تنص الفقرة الثانية من المادة 942 من القانون المدني على أن :
" و خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ هذا الإعلان ( إعلان طلب الشفعة ) ، يجب أن يودع خزانة المحكمة الكائن في دائرتها العقاركل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع .......... ".
وفقاً للمادة المذكورة فإنه يشترط للأخذ بالشفعة – كإجراء جوهري لا تجوز الشفعة بدونه – قيام الشفيع بإيداع الثمن الذي تم به البيع ، و لكن ما الثمن الذي يجب على الشفيع إيداعه ؟ إنه و وفقاً أيضاً لذات المادة كل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع ، و الأصل أن الثمن المذكورفي عقد البيع يفترض أنه هو الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع ، إلا إذا ثبت عكس ذلك .
و في هذا الإطار ، يستطيع الشفيع العلم بالثمن المذكورفي عقد البيع إما من الإنذارالرسمي الذي وجهه إليه البائع أو المشتري بوقوع البيع و الذي من مشتملاته ذكر الثمن الذي تم به البيع ، و إذا لم يصله هذا الإنذارفيمكنه البحث في سجلات الشهر العقاري حال كون هذا البيع قد سجل .
فإذا أودع الشفيع الثمن ، سواء المذكورفي الإنذار المرسل إليه من البائع أو المشتري ، أو المذكور في عقد البيع المسجل ، كان إجراء الإيداع سليماً لا مطعن عليه .
حكم الثمن الصوري أو المغالى فيه ؟
و يحدث كثيراً في العمل أن يكون الثمن المذكور في عقد البيع مبالغاً فيه مبالغة شديدة ، بقصد تعجيز الشفيع عن الأخذ بالشفعة أو لإلزامه بدفع مبلغ يزيد على الثمن الحقيقي فيربح المشتري من وراء ذلك ، فهل يستطيع الشفيع أن يقتصر على إيداع ما يعتقد انه الثمن الحقيقي ولو كان أقل من الثمن المذكورفي عقد البيع ؟
بالنظر إلى أن ما تطلبته المادة 942 في فقرتها الثانية هو إيداع الثمن الحقيقي ، فإنه إذا عرف الشفيع هذا الثمن ، و كان أقل من الثمن المذكور في عقد البيع ، فإنه لا يلتزم إلا بإيداع الثمن الحقيقي دون الثمن المذكور في العقد ، و يكون الإيداع صحيحاً في هذه الحالة ، و لكنه هو الذي يتحمل عبء إثبات أن ما أودعه خزانة المحكمة هو الثمن الحقيقي ، و ذلك امام المحكمة ، ويجوز للشفيع أن يثبت ذلك بجميع طرق الإثبات، فإذا ما أثبت أن المبلغ الذي اودعه لايقل عن الثمن الحقيقي ، سواء كان معادلاً له أو كان أكبر منه ، فإن الإيداع يكون صحيحاً ، حتى لو كان هذا المبلغ أقل من الثمن المذكور في العقد ، و له أن يسترد الفرق إذا أودع مبلغاً أكبر من الثمن الحقيقي ، أما إذا لم يستطع إثبات ذلك أو ثبت أن الثمن الحقيقي هو أقل من الثمن المذكور في عقد البيع و لكنه أكبر من المبلغ الذي أودعه ، فإنه لا يكون قد أودع كل الثمن الحقيقي ، فيكون الإيداع غير صحيح ( في كل ما تقدم الوسيط للسنهوري - بالمجلد الأول من الجزء التاسع – ص 867 و ما بعدها ).
فقد قضت محكمة النقض بأن :
" الثمن الذي توجب المادة 942 من القانون المدني على الشفيع إيداعه حتى لا يسقط حقه في الأخذ بالشفعة هو الثمن الذي حصل الاتفاق عليه بين البائع و المشتري و انعقد به البيع ، و لا يكون هذا الثمن هو الثمن المسمى في العقد إذ يحتمل أن يكون هذا الثمن غير حقيقي بقصد تعجيز الشفيع عن الأخذ بالشفعة ، و للشفيع أن يطعن في هذا الثمن بالصورية و بأنه يزيد على الثمن الحقيقي ، وعندئذ يقع عليه عبء إثبات هذه الصورية و له أن يثبتها بطرق الإثبات القانونية كافة ، بحيث إن عجز عن إثباتها اعتبرأنه قد تخلف عن الإيداع المفروض عليه قانوناً إن كان المبلغ الذي أودعه يقل عن الثمن المسمى في العقد " ( الطعن رقم 27 لسنة 29 ق – جلسة 5/12/1963 مشارإليه بمؤلف المستشار/ عبد المنعم دسوقي – قضاء النقض في الموادا المدنية – المجلد الثاني – ص 2114).
وقضت كذلك بأنه :
" يجوز للشفيع أن يثبت بجميع الطرق ، بما فيها القرائن ، أن الثمن الوارد في عقد البيع ليس هو الثمن الحقيقي للعين المشفوع فيها ، بل هو ثمن صوري تواطأ عليه البائع و المشتري بقصد تعجيزه عن الأخذ بالشفعة ، و لكن إذا توافر لدى القاضي الدليل على صحة الثمن المسمى في العقد كان له رفض طلب الأحالة على التحقيق ، كما إذا قامت لدى المحكمة قرينة من تاريخ العقد سبب الشفعة بأثمان تزيد على الثمن المسمى في هذا العقد " (الطعن رقم 160 لسنة 21 ق – جلسة 28/5/1953 - المرجع السابق ص 2112 ).
كما قضت بأن :
" المادة 942 /2 من القانون المدني تنص على أن .......... ، و لما كان هذا النص صريحاً في أن ما يجب إيداعه هو كل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع ، فإن اشتراط إيداع الثمن المسمى في العقد و لو كان صورياً يعد قيداً لا يحتمله النص " ( الطعن رقم 481 لسنة 47 ق – جلسة 1/4/1931-السنة 31 رقم 196 صفحة 1006 – المرجع السابق ص 2114 ).
كما قضت بأن :
" إذا كان طالب الشفعة لم يودع كل الثمن طبقاً لما توجبه المادة 942 من القانون المدني بعد أن علم به علماً يقينياً من عقد البيع الذي قدمته المشترية ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بسقوط حقه في الأخذ بالشفعة لعدم إيداعه كل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع ، و ذلك بالتطبيق لنص الفقرة الثانية من المادة 942 من القانون المدني يكون قدطبق القانون تطبيقاً صحيحاً ، لأنه إذا صح لطالب الشفعة أن يحتج بعدم تحققه من الثمن الذي تم به البيع عند الإيداع و رفع دعوى الشفعة ، فإنه لا يكون لهذا الاحتجاج وجه بعد تقديم عقد البيع من المشترية الثابت به الثمن الذي حصل به البيع ، كما لا يعفى طالب الشفعة من إيداع هذا الثمن كونه طعن عليه بالصورية لأنه في هذه الحالة يكون مجازفاً فيتحمل خطرهذه المجازفة إذا أخفق في إثبات هذه الصورية " ( الطعن رقم 259 لسنة 35 ق – جلسة 1/5/1969 - قضاء النقض في المواد المدنية – مرجع سابق ص 2105 ).
حسن نية الشفيع و صورية الثمن :
بل إن محكمة النقض تذهب إلى أن الشفيع يعتبر من الغيرفي عقد البيع المشفوع فيه ، فإذا ثبت صورية هذا العقد و لو في جزء منه كالثمن ، فللشفيع إن كان حسن النية أن يأخذ بالعقد الظاهر، و على ذلك لا يلتزم إلا بدفع الثمن المذكور في العقد إذا كان هذا الثمن صورياً ولو كان أقل من الثمن الحقيقي ، فقد قضت بأن :
" متى كان الثمن المسمى بعقد البيع المشفوع فيه صورياً و أقل من الثمن الحقيقي ، فإن للشفيع باعتباره من الغير في هذا العقد ، إذا كان حسن النية ، أن يأخذ بالعقد الظاهر، و لا يلزم إلا بدفع الثمن الوارد فيه ، و إن بحث حسن النية لدى الشفيع و علمه بصورية الثمن المسمى بعقد البيع المشفوع فيه هو من مسائل الواقع التي لمحكمة الموضوع الحق في تقديرها ، و لا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كان استخلاصها سائغاً " ( الطعن رقم 1006 لسنة 50 ق – جلسة 9/5/1984 - بالمرجع السابق ص 2121 ).
و لكن ما الحكم إذا ما لم يتم توجيه الإنذار المذكورسلفاً للشفيع أو لم يتم تسجيل عقد البيع ، فمن أين يعلم الشفيع بالثمن ؟ و إن لم يعلم فماذا يفعل للحفاظ على حقه في الشفعة ؟
في هذه الحالة يجوز للشفيع أن يودع الثمن الذي يعتقد هو أنه المقابل الذي تم به البيع ، على أن يلتزم بسداد باقي الثمن إن تبين أمام المحكمة ان الثمن الحقيقي أكثر مما أودعه ، فالشفيع هنا معذور بسبب التجهيل الذي تسبب فيه البائع و المشتري ، فقد قضت محكمة النقض بأن :
" الشفيع في حالة عدم إنذاره بالبيع ليس له من سبيل إلى معرفة الثمن الحقيقي الذي تم به البيع ، فيجوز له إيداع الثمن الذي يعتقد أنه مقابل البيع على أن يكمله عندما يتحقق من الثمن الحقيقي فيصح الإيداع " ( الطعون أرقام : 275 ، 276 لسنة 50 ق – جلسة 29/12/1983 ، 2492 لسنة 57 ق – جلسة 28/11/1990 - مشار إليها بالمرجع السابق ص 2112 ).
أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية
ساحة النقاش