أشرف سعد الدين عبده - المحامي بالإسكندرية - مصر

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

يعد القضاء من أهم الولايات و أعظمها مسئولية ، إذ يناط به إقامة العدل بين الناس ، و القاضي حين يفصل في منازعاتهم يعتبر مؤتمناً  عليها ، و هذا يستلزم فيه أن يكون صالحاً في نفسه ، منضبطاً في تصرفاته ، مبتعداً عن مظان الريب ، الأمر الذي كان لزاماً و أمراً مقضياً أن يُحاط التقاضي بضمانات جوهرية ، تمثل سياجاً حصيناً ضد ميل القاضي ذات اليمين أو ذات الشمال انحرافاً عن الحق ، و من تلك الضمانات الحيدة .

 

و الحيدة تكفل حماية القاضي من نفسه حتى يتحقق له الحيدة الذاتية و النزاهة التامة ، لئلا يستميل الخصم قلبه ليعتني به في الحكم و يستعد به على الآخر ، فالقضاة بشر لهم عواطفهم و مصالحهم الخاصة التي قد يخضعون للتأثر بها في عملهم ، فالحيدة في الجملة تعني ضرورة التسوية بين الخصوم في كل مراحل الدعوى من تحقيق و مرافعة و حكم ، فلا يميل لأحد الخصوم بسبب الأصل أو المكانة الاجتماعية أو القرابة والمحبة و الصداقة أو الغنى أو الدين أو القوة أوالضعف أو الفكر ، و قد قال الله تعالى ( يـداود  إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله .. ) ،  و ورد في كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري حينما ولاه القضاء ( آس بين الناس في وجهك و مجلسك و قضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك و لا ييأس ضعيف من عدلك ) .

 

و من أجل ذلك كله يحكم القاضي حين يحكم – وفقاً لقواعد قانونية محددة سلفاً ، دون أن يلقي بالاً لشخصيات الخصوم ، قد قضت محكمة النقض في ذلك بان (   مبدا حياد القاضي يتأسس على قاعدة أصولية قوامها وجوب اطمئنان المتقاضي إلى قاضيه و أن قضاءه لا يصدر إلا عن الحق وحده دون تحيز أو هوى " ( الطعن رقم 2441 لسنة 62 ق – جلسة 17/2/1999    ) ، وحرصت الأحكام التشريعية المنظمة لشئون القضاء على تدعيم وتوفير هذه الحيدة و لم تغفل عن حق المتقاضي إذا كانت لديه أسباب مظنة التأثير في هذه الحيدة أن يجد السبيل ليحول بين من قامت في شأنه تلك المظنة و بين القضاء في دعواه ، فقد أجاز قانون المرافعات في البند رقم 4 من المادة 148 رد القاضي إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل ، و هذا السبب يشمل كل الأحوال التي يثور فيها الشك حول قدرة القاضي على الحكم بغبر ميل و تحيز إلى أحد طرفي الخصومة ، و لا يشترط أن تصل العداوة إلى الخصومة التي ترفع إلى القضاء .

 

و من باب سد الذرائع نص المشرع في المادة 73 من قانون السلطة القضائية على أنه ( يحظر على المحاكم إبداء الآراء السياسية .   و يحظر كذلك على القضاة الاشتغال بالعمل السياسي ..... ) ، و النص على حظر هذا العمل بالذات لم يكن من المشرع عبثاًَ ، و إنما لما لهذا العمل السياسي –رأياً و اشتغالاً – من تأثير على عقلية و عاطفة القاضي ينعكس سلباً على حكمه ، و لا راد لذلك إلا غلق هذا الباب حفاظاً على حيدته .

 

 

 

 

و قد تواترقضاء المحكمة الدستورية العليا في شأن حيدة القاضي على أن :

 

"  استقلال السلطة القضائية مؤداه أن يكون تقدير كل قاض لوقائع النزاع ، و فهمه لحكم القانون بشأنها ، متحرراً من كل قيد ، أو تأثير ، أو إغواء ، أو وعيد ، أو تدخل ، أو ضغوط ، أياً كان نوعها أو مداها أو مصدرها أو سببها أو صورتها ، ما يكون منها مباشراً أو غير مباشر ..  .

 

و حيث إن استقلال السلطة القضائية ، و إن كان لازماً لضمان موضوعية الخضوع للقانون ، و لحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التي يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم أو حرياتهم ، إلا أن حيدتها عنصر فاعل في صون رسالتها لا يقل شأناً عن استقلالها ، بما يؤكد تكاملهما.......ذلك أن استقلال السلطة القضائية ، يعني أن تعمل بعيداً عن أشكال التأثير الخارجي التي توهن عزائم رجالها ، فيميلون معها عن الحق إغواءً أو إرغاماً ، ترغيباً أو ترهيباً ، فإذا كان انصرافهم عن إنفاذ الحق تحاملاً من جانبهم على أحد الخصوم  و انحيازاً لغيره ، لمصالح ذاتية أو لغيرها من العوامل الداخلية التي تثير غرائز ممالأة فريق دون آخر ، كان ذلك منهم تغليباً لأهواء النفس ، منافياً لضمانة التجرد عند الفصل في الخصومة القضائية ، مما يخل بحيادهم ،

 

و حيث إنه متى كان ما تقدم ، و كان لا يجوز أن يكون العمل القضائي موطئاً لشبهة تداخل تجرده ، و تثير ظلالاً قاتمة حول حيدته ، فلا يطمئن إليه متقاضون استرابوا فيه بعد أن صار نائياً عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية ... ".

( حكمها الصادر في الدعوى رقم 34 لسنة 16 ق " دستورية " – جلسة 15/6/1996 )

 

 

 

و قضت كذلك ذات المحكمة بأن :

" الخصومة القضائية لا يستقيم الفصل فيها حقاً و عدلاً إذاخالطتها عوامل تؤثر في موضوعية القرار الصادر بشأنها  " ( حكمها في الدعوى رقم 151 لسنة 21ق " دستورية " – جلسة 9/9/2000 ).

 

و رغم وضوح ذلك ، فإن الواقع بعد ثورة 25 يناير، أثبت بما لا يدع مجالاً للشك مدى فقدان بعض الجهات القضائية والقضاة للحيدة ، و ميلهم عن الحق و العدل لصالح البعض على حساب آخرين ، و عندي أن من هؤلاء المحكمة الدستورية العليا ذاتها ، فلا مراء أنها ، سواء المحكمة أو بعض أعضائها ، قد انغمست صراحة ، قولاً و فعلاً ، في العمل السياسي ، من خلال التصريحات الصحفية ، و اللقاءات التليفزيونية ، و المؤتمرات المتخصصة في مناقشة المسائل ذات الصلة بالسياسة خاصة ما يصدر عن رئيس الجمهورية  ، تعقيباً عليها و نقداً لها ، بل من أعضائها ( كالسيدة / تهاني الجبالي ) من تخصص في تحليل الأمور السياسية و القانونية بعدما اعتلى المنابر الفضائية بشكل متوالي ، مفصحاً في صوت جهير عن ميلهم لاتجاه سياسي و قانوني معين يناهض اتجاهاً آخر ولو كان الاتجاه الآخر يعبر عن السلطة الحاكمة المنتخبة ، ليثير عدم ثقة بينه وبين السلطة الحاكمة ، في انتهاك فاضح لقواعد القانون و قيم القضاء ، وهو ما تبين صحته من خلال ما قيل عن تسييس بعد الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية ، و أهمها حكم بطلان و حل مجلس الشعب ، و نتج عن ذلك نشوء ريبة في حيدة المحكمة اضطر معه رئيس الجمهورية إلى إصدار إعلان دستوري لتحصين مجلس الشورى و الجمعية التأسيسية لوضع الدستور و قراراته حماية للوطن و ثورته .

 

فضلاً عما بدر من بعض القضاة و على رأسهم المستشارأحمد الزند الذي خرج عن كل الأطر و القيم القضائية و القانونية و العرفية ليعلنها صراحة أن القضاء سيمارس لعبة السياسة ، وهوما فعله و أخذ يصدر التصريحات العنترية في كل صوب و حدب و كأنه الحاكم بأمر الله  أو كمن يتصرف في عزبة يملكها ، محرضاً على عدم الإشراف على الاستفتاء على مشروع الدستور ، و تعليق العمل القضائي ، و الانقلاب على النائب العام الجديد ،  بل تدخل في الصورة بعض أعضاء النيابة العامة في صورة غير مسبوقة لتنكشف للشعب حقيقة هؤلاء ، و أصبحنا نرى الإفراج عن المقبوض عليهم في أحداث كثيرة كالاتحادية و القائد إبراهيم ، حين يحبس احتياطياً من يقال أنهم اعتدوا على السيد / أحمد الزند ،  لا ريب أن تلك الممارسات تتنافى تماماً مع طبيعة العمل القضائي و الهيبة الواجبة له والثقة فيه ، فمقياس محاسبة القاضي أشد وطأة من غيره في  الوظيفة غيرالقضائية ،  و لذلك قضت المحكمة الدستورية العليا بأن :

 

"  اطرد قضاء هذه المحكمة – كذلك – على أن عدم قابلية القضاة للعزل حصانة قررها الدستور و المشرع حماية للوظيفة القضائية و كضمانة لاستقلال السلطة القضائية ، و هي تلازمهم دوماً طالما ظل سلوكهم موافقاً لواجباتهم الوظيفية ، مستجيباً لمتطلباتها ، معتصماً بالاستقامة و البعد عما يشينها .

 

 لما كان ذلك ، و كان عمل القاضي لا يقاس بغيره من الموظفين العاملين ، و لا هو يؤاخذ بالضوابط المعمول بها في شأن واجباتهم الوظيفية ، و إنما يتعين أن تكون مقاييس سلوكه أكثر صرامة و أشد حزماً ".( حكمها في الدعوى رقم 139 لسنة 21 ق " دستورية " – جلسة 7/3/2004 ).

 

و إزاء ذلك كله ، يطرح سئوال نفسه :  هل يطمئن خصم في نزاع ما إلى مثل هؤلاء ، بعد ما تقدم ؟؟؟؟

 

 

 

 

 

 

المصدر: أشرف سعد الدين المحامي
lawing

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية 0126128907

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 283 مشاهدة

ساحة النقاش

أشرف سعد الدين عبده - [email protected]

lawing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,884,721

راسلنا على الاميل

نرحب بكل الزائرين للموقع ، و نتمنى لهم أن يجدوا ما ينفعهم و يحتاجون إليه ، و لمن أراد التواصل معنا أوالاستفسارأو تقديم الاقتراحات الخاصة بالموقع و محتوياته ، عفلى الرحب و السعة ، و ذلك على الاميل الخاص بالأستاذ / أشرف سعد الدين المحامي :
[email protected]