أشرف سعد الدين عبده - المحامي بالإسكندرية - مصر

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، الرابع عشر من أكتوبر سنة 2012 م ؛ الموافق الثامن و العشرين  من ذي القعدة سنة 1433 هـ.

برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيري ................رئيس المحكمة

و عضوية السادة المستشارين : عدلي محمود منصور و أنور رشاد العاصي و عبد الوهاب عبد الرازق و محمد عبد العزيز الشناوي وماهر سامي يوسف و بولس فهمي اسكندر .............        نواب رئيس المحكمة

و حضور السيد المستشار الدكتور/ محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين

و حضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع .............. ...امين الســــر

 

أصدرت الحكم الآتي :

 

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 151 لسنة 27 قضائية " دستورية " .

 

 المقامة  من

السيد/ أمين محسن أمين خليفة .

 

 

ضد

1-   السيد / وزير الخارجية .

2- السيد رئيس مجلس الوزراء .

 

الإجراءات

بتاريخ الثلاثين من يونيو سنة 2005 ، أقام المدعي هذه الدعوى بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ، طلباً للحكم بعدم دستورية نصي المادتين (5 بند 2 و 79 ) من قانون نظام السلك الدبلوماسي و القنصلي الصادر بالقانون رقم 45 لسنة 1982 ، فيما تضمناه من منع عضو السلك الدبلوماسي من الزواج بغير مصري الجنسية ، و اعتباره مستقيلاً من وظيفته إن فعل  .

 

و قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها ، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .

 

 و بعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .

و نظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، و قررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .

 

المحكمة

 

بعد الاطلاع على الأوراق ، و المداولة .

حيث إن الوقائع  - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى  و سائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي إبان عمله سكرتيراً ثالثاً بوزارة الخارجية تزوج بتاريخ 8/5/2000 بسيدة فرنسية الجنسية بموجب وثيقة زواج صادرة من بلدية مدينة لارنكا بقبرص ، و إذ أخطرت وزارة الخارجية  بهذا الزواج ، صدر قرار وزير الخارجية رقم 3058 في الخامس عشر من سبتمبر سنة 2001 ، باعتبار المدعي مستقيلاً منذ زواجه ، فتظلم من هذا القرار ، و رُفض تظلمه ، فأقام الدعوى رقم 4616 لسنة 56 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري ، طلباً للحكم بوقف تنفيذ القرار المذكور ، و في الموضوع بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار ، و أثناء نظر الدعوى دفع المدعي بعدم دستورية نصي المادتين ( 5/2 ) و (79) من قانون نظام السلك الدبلوماسي و القنصلي الصادر بالقانون رقم 45 لسنة 1982 فقضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً و رفضها موضوعاً ، و إذ لم يرتض المدعي هذا الحكم فطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعنين رقمي 11153 ،  111315 لسنة 50 قضائية إدارية عليا ، طلباً للحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه و القضاء مجدداً بإلغاء القرار الصادر باعتباره مستقيلاً ، مع تمسكه بالدفع بعدم الدستورية ، و إذ قدرت تلك المحكمة جدية هذا الدفع ، و صرحت له بإقامة الدعوى الدستورية ، فقد أقام الدعوى الماثلة .

 

وحيث إن المادة رقم (5) من قانون نظام السلك الدبلوماسي و القنصلي الصادر بالقانون رقم 45 لسنة 1982 قد نصت على أنه "  يشترط فيمن يعين في إحدى وظائف السلك  1- ....... 2-  ألا يكون متزوجاً من غير مصري الجنسية أو ممن هم من أبوين أحدهما أو كلاهما غير مصري ، و مع ذلك يجوز بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على اقتراح وزير الخارجية الإعفاء من هذا الشرط إذا كان متزوجاً ممن ينتمي إلى جنسية إحدى الدول العربية أو ممن اكتسب جنسية جمهورية مصر العربية " ،  و تنص المادة (79) من القانون ذاته على أنه " مع مراعاة البند (2) من المادة (5) من هذا القانون يعتبر مستقيلا من وظيفته من يتزوج بغير مصري الجنسية أو ممن هو من أبوين أحدهما أو كلاهما غير مصري ، و مع ذلك يجوز بناءً على طلب عضو السلك نقله إلى وظيفة أخرى معادلة لوظيفته في الجهاز الإداري للدولة أو الهيئات أو الوحدات الإقتصادية التابعة للقطاع العام إذا طلب ذلك قبل الزواج من غير المصري أو ممن هومن أبوين أحدهما أو كلاهما غير مصري ، و مع ذلك يجوز بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على اقتراح وزير الخارجية الإعفاء من هذا الحكم إذا تزوج ممن ينتمي إلى جنسية إحدى الدول العربية ".

 

 

و حيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية ،و هي شرط لقبولها ،  مناطها- و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة -  أن يكون ثمة ارتباط بينها و بين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، و ذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها ، و المطروحة على محكمة الموضوع ، و يتحدد هذا المفهوم باجتماع شرطين ، أولهما : أن يقيم المدعي الدليل على أن ضرراً واقعياً قد لحق به ، و ليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً ، ثانيهما : أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر عائداً إلى النص التشريعي المطعون عليه .

 

 متى كان ما تقدم ، و كانت رحى النزاع الموضوعي تدور حول طلب إلغاء قرار وزير الخارجية رقم 3058 لسنة 2001 باعتبار المدعي مستقيلاً منذ تاريخ زواجه بغير مصرية الجنسية ، فإن الفصل في دستورية ما نصت عليه المادة رقم (5) بند (2) من قانون نظام السلك الدبلوماسي و القنصلي الصادر بالقانون رقم 45 لسنة 1982 من اشتراط عدم زواج من يعين في إحدى وظائف السلك من غير مصري الجنسية ، و ما نصت عليه المادة (79) من القانون ذاته من اعتبار عضو السلك مستقيلاً من وظيفته إن لم يلتزم بذلك الشرط ، إنما يرتب انعكاساً على الدعوى الموضوعية ، ويوفر مصلحة شخصية مباشرة للمدعي في الدعوى الدستورية الماثلة ، في حدود هذا النطاق دون غيره من الأحكام التي وردت في هذين النصين .

 

 وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين ، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره ، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم و حمايته من الخروج على أحكامه ، و أن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد و الأصول التي يقوم عليها نظام الحكم و لها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها و إهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة .

 

و حيث إنه بالبناء على ما تقدم ، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصين المطعون عليهما – محددان نطاقاً على من خلال أحكام الأعلان الدستوري الصادر في 30 مارس سنة 2011 باعتباره الوثيقة الدستورية التي تحكم البلاد خلال الفترة الانتقالية و إلى أن يتم الانتهاء من إعداد الدستور الجديد و إقراره .

 

و حيث إن المدعي ينعي على النصين المطعون عليهما الإخلال بمبدأ المساواة بين عضو السلك الدبلوماسي و القنصلي و بين غيره ممن يمثلون الدولة في الخارج و يشاطرونه القوامة على حماية المصالح القومية من خطر تسرب أسرارها إلى غير المصريين عند زواجهم بهم ، معدداً من رأي أنهم يماثلونه في مركزه القانوني ، و هو الوزراء – و قد خص منهم وزيرا الخارجية و الدفاع – وممثلي السلطة التشريعية ، و الملحقين الإدريين و الفنيين بالبعثات الدبلوماسية ، و الدبلوماسيين المتزوجين ممن لا يحمل أحد أبويهم الجنسية المصرية ، و الدبلوماسيين الماذون لهم بالزواج ممن ينتمي إلى جنسية إحدى الدول العربية ، كما ينعي على النصين المطعون عليهما إهدار الحق في الزواج ، و تكوين أسرة ، بما يتناقض مع كافة الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها ، و صدقت عليها مصر ، في شأن حق اختيار الزوج الدبلوماسي ممن يختار دون اعتداد بجنسيته بالإضافة إلى أن النصين المطعون عليهما قد نالا من الحق في العمل ، وتقلد الوظائف العامة ، ولم يتساندا إلى أية اعتبارات موضوعية تسوغ أحكامهما المعطلة لهذين الحقين اللصيقين بالحرية الشخصية ، و ذلك كله بالمخالفة لنصوص المواد (9 ، 13 ، 14 ، 40 ، 45 ) من دستور سنة 1971 .

و حيث إن الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس سنة 2011 إنتظم مبادئ المساواة ( المادة 7 ) و الحرية الشخصية ( المادة 8 ) و حق العمل (المادة 5) ، فإن هذه المحكمة تبسط رقابتها على ما ينعاه المدعي من خلال هذه النصوص .

 

و حيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا " أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعني أن تتعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة ، و أنه كلما كان القانون مغايراً بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها ، و كان تقديره في ذلك قائماً على أسس موضوعية ، مستلهماً أهدافاً مشروعة ، فإن ما تضمنه القانون من تمييز يكون مبرراً و لا ينال من شرعيته الدستورية .

 

متى كان ذلك ، و كان النصان المطعون عليهما – بنطاقهما المحدد سلفاً – قد سنا قواعد لا تقيم في مجال سريانها تمييزاً بين المخاطبين بها من أعضاء السلك الدبلوماسي و القنصلي ، و استهدفا مصلحة مشروعة تمثلت – و على ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون – في " إضفاء مزيد من ضمانات الأمن حيث يجب البعد بالعاملين في المجال الدبلوماسي و القنصلي عن اي شبهات قد تتعلق بالجنسية " ، و كان ما اشترطه النصان المطعون عليهما من حمل زوج الدبلوماسي الجنسية المصرية ينسجم مع الغاية المستهدفة من اشتراطه ، ويعد مظهراً من مظاهر سيادة الدولة ، و اختصاصاً مانعاً يتعلق بالمجال المحفوظ لها ، و كانت الطبيعة الخاصة للعمل الدبلوماسي وما تقتضيه من تمثيل العضو دولته و حماية مصالحها و مصالح رعاياها ، و تدعيم علاقتها الدبلوماسية مع الدولة المعتمد لديها ، تعد ضابطاً موضوعياً لاشتراط عدم زواج عضو السلك إلا ممن يكون مصري الجنسية كأحد شروط التعيين و الاستمرار في العمل الدبلوماسي ، بما يرتب اعتباره في مركز قانوني خاص يغاير المركز القانوني للوزراء و أعضاء السلطة التشريعية ، و غيرهم من العاملين بالحقل الدبلوماسي ، الأمر الذي أدى إلى إفراد أداة تشريعية مستقلة لتنظيم أوضاع كل فئة من الفئات الثلاثة المذكورة ، مراعاة للتمايز بين طبيعة عمل و اختصاصات كل منها ، فتكفلت الوثيقة الدستورية بتحديد اختصاصات الوزراء  ، و التزاماتهم ، بينما نيط بقوانين مجلسي الشعب و الشورى ومباشرة الحقوق السياسية تحديد شروط انتخاب أعضاء السلطة التشريعية وتعيين عدد منهم بالمجلسين ، و بيان اخصاصاتهم و حصاناتهم ، على نحو يغاير في إجماله و تفصيله الأوضاع المقررة لأعضاء السلك الدبلوماسي و القنصلي ، كما أنه لا تماثل بين المركز القانوني لأعضاء هذا السلك و فئة الملحقين الإداريين و الفنيين ممن يعملون ضمن البعثات الدبلوماسية ، و يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية في الحدود المبينة باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية ، ذلك أن الملحقين الإداريين ليسوا أعضاء في السلك الدبلوماسي و القنصلي ، و يخضعون لنظام العاملين المدنيين بالدولة ، بينما يتبع الملحقون الفنيون الجهات المنتدبين منها ، و تجري عليهم في التعيين و سائر أوضاعهم الوظيفية الأحكام التي تجري على زملائهم في الجهات التي يتبعونها أصلاً ، كذلك فلا محل للاحتجاج بتماثل المركز القانوني لعضو السلك الدبلوماسي و القنصلي المعين وفق الشروط التي حددها النصان المطعون عليهما ، و قرينه بالسلك ذاته المعين طبقاً لأحكام القانون رقم 166 لسنة 1954 ، و الذي قصر اشتراط الجنسية المصرية للتعيين و الاستمرار في وظائف السلك على زوج العضو دون أبويه ، ذلك أنه قد أضحى غير منتج في الدعوى الدستورية الماثلة ، لخروج جنسية أبوي الزوج عن نطاق الدعوى ، فضلاً عن أنه لا تماثل بين المركز القانوني لعضو السلك الذي يتزوج بأجنبي من غير الدول العربية و نظيره الذي يتزوج بمن يحمل جنسية إحدى الدول العربية ،  ذلك أن المادة رقم (1) في فقرتها الثانية من الإعلان الدستوري المحتكم إليه نصت على أن " الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة " ، وهو ما التزمه عجز نص المادة (5) بند (2) من قانون السلك الدبلوماسي و القنصلي ، بإجازته تعيين عضو السلك إذا كان متزوجاً ممن ينتمي إلى جنسية إحدى الدول العربية وفق الضوابط المبينة به ، الأمر الذي جرى به أيضاً حكم الفقرة الأخيرة من نص المادة (79) من القانون المار ذكره في شأن إعفاء عضو السلك من الاستقالة الاعتبارية إذا تزوج ممن ينتمي إلى جنسية إحدى الدول العربية ، متى كان ما تقدم ، فإن النعي على النصين المطعون عليهما – محددان نطاقاً على النحو المبين آنفاً – بمخالفتهما مبدأ المساواة ، يكون منتحلاً .

 

و حيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الدساتير المصرية المتعاقبة أقامت من الدين و الأخلاق و الوطنية – بمثلها و فضائلها و مكارمها – إطاراً للأسرة ، يؤكد طابعها الأصيل ، ويعكس ملامحها ، فلا تنفصل – في تراثها و تقاليدها و مناحي سلوكها – عن دورها الاجتماعي ، و لا تتراجع عن القيم العليا للدين ، بل تنهل منها تأسيساً بها .   و التزامها بالخلق القويم ،  لا ينعزل عن وجدانها ، بل يمتد إلى أعماقها ، و يحيطها ليهيمن على طرائقها في الحياة ، و ليس التعبير عن الوطنية – في محتواها الحق – رنيناً مجرداً عن المضمون ، بل انتماء مطلقاً لآمال المواطنين ، و انحيازاً صارماً لطموحاتهم يقدم مصالحهم – في مجموعها – على ما سواها .  و الوطنية التي ينبغي أن تتحلى الأسرة بها ، تفقد مقوماتها ، إذا لم يوفر المشرع لأفرادها مناخاً ملائماً ، يعزز قوة الوطن و لا يضعفها أو ينحيها ، و وحدة الأسرة هي الضمان الأولى و المبدئي ، لإشرابهم غريزة القتال و النضال ، ليكون لأمتهم هيبتها و مكانتها ، فلا تنكص على عقبيها ، وجلاً  أو تفريطاً .

 

و حيث إنه متى كان ما تقدم ، و كان اشتراط عدم زواج عضو السلك الدبلوماسي و القنصلي بغير مصري الجنسية ، قد تغيا التأكيد على وطنية أسرة عضو السلك بصورة قطعية ، لا تداخلها مظنة و لا ريبة ، و الإيقان من هويتها المصرية الخالصة غير المشوبة ، و توفير مناخ العمل الملائم للعضو حال تمثيل بلاده في الدول المعتمد لديها ، و تمكينه من المحافظة على أسرار وظيفته ما وسعه الأمر ، مباعداً بذلك بينه و حرج ولاء زوجه لجنسيته غير المصرية ، كما و أن المشرع قد راعى فيما قرره بشان جنسية زوج عضو السلك الدبلوماسي و القنصلي ، أن يخص بالمزايا و الحصانات المقررة لأفراد أسرة عضو السلك المقيمين معه ، من يحملون الجنسية المصرية دون غيرهم ، كذلك استصحب المشرع بشرط جنسية زوج العضو مبدأ حمل عضو السلك الدبلوماسي و القنصلي لجنسية الدولة التي يمثلها – المنصوص عليه في المادة الثامنة من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية – إلى غايته ، باشتراطه تمتع زوج الدبلوماسي بالجنسية المصرية أيضاً ، تقديراً لكون الزوج المصري لعضو السلك أقدر من الزوج الأجنبي على الوفاء بواجبات تمليها أعراف دبلوماسية مستقرة يتصدرها حسن تمثيل الأسرة المصرية ، بقيمها الراسخة ، و تقاليدها الأصيلة ، و التعبير بصدق لدى الدولة المعتمد لديها العضو عن حضارة و ثقافة الشعب المصري بكافة فئاته و طوائفه .

 

و لا ينال مما تقدم ، ما ينعاه المدعي على النصين المطعون عليهما ، بمخالفتهما للاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ، و التي تم التصديق عليها بقوانين مصرية ، و التي تكفل حق اختيار الزوج ، و كذلك التشريعات المقارنة التي لا تقييم تمييزاً بين الدبلوماسي و غيره في مجال الحق في اختيار الزوج ، ذلك أن الاتفاقيات المشار إليها ، و إن صح القول بإنطوائها على عديد من القيم التي التزمتها الدول الديمقراطية و التي تظاهرها هذه المحكمة و ترسيها ، باعتبارها تراثاً إنسانياً ذات طابع حضاري ، يتعين التأكيد عليه و الإعلاء من شأنه لا سيما ما اتصل منها بالحقوق و الحريات الأساسية ، إلا أنه لا يعزب عن النظر أن هذه الاتفاقيات الدولية ، و إن تم التصديق عليها من السلطة المختصة ، تظل في مدارج التشريع نصوصاً قانونية ، لا تطاول المبادئ المنصوص عليها في الوثائق الدستورية ، و يغدو – من ثم – الإدعاء بعدم التزام النصين المطعون عليهما – حدود النصوص الواردة بتلك الاتفاقيات الدولية غير مجد لاستنهاض ولاية المحكمة الدستورية العليا لتبسط رقابتها القضائية عليها .  كما و أن المحاجة بمخالفة النصين المذكورين لنهج تشريعات مقارنة – وصولاً لوصمهما بعدم الدستورية – يضحى إقحاماً لتلك التشريعات في غير موضعه ، و استئناساً بها ، لا طائل منه .

 

متى كان ما تقدم كله ، فإن النصين المطعون عليهما – محددان نطاقاً على ما سلف بيانه – لايكونان قد خرجا على أوامر و نواهي المشرع الدستوري في شأن حق الزواج ، و اختيار الزوج ، و يكون النعي عليهما – في هذا الخصوص – خليقاً بالالتفات عنه .

 

و حيث إنه لما كانت المادة (5) من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس سنة 2011 تنص على أن "  يقوم الاقتصاد في جمهورية مصر العربية على تنمية النشاط الاقتصادي و العدالة الاجتماعية و كفالة الأشكال المختلفة للملكية و الحفاظ على حقوق العمال ".

 

و كان المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن يكون لكل وظيفة حقوقها و واجباتها ، فلا تقابل مزاياها بغير مسئولياتها ، و لا يكون وضعها و ترتيبها منفصلاً عن متطلباتها ، و مؤدى ما تقدم ، أن لكل وظيفة تبعاتها ، فلا يشغلها إلا من يستحقها ، على ضوء طبيعة الأعمال التي تدخل فيها ، و الغايات التي تصبو إلى تحقيقها .  و ان الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق ، أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخوماً لها ، لايجوز اقتحامها ، أو تخطيها ، و يتمثل جوهر هذه السلطة في المفاضلة بين البدائل المختلفة التي تتزاحم فيما بينها ، وفق تقديره على تنظيم محدد ، فلا يختار من بينها إلا ما يكون منها عنده أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها .

 

و حيث إنه متى كان ما تقدم ، و كان المشرع حال مباشرته سلطته التقديرية في تحديد شروط شغل وظيفة عضو السلك الدبلوماسي و القنصلي و الاستمرار فيها ، اتخذ من حمل زوج العضو الجنسية المصرية ، خياراً أنسب لتحقيق الأغراض التي يتطلع إليها من العمل الدبلوماسي و القنصلي ، و جاء خياره منتصفاً لتوازن دقيق بين مصلحة العضو في العمل وتقلد الوظائف العامة من ناحية ، و مصلحة الجماعة الوطنية في أمنها و التمسك بثوابت هويتها من ناحية أخرى ، و انحاز من خلال شرط جنسية زوج عضو السلك لبديل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة الخاصة للعمل الدبلوماسي و القنصلي ، وينعكس بالضرورة على الغايات المرجوة منه ، فلم يكن إقرار هذا الشرط إجراءً تحكمياً ، أو عملاً تسلطياً ، و إنما كان تقديراً لضرورة أوجبته .

 

متى كان ذلك و كان النص على اعتبار عضو السلك الدبلوماسي و القنصلي مستقيلاً إذا تزوج بغير مصري الجنسية  قد تقرر لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة ، صوناً للوظيفة الدبلوماسية ، و توكيداً لما ينبغي أن يتوافر من الثقة في القائمين عليها ، و تلك جميعها مصالح مشروعة يعتبر معها هذا التنظيم القانوني مرتبطاً بها و محققاً لها ، الأمر الذي يكون معه النعي على النصين المطعون عليهما بمصادرة الحق في العمل و تقلد الوظائف العامة ، لا أساس له ، متعيناً رفضه .

 

و حيث إن النصين المطعون عليهما – بالنطاق السالف تحديده – لا يخالف أي نص من نصوص الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس سنة 2011 .

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، و ألزمت المدعي المصروفات ،  و مبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

 

أمين السر                                                   رئيس المحكمة

 

( منشور في الجريدة الرسمية العدد 42 مكرر في 24 أكتوبر 2012 )

المصدر: الجريدة الرسمية
lawing

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية 0126128907

ساحة النقاش

أشرف سعد الدين عبده - [email protected]

lawing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,950,401

راسلنا على الاميل

نرحب بكل الزائرين للموقع ، و نتمنى لهم أن يجدوا ما ينفعهم و يحتاجون إليه ، و لمن أراد التواصل معنا أوالاستفسارأو تقديم الاقتراحات الخاصة بالموقع و محتوياته ، عفلى الرحب و السعة ، و ذلك على الاميل الخاص بالأستاذ / أشرف سعد الدين المحامي :
[email protected]