة النزاع ، فإن النصوص المذكورة باشتراطها عرض الخلاف بداءة على لجان الطعن الضريبي تكون قد استهدفت فتح الطريق أمام محاولة التوفيق بين الممول و مصلحة الضرائب ، توخياً لدرء المضي في خصومة يمكن تسوية عناصرها توفيقاً ، فإذا لم تتحقق مثل هذه التسوية ، فقد أتاحت هذه النصوص للطرفين أن يلجئا إلى القضاء بدرجاته المتعددة حسماً لهذا النزاع ، و بذلك تكون تلك النصوص قد توخت من اشتراطها عرض النزاع على تلك اللجان تحقيق مصلحة مشروعة لا تنفصل في غايتها عن الخصومة القضائية أمام المحاكم المختصة ، باستهدافها حسم تلك المنازعات على وجه السرعة و بإجراءات أكثر يسراً ، بما قد يغني عن الخصومة القضائية ، و إن كان لا يحول دونها .  متى كان ذلك ، و كان النص المطعون فيه قد قصر نطاق تطبيق الحكم الوارد به ، و القاضي بانقضاء الخصومة على الدعاوى المقيدة أو المنظورة أمام جميع المحاكم على اختلاف درجاتها ،  و استهدف من ذلك – على ما يتبين من الأعمال التحضيرية للقانون المذكور- التيسير على الممولين و تصفية المنازعات بينهم و بين مصلحة الضرائب ، و إنهاء الخصومات بينهم ، و تطبيق العفو الضريبي عليهم ، مستبعداً من هذه النطاق الطعون المقامة أمام لجان الطعن الضريبي ، و التي يكون موضوعها الخلاف في تقدير الضريبة ، و لا يجاوز الوعاء السنوي للضريبة محل النزاع فيها عشرة آلاف جنيه ، دون مقتض أو مصلحة مشروعة تبرره ، إلا ما أوضحه وزير المالية في هذا الشأن بمضبطة مجلس الشعب الجلسة الخامسة و الستين المعقودة صباح السبت الموافق 9 أبريل سنة 2005 من أن اللجان في يد المصلحة و وزير المالية ، و إن إنهاء النزاع أمامها لا يحتاج إلى قانون ، و هو ما يتصادم و نص المادة 119 من دستور سنة 1971 ، و التي تقابلها المادة 18 من الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011 و المادة 26 من الدستور الحالي الصادر في 25 /12/2012 ، و التي لا تجيز الإعفاء من أداء الضريبة العامة إلا في الأحوال المبينة في القانون ، هذا فضلاً عن أن المشرع و إن حدد تاريخ العمل بقانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 في 10/6/2005 – اليوم التالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية طبقاً لنص المادة التاسعة من مواد قانون الإصدار المشار إليه و التي استثنت بعض الحالات من هذا الحكم – إلا أنه عين تاريخاً آخر لتحديد مجال تطبيق الحكم الوارد بالنص المطعون فيه ، و الذي بمقتضاه تنقضي الخصومة في الدعاوى المقيدة أو المنظورة لدى جميع المحاكم على اختلاف درجاتها قبل أول أكتوبر سنة 2004 ، دون أن يستند في ذلك إلى أساس موضوعي ، سوى ما أشار إليه وزير المالية بمضبطة مجلس الشعب السالفة الذكر، من أن تحديد هذا التاريخ جاء درءاً للخطر الناشئ عن سبق الإعلان في اجتماع الحزب الوطني المعقود في 23 سبتمبر سنة 2004 عن العزم على إنهاء المنازعات القضائية القائمة بين المصلحة و الممولين و إسقاطها ، و الذي قد يشجع بعض الممولين على عدم سداد الضرائب المستحقة عليهم ، و الدخول في منازعات قضائية مع مصلحة الضرائب توصلاً للاستفادة من ذلك النص ، و هي جميعاً لا تكفي مسوغاً لاتخاذ التاريخ المذكور أساساً لتحديد نطاق تطبيق الأحكام المشار إليها ، و على ذلك فإن النص المطعون فيه و قد استبعد من مجال تطبيق أحكامه الدعاوى المقيدة أو المنظورة لدى جميع المحاكم على اختلاف درجاتها بعد التاريخ المذكور، وكذا الطعون المقامة أمام لجان الطعن الضريبي قبل ذلك التاريخ و بعده ، و التي ينصب الخلاف فيها على ذات الموضوع و المحل ، فإن يكون متضمناً إهداراً للحق في الحماية القانونية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة للممولين للضريبة ، و منطوياً على تقسيم و تصنيف بينهم ، و متبنياً تمييزاً يناقض الغاية من وراء تقريره ، ليصير ارتباطه عقلاً بأهدافه ، باعتباره الوسيلة التي صاغها المشرع لتحقيقها ، واهياً ليقع النص الطعين في حدود نطاقه المشار إليه – مصادماً لمبدأ المساواة الذي كفله الدستور الحالي في المادتين 8 و 33 منه ، و لمقتضيات العدالة الاجتماعية التي حرصت المادتان 14 و 26 من ذلك الدستور على توكيدها ، باعتبارها أحد الدعائم الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني ، و هدف رئيسي لخطة التنمية تسعى إلى تحقيقه ، و القاعدة الحاكمة للنظام الضريبي و إنشاء الضرائب و إنفاذها في حق الممول ، فضلاً عن مخالفة هذا النص للمادة 81 من الدستور ، التي لا تجيز لأي قانون يتناول بالتنظيم ممارسة الحقوق و الحريات أن يقيدها بما يمس أصلها أو جوهرها ، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم دستورية هذا النص في حدود نطاقه المتقدم ، و سقوط الأحكام المقابلة الواردة بالكتاب الدوري رقم 3 لسنة 2005 الصادر من وزير المالية بشأن قواعد انقضاء الخصومة وفقاً لأحكام النص المذكور، و التي ترتبط في وجودها و زوالها بذلك النص ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة .

 

فلهذه الأسباب

 

حكمت المحكمة : أولاً : بعدم دستورية عجز الفقرة الثانية من المادة 103 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 187 لسنة 1993 فيما تضمنه من تخويل مصلحة الضرائب عدم الاعتداد بالإقرار و تحديد الإيرادات و الأرباح بطريق التقدير، دون وضع ضوابط أو معايير لهذا التقدير.

 

ثانياً : عدم دستورية عبارة " قبل أول أكتوبر سنة 2004 " الواردة بنص المادة الخامسة من القانون رقم 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل ، و سقوط الأحكام المقابلة الواردة بالكتاب الدوري رقم 3 لسنة 2005 الصادر من وزير المالية بشأن قواعد انقضاء الخصومة وفقاً لأحكام النص المشار إليه .

ثالثاً : إلزام الحكومة بالمصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

أمين السر                                                           رئيس المحكمة

 

( الجريدة الرسمية العدد 21 مكرر في 26 مايو سنة 2013 )

 

 

 

المصدر: الجريدة الرسمية
lawing

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية 0126128907

ساحة النقاش

أشرف سعد الدين عبده - [email protected]

lawing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,884,709

راسلنا على الاميل

نرحب بكل الزائرين للموقع ، و نتمنى لهم أن يجدوا ما ينفعهم و يحتاجون إليه ، و لمن أراد التواصل معنا أوالاستفسارأو تقديم الاقتراحات الخاصة بالموقع و محتوياته ، عفلى الرحب و السعة ، و ذلك على الاميل الخاص بالأستاذ / أشرف سعد الدين المحامي :
[email protected]