<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
الدفع بعدم دستورية المادة 29 من قانون إيجار الأماكن رقم 49 لسنة 1977 فيما تضمنته من امتداد عقد إيجار العين المؤجرة بقصد استخدامها مصيفاً
لما كان البعض يطالب بامتداد عين التداعي إليه ارتكاناً منه إلى أنها مؤجرة بقصد استخدامها مصيفاً ، و كان هذا الامتداد يجد سنده في نص الفقرة الأولى من المادة 29 سالفة الذكر ، وفقاً لما جرى به قضاء محكمة النقض ، و كان هذا الامتداد قد جاء مخالفاً لأحكام الدستور المعطل و الذي حل محله الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011 باعتباره الوثيقة الدستورية المعمول بها حالياً في البلاد عقب ثورة الخامس و العشرين من يناير 2011 ، فإنه يمكن التمسك بالدفع بعدم دستورية تلك الفقرة فيما تضمنته من الامتداد المذكور ، و ذلك للأسباب الآتية :
أسباب الدفع بعدم الدستورية
أولاً : الإخلال بالحماية التي كفلها الدستور المعطل و الإعلان الدستوري الحالي لحق الملكية دون ما ضرورة تستوجب ذلك :
تنص المادة 6 من الإعلان الدستوري سالف الذكر على أن : ( الملكية الخاصة مصونة ، و لا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون و بحكم قضائي ، و لا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة و مقابل تعويض وفقاً للقانون ).
و قد قضت المحكمة الدستورية بأن :
" صون الدستور للملكية الخاصة مؤداه أن المشرع لا يجوز أن يجردها من لوازمها ، وأن يفصل عنها بعض أجزائها ، و لا أن ينتقص من أصلها أو يغير من طبيعتها دون ما ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، و كان ضمان وظيفتها هذه يفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها المشرع عليها جوهر مقوماتها ، و لا أن يكون من شأنها حرمان أصحابها من تقرير صور الانتفاع بها ، و كان صون الملكية و إعاقتها لايجتمعان ، فإن هدمها أو تقويض أسسها من خلال قيود تنال منها ، ينحل عصفاً بها منافياً للحق فيها ".
( حكمهاالصادر في الدعوى رقم 149 لسنة 18 ق " دستورية " - جلسة 15 /11 /1997 )
كما قضت كذلك بأن :
" و حيث إن الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية تبرز - على الأخص - في مجال الانتفاع بالأعيان المؤجرة ، ذلك أن كثرة من القيود تتزاحم في نطاق مباشرة المالك لسلطته المتعلقة باستغلاله لملكه ، و هي قيود قصد بها في الأصل مواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى و غيرها من الأماكن لمقابلة الزيادة المطردة في الطلب عليها ، تلك الأزمة التي ترتد جذورها إلى الحربين العالميتين الأولى و الثانية و ما ترتب عليهما من ارتفاع أجرة الأماكن على اختلافها بعدانقطاع ورود المواد الأولية للبناء و نضوبها و ازدياد النازحين إلى المدن ، بالإضافة إلى الزيادة الطبيعية في سكانها ، و كان أن عمد المشرع إلى مواجهة هذه الأزمة بتشريعات استثنائية مؤقتة - لا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها - خرج فيها على القواعد العامة في عقد الإيجار مستهدفاً بها - على الأخص - الحد من حرية المؤجر في تقدير الأجرة و اعتبار العقد ممتداً بقوة القانون بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة ، غير أن ضراوة الأزمة وحدتها جعلت التشريعات الاستثنائية متصلة حلقاتها ، مترامية في زمن تطبيقها ، محتفظة بذاتيتها و استقلالها عن القانون المدني ، متعلقة أحكامها بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها و لضمان سريانها بأثر مباشر على الآثار التي رتبتها عقود الإيجار القائمة عندالعمل بها ولوكانت مبرمة قبلها ، و زايلتها بالتالي صفتها المؤقتة ، و آل الأمر إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها مكملاً بقواعد القانون المدني باعتباره القانون العام .
إذ كان ذلك ، و كانت الضرورة الموجبة لهذا التنظيم الخاص تقدر بقدرها ، و معها تدور القيود النابعة منها وجوداً و عدماً باعتبارها علة تقريرها ، و كان حق المستأجر في العين المؤجرة - حتى مع قيام هذا التنظيم الخاص - لازال حقاً شخصياً تؤول إليه بمقتضاه منفعة العين المؤجرة و ليس حقاً عينياً يرد على هذه العين في ذاتها ، تعين أن يكون البقاء في العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإجارة مرتبطاً بحاجة المستاجر إليها بوصفها مكاناً يأويه هو و أسرته أويباشر مهنته أو حرفته فيها ، فإذا انفكت ضرورة شغل العين عن مستأجرها زايلته الأحكام الاستثنائية التي بسطها المشرع عليه لحمايته ، و لم يعد له من بعد حق البقاء في العين المؤجرة و لا النزول عنها للغير بالمخالفة لإرادة مالكها ، و هو ما رددته هذه التشريعات ذاتها بإلقائها على المستاجر واجبات ثقيلة غايتها ضمان ان يكون شغله العين المؤجرة ناشئاً عن ضرورة حقيقية يقوم الدليل عليها ، لا أن يتخذها وسيلة إلى الانتهاز و الاستغلال ، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع على حق الملكية لضمان أدائها لوظيفتها الاجتماعية يتعين أن تظل مرتبطة بالأغراض التي تتوخاها دائرة في فلكها ، باعتبار ان ذلك وحده هو علة مشروعيتها ومناط استمرارها ، متى كان ذلك و كانت سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق لا تعني ترخصه في التحرر من القيود و الضوابط التي فرضها الدستوركحدود نهائية لهذا التنظيم لا يجوز تخطيها أو الدوران من حولها ، و كان كل نص تشريعي لا يقيم وزناً للتوازن في العلاقة الإيجارية عن طريق التضحية الكاملة بحقوق أحد طرفيها - و هو المؤجر- يعتبر مقتحماً الحدود المشروعة لحق الملكية و منطوياً على إهدار الحماية الدستورية المقررة لها ......... ".
( حكمها الصادر في الدعوى رقم 25 لسنة 11 ق " دستورية " - جلسة 27 /5 /1992 )
و قضت كذلك بأن :
" الأصل في النصوص القانونية التي اقتضتها الضرورة ان يكون إعمالها بقدر توافر موجباتها التي يعكسها - في نطاق النزاع الراهن - تصاعد أزمة الإسكان و غلوائها مما اقتضى تدخل المشرع بقيود استثنائية للحد منها ، و من ثم تكون هذه الضرورة مناطاً لسريان هذه القيود باعتبارها علة تقريرها ، فلا تدور إلا معها ، و ينبغي أن تظهر هذه الضرورة - في مجال تطبيقها على المساكن - في صورتها الضاغطة التي تسوغ تحميل المؤجر بتدابير من طبيعة استثنائية ، فلا يجوز أن ينتحلها المشرع أو يتوهمها ليمد مجال عملها إلى فروض لا تسعها ، و لا يمكن التسليم بها ، إلا بافتراض أن مصالح مستاجر العين تعلو دوماً - و وفقاً للدستور- حقوق مؤجرها و ترجحها ، فلا يتوازيا ، حال أن الأصل في عقود القانون الخاص ، ابتناؤها على علائق تتكافأ بشأنها مصالح أطرافها ، فلا يميل ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها ، إلا بقدر الضرورة التي يتعين أن تُخلي مكانها - عند فواتها - لحرية التعاقد ، وهي الأصل في العقود جميعها ، و لا يجوز بالتالي النظر إلى القوانين الاستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية بوصفها حلاً نهائياً و دائماً لمشكلاتها ، فلا يتحول المشرع عنها ، بل عليه أن يعيد النظر فيها ، ذلك ان القيود التي يفرضها المشرع عليها ، إنما تنال بصورة خطيرة من حق الملكية ، يكاد عصفها بمحتواها أن يعطل تماماً أحد عناصرها ممثلاً في استعمال الشئ محلها ".
( حكمها في الدعوى رقم 3 لسنة 18ق " دستورية " - جلسة 4 /1 /1997 )
و حيث إن المستفاد مما تقدم ، أن الأصل في الإجارة أن يعتبر الحق فيها منقضياً بوفاة مستأجر العين الأصلي أو تخليه عنها ، ليقوم بذلك حق مؤجرها في طلب إخلائها بعد انقطاع صلة المستأجر الأصلي بها ، و أن الأصل في النصوص القانونية الاستثنائية التي تقرر امتداد عقود الإيجار بقوة القانون ، أن مناط سريانها و مشروعيتها هو توافر حالة الضرورة باعتبارها علة لتقريرها ، فلا تدور تلك النصوص إلا مع الضرورة وجوداً وعدماً ، بحيث إذا انتفت الضرورة زال عن تلك النصوص سندها الدستوري و الشرعي ، و أن إعمال تلك النصوص إنما يكون بقدر توافر موجباتها التي يعكسها – في مجال الاسكان – تصاعد أزمة الاسكان و غلوائها ، و أن هذه الضرورة – في مجال تطبيقها على المساكن – ينبغي أن تظهر في صورتها الضاغطة التي تسوغ تحميل المؤجر بتدابير من طبيعة استثنائية ، و بالتالي فلا يجوز – مطلقاً – أن ينتحلها المشرع أو يتوهمها ليمد مجال عملها إلى فروض لا تسعها .
و حيث إن المشرع – بالنص المطعون عليه – آثر أن ينقل منفعة العين المؤجرة المتخذة مصيفاً إلى أقرباء المستاجر الأصلي نسباً – زوجاً و آباء و أبناء – بعد وفاته ، مستبدلاً هولاء بمستاجرها الأصلي ، لا بناء على تعاقد تم بين المؤجر و هؤلاء ، بل بقوة القانون ، حال أن التعاقد بشأن استئجار العين قد تم أصلاً ليكون المسكن محل هذا التعاقد مصيفاً ، و هذا الغرض من الاستئجار يتميز وفقاً لطبيعته و الهدف منه بأنه ترفيهي ، يتغيا منه المستأجر منح نفسه حقها من الاستجمام ، تنشيطاً لحيويته و طاقته ، و استعادة لقواه المادية و المعنوية ، فضلاً عن أن ذلك الاستئجار يتسم – وفقاً لطبيعته أيضاً – بالتأقيت من حيث مدة التعاقد ، باعتبار أن تغاير وتتابع المستأجرين للمكان يتيح للمؤجر الفرص الأفصل للعائد المالي من ذلك الإيجار ، و هو أمر مشروع له ، كما أن المستأجر – في هذا الايجار- لا ينتفع بالمكان طوال العام ، بل يقتصر على فترات محددة موسمية ، و من ناحية أخرى ، فإن هذا النوع من الإيجار يفترض في المستأجر الذي يلجأ إليه أنه ملئ و ذو سعة في الرزق ، و أن لديه مسكن آخر للإقامة الدائمة ، سواء أكان ملكاً أم إيجاراً – و لذا فليس كل الناس يلجأ لهذا النوع من الإيجار ، فالشخص العادي يبحث عمره عن سكن دائم يؤويه و أسرته ، فأنى له بالمسكن المصيف !!!
و على ذلك فإن استئجار المكان بدافع اتخاذه مصيفاً ليس من الأمور الحياتية الملحة و اللازمة للمواطن ، و لا يترتب على عدمها أضرار ملموسة به ، و لن يُمس في إيواء نفسه أو أسرته ، إذ لديه مكان آخر يؤويه ، و يترتب على ذلك لزوماً انتفاء أي ضرورة اجتماعية ملحة تبرر امتداد عقود إيجار تلك الأماكن المتخذة مصيفاً ، و هذا نظر لا ريب فيه ، فقد ربطت المحكمة الدستورية العليا الضرورة في هذا المقام – في حالة توافراها – وعلى ما ورد بحكمها المتقدم ، بأن يكون البقاء بالعين المؤجرة بغرض واحد من اثنين لا ثالث لهما ، بحيث اذا انتفى كلاهما لم يعد لبقاء المستأجر بالعين سنداً من الدستور أو الشرعية ، الأول : الحاجة إلى العين بوصفها مأوى للمستأجر و لأسرته ، الثاني : ليباشر فيها مهنته أو حرفته ، و هوما لا يتوافر في النص الطعين على النحو المتقدم ذكره ، ذلك النص الذي يسبغ حماية على مستأجر ليزيد من ترفه على حساب الحق و العدل .
يؤيد ذلك ، أنه في مجال إيجار الأماكن للسكن الدائم ، و التي قد يقال أن حالة الضرورة تبرر امتداد عقودها ، نظراً لأزمة الأسكان المتوالية ، فإن المحكمة الدستورية العليا قد تواترت أحكامها بعدم دستورية الكثير من النصوص الاستثنائية التي تقرر امتداد تلك العقود بقوة القانون ، رغم ان تلك المساكن تمثل السكن الوحيد لمستأجريها غالباً ، ارتكاناً منها إلى انتفاء حالة الضرورة بشأنها ، فما بالنا بإيجار اتخذ مصيفاً للترفيه ، وأنه بالنسبة لعقود إيجار الأماكن المفروشة والتي قرر المشرع امتدادها هي الأخرى بقوة القانون ، وهي على شاكلة المصيف ، فقد قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية هذا الامتداد لأنه لا يمثل هو الأخر ضرورة تجب مراعاتها .
الأمر الذي نخلص معه من كل ما تقدم ، إلى أن امتداد عقود إيجار الأماكن المتخذة مصيفاً لا تظاهره ضرورة حقيقية تسوغه و تكون علة لتقريره ومناطاً لمشروعيته ، بل هوامتداد اُقحم على تلك العلاقة الإيجارية في مباغته و مداهمة لم يكن في مكنة اطرافها توقعه ، و مؤدى ذلك أن النص المطعون فيه ينحل إلى عدوان على الملكية من خلال نقض بعض عناصرها ، و بذلك لا يندرج تحت تنظيمها ، بل يقوم على إهدار كامل للحق في استعمالها و استغلالها ، ملحقاً بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش ، ليعيش حياته محسوراً ، و عن ملكه مبتوراً ، ليضحي به المشرع من أجل مستأجرين متدثرين بعباءة القانون دون علة مفهومة أو معقولة ، مما يعد مدخلاً لإثراء مستاجر العين و إفقار مالكها ، حال أنه لا يجوز أن يحصل المستأجر من خلال الإجارة على حقوق لا يسوغها مركزه القانوني في مواجهة المؤجر، و إلا حض تقريرها على الانتهاز ، و كان قرين الاستغلال ، إذ ليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس – وهو المستأجر – غابناً ، و لا أن يكون تدخل المشرع شططاً قلباً لموازين الحق و العدل ، كما لا يجوز أن يتحول حق المستأجر في استعمال العين إلى نوع من السلطة الفعلية يسلطها المستأجر مباشرة على الشئ المؤجر ، مستخلصاً منه فوائده دون تدخل م المؤجر، إذ لوجاز ذلك لخرج هذا الحق من إطار الحقوق الشخصية و صار مشبهاً بالحقوق العينية ، وهومايناقض خصائص الإجارة ، و لأن الإجارة لاتقع على ملكية الشئ المؤجر، و بذلك يكون النص الطعين قد أنشأ حقوقاً مبتدأة منحها أقرباء المستأجر الأصلي الذين اختصهم دون مسوغ و اصطفاهم في غير ضرورة ، بتلك المعاملة التفضيلية التي تقدم المنفعة المجلوبة على مخاطر المفاسد و درء عواقبها ، حال أن دفع المضرة أولى اتقاء لسوءاتها و شرورها ، و لأن الأصل حين تتزاحم الأضرار على محل واحد ، أن يكون تحمل أخفها لازماً دفعاً لأفدحها ، مما يكون معه النص الطعين واقعاً في حمأة مخالفة الإعلان الدستوري .
و قد صرحت المحكمة الدستورية العليا بانتفاء حالة الضرورة عن امتداد عقود الإيجار ، حيث قضت بأن :
" و حيث إن الحماية التي فرضها الدستور للملكية الخاصة ، تمتد إلى كل أشكالها ، لتقيم توازناً دقيقاً بين الحقوق المتفرعة عنها والقيود التي يجوز فرضها عليها ، فلا ترهق هذه القيود تلك الحقوق لتنال من محتواها ، أو تقلص دائرتها ، لتغدو الملكية في واقعها شكلاً مجرداً من المضمون ، و إطاراً رمزياً لحقوق لا قيمة لها عملاً ، فلا تخلص لصاحبها ، و لا يعود عليه ما ما يرجوه منها إنصافاً ، بل تثقلها تلك القيود لتنوء بها ، مما يخرجها عن دورها كقاعدة للثروة القومية التي لا يجوز استنزافها من خلال فرض قيود عليها لا تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، و هو ما يعني أن الأموال بوجه عام ، ينبغي أن توفر لها من الحماية اسبابها التي تعينها على التنمية ، لتكون من روافدها ، فلا يتسلط أغيار عليها انتهازاً أو إضراراً بحقوق الآخرين ، متدثرين بعباءة القانون ، و من خلال طرق احتيالية ينحرفون بها عن مقاصده ، و أكثر ما يقع ذلك في مجال الأعيان المؤجرة ، التي تمتد عقودها بقوة القانون دون ما ضرورة و بذات الشروط ، مما يحيل الانتفاع بها إرثاً لغير من يملكونها ، يتعاقبون عليها ، جيلاً بعد جيل ، لتؤول حقوقهم في شأنها إلى نوع من الحقوق العينية التي تخول أصحابها سلطة مباشرة على شئ معين ، و هو ما يعدل انتزاع الأعيان المؤجرة من ذويها على وجه التأبيد ".
و أكدت انقضاء حق الإجارة بوفاة المستأجر دون امتداد ، حيث قضت بأن :
" و حيث إن الحق في الإجارة لصيق أصلاً بشخص المستأجر ، و كان ينبغي أن يعتبر هذا الحق منقضياً بوفاته ، و أن يتوافر بها حق مؤجر العين في طلب إخلائها بعد انقطاع صلة هذا المستأجر بها ... " . ( الحكم الصادر في الدعوى رقم 3 لسنة 18 قضائية " دستورية " – جلسة 4/1/1997 – منشور بالجريدة الرسمية العدد رقم 3 في 16/1/1997 ).
ثانياً : إهدار مبدأ حرية التعاقد الذي هو فرع من الحرية الشخصية :
تنص المادة 8 من الإعلان الدستوري سالف الذكر على أن : ( الحرية الشخصية حق طبيعي و هي مصونة لا تمس ........ ).
و قد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن :
" و حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن ، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار و سلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص ، فلا يكون بها كائناً يُحمل على ما لا يرضاه ، بل بشراً سوياً " ( الحكم الصادر في الدعوى رقم 56 لسنة 18 ق " دستورية " – جلسة 15/11/1977 – منشور في الجريدة الرسمية العدد رقم 48 في 27/11/1997 ).
كما قضت بأن :
" و حيث إن السلطة التشريعية ، و إن ساغ لها استثناء أن تتناول أنواعاً من العقود لتحيط بعض جوانبها بتنظيم أمر يكون مستنداً إلى مصلحة مشروعة ، إلا أن هذه السلطة ذاتها لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها الإرادة حركتها ، فلا يكون لسلطانها بعد هدمها من أثر ، ذلك أن الإرادة و إن لم يكن دورها كاملاً في تكوين العقود و تحديد الآثار التي ترتبها ، إلا أن الدائرة المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة في نطاقها ، لا يجوز اغتيالها بتمامها ، و إلا كان ذلك إنهاء لوجودها ، و محواً كاملاً للحرية الشخصية في واحد من أكثر مجالاتها تعبيراً عنها ، ممثلاً في إرادة الاختيار استقلالاً عن الآخرين ، بما يصون لهذه الحرية مقوماتها ، و يؤكد فعاليتها .
و حيث إن الأصل في الروابط الإيجارية ، إن الإرادة هي التي تنشئها ، فإذا جردها المشرع من كل دور في مجال تكوين هذه الروابط و تحديد آثارها ، كان تنظيمها أمراً منافياً لطبيعتها .... " ( الحكم الصادر في الدعوى رقم 71 لسنة 19 ق " دستورية " – جلسة 4/10/1997 – منشور في الجريدة الرسمية العدد رقم 42 في 16/10/1997 ).
و قضت بأن :
" و حيث إن استغلال الأعيان ممن يملكونها ، قد يكون غير مباشر من خلال عقود إجارة يختارون بها من يستأجرونها ، و كان حقهم في هذا الاختيار جزءاً لا يتجزأ من سلطة الاستغلال التي يباشرونها أصلاً عليها ، و كان من المقرر أن لحقوق الملكية – بكامل عناصرها – قيماً مالية يجوز التعامل فيها ، و كان الأصل أن يظل مؤجر العين متصلاً بها ، فلا يُعزل عنها من خلال سلطة مباشرة يمارسها آخرون عليها بناء على نص في القانون ، و كان النص المطعون فيه قد فرض التأجير المفروش بقوة القانون في إطار علائق إيجارية شخصية بطبيعتها ، مهدراً كل إرادة لمؤجرها في مجال القبول بهذا التأجير أو الاعتراض عليه ، ناقلاً بذلك – و بقاعدة آمرة – ثمار الأعيان المؤجرة إلى من لا يستحقونها بعد أن اختصهم بمقابل التأجير المفروش كاملاً فيما خلا الأجرة الإضافية التي يدفعونها ....... فلا تظهر الملكية بوصفها شيئاً مصوناً ، بل ركاماً و عبثاً عريضاً ، و ما الملكية إلا المزايا التي تنتجها ، فإذا أنقض المشرع عليها ، صار أمرها صريماً و مسها بذلك ضرر عظيم ".( الحكم الصادر في الدعوى رقم 149 لسنة 18 ق " دستورية " – جلسة 15/11/1997 – الحريدة الرسمية العدد رقم 48 في 27/11/1997 ).
كما قضت بأن :
" إيراد المشرع لقاعدة آمرة تنال من حرية المتعاقدين فيما كانت الملكية الخاصة أو أحد مقوماتها محلاً للتعاقد ، يصبح مرهوناً في مشروعيته الدستورية بما إذا كانت هناك ضرورة اجتماعية ملحة قامت لتبرير إيراد مثل هذه القاعدة الأمرة من عدمه ، فإن انتفت مثل هذه الضرورة ، غدت القاعدة الآمرة عدواناً على إرادة المتعاقدين أو أحدهم ، و من ثم عدواناً على حق الملكية – سواء ما تعلق بكامل حق الملكية أو بعنصر من مقوماتها – إن كان ما تضمنته سلباً لإرادة المالك في كل أو بعض ماتعاقد عليه " ( الحكم الصادر في الدعوى رقم 80 لسنة 23 ق " دستورية " – جلسة 13/4/2003 ).
و حيث إن النص المطعون فيه قد قرر امتداد عقود إيجار الأماكن المتخذة مصيفاً بقوة القانون ، رغم تحديد مدة الإجارة بعقدها ، و كان هذا النص ما تقرر إلا لاسقاط حق المؤجر في إخلاء العين المؤجرة عقب انتهاء مدتها الاتفاقية ، إذ فرض عليه امتداداً بقوة القانون في إطار علائق إيجارية شخصية بطبيعتها ، مهدراً كل إرادة للمؤجر في هذا الشأن ، في حين أن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها من خلال عقود إجارة إنما تعني حقهم في اختيار من يستأجرونها ، و تحديد مدة إيجارها ، ليكون العقد وحده – و باعتباره تصرفاً قانونياً و عملاً إرادياً – بديلاً عن التدخل التشريعي في تحديد مدته و امتداده ، إذ أن حريتهم في هذا الاختيار جزء لا يتجزأ من حق الاستغلال الذي يباشرونه أصلاً على أعيانهم ( حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 47 لسنة 21 ق " دستورية " – جلسة 4/4/2004 ) ، فضلاً عن ذلك ، فقد ثبت يقيناً انتفاء الضرورة المجيزة لذلك الامتداد على نحو ما سبق بيانه ، و يضحى النص الطعين بالتالي متضمناً عدواناً على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة في نطاقها ، و التي لا تستقيم الحرية الشخصية – في صحيح بنيانها – بفواتها ، فلا تكون الإجارة إلا إملاءً يناقض أسسها ، و يكون النص الطعين مخالفاً لأحكام الإعلان الدستوري من هذه الناحية أيضاً.
و قضت المحكمة الدستورية العليا وصفاً للأمر كله بخروجه عن حدود المنطق بأن :
" و حيث إن النص المطعون فيه ليس إلا حلقة في اتجاه عام تبناه المشرع أمداً طويلاً في إطار من مفاهيم جائرة لا يمكن تبريرها منطقياً و لو أجهد الباحثون أنفسهم لبيان وجه الحق فيها ، و كان ذلك بكل المقاييس ظلماً فادحاً للمؤجرين ما برح المستأجرون يرجحون عليهم مصالحهم ، متدثرين في ذلك بعباءة قوانين استثنائية جاوز واضعوها بها – في كثير من جوانبها – حدود الاعتدال ، فلا يكون مجتمعهم معها إلا متهاوياً عمداً ، متحيفاً حقوقاً ما كان يجوز الإضرار بها ، نائياً بالإجارة عن حدود متطلباتها ، و على الأخص ما تعلق منها بتعاون طرفيها اقتصادياً و اجتماعياً ، حتى لا يكون صراعهما – بعد الدخول في الإجارة – إطاراً لها " (الحكم الصادر في الدعوى رقم 149 لسنة 18 ق " دستورية " – جلسة 15/11/1997 – الحريدة الرسمية العدد رقم 48 في 27/11/1997 ).
لذلـــــــك
نلتمس من المحكمة الموقرة استعمال سلطتها المخولة لها بموجب نص الفقرة (أ) من المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العيا رقم 48 لسنة 1979 و إحالة النص المطعون عليه إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية ما تضمنه من امتداد عقد إيجار الأماكن بقصد اتخاذها مصيفاً ، أوالتصريح للمدعى عليه بإقامة الدعوى بعدم دستورية النص المذكور أمام المحكمة الدستورية العليا إعمالاً لحكم الفقرة (ب) من المادة 29 سالفة الذكر .
ساحة النقاش