<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]-->
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الثاني عشر من مايو سنة 2013 م ، الموافق الثاني من رجب سنة 1434 هـ .
برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيري ..............................رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عبد الوهاب عبد الرازق و محمد عبد العزيز الشناوي و ماهر سامي يوسف و محمد خيري طه النجار و سعيد مرعي عمرو و الدكتور/ عادل عمر شريف ....................... نواب رئيس المحكمة .
و حضور السيد المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمي ...رئيس هيئة المفوضين.
و حضور السيد / محمد ناجي عبد السميع ................................. أمين السر.
أصدرت الحكم الآتي :
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 37 لسنة 33 قضائية " دستورية ".
المقامة من :
السيدة/ نادية عبد الله أحمد الوكيل .
ضد :
1- السيد رئيس الجمهورية .
2- السيد رئيس مجلس الشعب .
3- السيد وزير العدل .
4- السيد رئيس مجلس الوزراء .
5- السيد/ محمد ناصر السيد أبو عيانة .
6- السيدة / نيهال محمد عبد المنعم عبد الحميد الوكيل .
الإجراءات
بتاريخ السادس من شهر مارس سنة 2011 ، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة ، طالبة الحكم بعدم دستورية عجز الفقرة (2) من المادة (20) من القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية ، فيما تضمنه من قصر حق رؤية الأجداد للصغير عند عدم وجود الأبوين .
و قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى .
و بعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
و نُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، و قررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، و المداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى و سائر الأوراق – تتحصل في أن المدعى عليه الخامس كان قد أقام الدعوى رقم 1201 لسنة 2006 " محكمة الأسرة – رمل الإسكندرية " بطلب تمكينه من رؤية ابنته الصغيرة – المشمولة بحضانة والدتها – المدعى عليها السادسة ، مرة كل أسبوع ، فتدخلت المدعية في هذه الدعوى تدخلاً انضمامياً ، باعتبارها الجدة لأم الصغيرة ، بطلب الحكم بتمكينها من رؤيتها . حكمت المحكمة بجلسة 18/4/2010 برفض تدخل المدعية ، التي لم ترتض هذا الحكم و طعنت عليه بالاستئناف رقم 3828 لسنة 66 " ق – الإسكندرية " ، و بجلسة 18/1/2011 دفعت المدعية بعدم دستورية عجز نص الفقرة الثانية من المادة (20) من القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية ، فيما تضمنه من قصر رؤية الأجداد في حالة عدم وجود الأبوين فقط ، و ذلك لمخالفته نص المادتين (2 ، 9) من دستور عام 1971 .
و حيث إن الفقرة الثانية من المادة رقم (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المستبدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية تنص على أنه : " و لكل من الأبوين الحق في رؤية الصغير أو الصغيرة و للأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين ".
و حيث إن المدعية تنعي على النص المطعون فيه مخالفة المادتين (2 ، 9) من دستور سنة 1971 ، المقابلتين للمادتين (2 ، 10) من دستور سنة 2012 ، لإخلاله بوحدة الأسرة ، و عدم توكيد قيمها العليا ، و صون أفرادها حتى يبقى بنيانها قائماً على الدين و الأخلاق ، فضلاً عن عدم توفيره المناخ المناسب بما يهدد وحدة الأسرة التي حرص الدستور على صونها ، خاصة و أن رؤية الأحفاد لأجدادهم حق لهم لتمكينهم من التواصل و الارتباط بهم ، و بذلك فإن النص المطعون فيه يمثل هدماً لكيان الأسرة التي حرصت الشريعة الإسلامية على حمايتها ، بما يخالف مقاصد الشريعة و يترتب عليه مخالفة أحكام الدستور.
و حيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين ، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره ، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم و حمايته من الخروج على أحكامه ، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد و الأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ، و لها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها و إهدار ما يخالفها من التشريعات ، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة ، و بالبناء على ما تقدم ، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر في 25/12/2012 .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن ما نص عليه دستور عام 1971 في مادته الثانية – بعد تعديلها سنة 1980 – المقابلة للمادة (2) من دستور سنة 2012 ، من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ، إنما يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه و تنزل عليه في تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل ، فلا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها و دلالتها ، باعتبار أن هذه الأحكام هي التي لا يجوز الاجتهاد فيها إذ تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية و أصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبدلاً . و من غير المتصور تبعاً لذلك أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان و المكان ، إذ هي عصية على التعديل و لا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها . و لا ينطبق ذلك على الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو دلالتها أو بهما معاً ، فهذه الأحكام التي تنحصر فيها دائرة الاجتهاد ، و لا تمتد إلى سواها ، حيث تتغير بتغير الزمان و المكان لضمان مرونتها و حيويتها ، ولمواجهة النوازل على اختلافها ، و على أن يكون هذا الاجتهاد واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية بما لا يجاوزها ، متوخياً تحقيق المقاصد العامة للشريعة بما يقوم عليه من صون الدين و النفس و العقل و العرض و المال ، و لئن جاز القول بأن الاجتهاد في الأحكام الظنية حق لأهل الاجتهاد فأولى أن يكون هذا الحق ثابتاً لولي الأمر يستعين به في كل مسألة بخصوصها وبما يناسبها . و أية قاعدة قانونية تصدر في هذا الإطار لا تحمل في ذاتها ما يعصمها من العدول عنها و إبدالها بقاعدة جديدة لا تصادم حكماً شرعياً قطعياً ، و تكون في مضمونها أرفق بالعباد ، و أحفل بشئونهم ، و أكفل لمصالحهم .
لما كان ذلك ، و كان حق رؤية الأبوين للصغير أو الصغيرة من ثوابت الشريعة الإسلامية ارتكاناً إلى صلة الرحم و بر الوالدين ، إلا أنه حق أصيل لمصلحة الصغير، و لصالح أصوله على حد سواء ، تلبية للفطرة الطبيعية التي فطر الله الناس عليها . و حين يقرر المشرع حدود هذه المصالح معرفاً بأبعادها ، فذلك لأن الشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية – القطعية في ثبوتها و دلالتها – لا تقيم لحق الرؤية تخوماً لا ينبغي تجاوزها ، و من ثم تعين أن يتحدد نطاق مباشرته بما يكون أوفى بمصالح الصغير و الأبوين و الأجداد ، ومؤدى ذلك أنه يتعين ألا يكون تنظيم مباشرة هذا الحق محدداً بقواعد جامدة صارمة لا تأخذ في اعتبارها تغير الزمان و المكان ، بل ينبغي أن يتسم دوماً بقدر من المرونة التي تتسع لها الأحكام الفرعية المستجيبة دوماً للتطور، و هي مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يحيد عنها ، أو أن يتوقف اجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعاً قد تجاوزتها . و إذ كان للمشرع الاجتهاد في الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التي يقوم برهانها من الأدلة الشرعية ، و كان الثابت أنه ليس هناك نص قطعي الثبوت و الدلالة في شأن تنظيم حق الرؤية ، فإن قيام المشرع بتنظيم هذا الحق لا يعدو أن يكون واقعاً في دائرة الاجتهاد و يتعين أن يكون محققاً لأحد مقاصد الشريعة ، تلبية لمتطلبات الظروف الاجتماعية التي تواكب إصدار النص المقرر . و إذ كان ذلك ، و كان النص المطعون عليه بقصره حق الأجداد في رؤية أحفادهم على حالة عدم وجود الأبوين ، قد أخلّ بما يتطلبه الحفاظ على صلة الرحم ، و الإبقاء على الروابط الأسرية و ما يحمله هذا أو ذاك من قيم عليا تحقق للنفس البشرية تكاملها الذي تهدف إليه مقاصد الشريعة الغراء ، فإنه يكون من هذه الوجهة مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية و من ثم للمادة الثانية من الدستور.
و حيث إن الحق في تكوين الأسرة لا ينفصل بالضرورة عن الحق في صونها ، بما يكفل تنشئة أطفالها و تقويمهم و تحملهم مسئولياتهم ، و كان الدستور الحالي قد نص في مادته العاشرة على أن الأسرة أساس المجتمع و أن قوامها الدين و الأخلاق و الوطنية ، و أن الطابع الأصيل للأسرة المصرية و ما ينطوي عليه من قيم و تقاليد ، هو ما ينبغي الحفاظ عليه ، و توكيده في العلائق داخل مجتمعها ، و أن الأمومة و الطفولة قاعدة لبنيان الأسرة و رعايتها و ضرورة لتقدمها . لما كان ذلك ، و كان من المقرر أن كل قاعدة قانونية لا تحمل ما يعصمها من العدول عنها و إبدالها بقاعدة جديدة ، تكفل في مضمونها المصالح الحقيقية التي يتعين أن تشرع الأحكام لتحقيقها . وكان الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية يتمثل جوهرها في المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقرر أنه أنسب لمصلحة الجماعة و أكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها ، محققاً لما يهدف إليه التنظيم الذي يشرع له . فإذا كان النص المطعون عليه قد حاد عن تحقيق المصالح المشروعة للأسرة ثم للصغير في علاقته بأسرته و خاصة أجداده ، بما يحمله ذلك من أحاسيس و مشاعر متبادلة بينهم لا تختلف عن تلك القائمة بين الصغير و أبويه ، متجاوزاً بذلك إلى الإسهام في فصم عرى العلاقات الأسرية و التواصل بين أجيالها على أساس من القيم و التقاليد المتوارثة و الأطر الثقافية الثابتة ، و متجاهلاً التطورات المتسارعة التي توالت على المجتمع و الأسرة ، و تعدد الأنزعة في مجال رؤية الأبوين و الأجداد للصغيرة ، بما تحمله من لدد في الخصومة ، و عنت من الحاضنة أو الحاضن في تمكين الأجداد من رؤية أحفادهم ، و ما يرتبه ذلك كله من حرمانهم من عواطف أجدادهم الجياشة و تعلقهم بهم و رعايتهم لهم ، و هو ما يؤدي إلى العديد من محن قد تعصف بالصغار.
وحيث إن النص الطعين انطوى أيضاً على تمييز بدون مبرر في تنظيم حق رؤية الأحفاد بين الأجداد في حالة وجود الأبوين ، وبين الأجداد في حالة عدم وجود الأبوين ، رغم تماثل مراكزهم القانونية ، و مساواتهم في درجة القرابة ، بما يناهض مبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور، ذلك أنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه إذا ما قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين و تساويهم تبعاً لذلك في العناصر لتي تكونت ، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي يجب تطبيقها في حقهم ، فإن خرج المشرع على ما تقدم سقط في حمأة المخالفة الدستورية ، و بذلك يكون النص المطعون فيه قد خالف نصوص المواد (2، 10 ، 33 ) من الدستور، بما يوجب القضاء بعدم دستوريته .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (20) من القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المستبدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية فيما تضمنه من قصر حق الأجداد في رؤية أحفادهم على حالة عدم وجود الأبوين ، و ألزمت الحكومة المصروفات و مبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
أمين السر رئيس المحكمة
( الجريدة الرسمية العدد 21 مكرر في 26 مايو سنة 2013 )
ساحة النقاش