أشرف سعد الدين عبده - المحامي بالإسكندرية - مصر

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

لا ريب أننا جميعاً قد أصابنا الهم و الحزن و الأسى من جراء الجريمة الشنعاء التي أقدم عليها جنود الكيان الاسرائيلي بقتل جنود مصريين أبرياء على الحدود المصرية الاسرائيلية ،  و لا جرم أن هؤلاء الشرذمة حقيق بهم أن يلاحقوا قانوناً ،  حتى يتم القصاص منهم ، و الثأر لشهدائنا و مصابينا الأبرار، و بمناسبة الحديث عن محاكمة القتلة ، و ما ثار من تساؤلات عن مدى إمكانية تطبيق القانون المصري عليهم ، فقد رأيت أن أقدم هذا الرأي القانون عسى أن يكون فيه السند القانوني المجيز لمحاكمة هؤلاء القتلة أمام القضاء المصري و وفقاً للقانون المصري ، و ذلك على النحو التالي :

 

 

يرتبط الموضوع الراهن بتبيان نطاق تطبيق القاعدة الجنائية من حيث المكان ، و ذلك ما نوجزه على النحو التالي :

 

القاعدة الجنائية من حيث المكان :

تزايدت أهمية الحديث في الوقت الحاضرعن نطاق تطبيق القواعد الجنائية من حيث المكان ، بالنظرإلى تطورسبل المواصلات و الاتصالات فيما بين الدول ، و ظهور أنماط من الإجرام الدولى و الجرائم المنظمة التي لا تعرف و لا تعترف بحدود دولية تنحصرداخلها ، فبعد أن كانت هذه الحدود عقبة في سبيل النشاط الإجرامي ، صارت في الوقت الحاضر ميزة للعصابات الإجرامية ، ترتكب الجريمة داخلها ثم يحتمي مرتكبوها بوجودهم خارجها ، فثارت بذلك مجموعة من المشكلات الجنائية ذات الطابع الدولي استوجبت من الدول ، منفردة أو مجتمعة ، بذل الجهود من أجل حلها و التصدي لها .( د/ عبد العظيم مرسي وزير- شرح قانون العقوبات – القسم الأول – الجزء الأول – النظرية العامة للجريمة – الطبعة الرابعة 2006 – ص 72 ) ،  و كان من نتاج ذلك،البحث في القانون الداخلي عن نطاق تطبيقه من حيث المكان ، تحديداً لمسئولية الجنائية عن الفعل الإجرامي المرتكب في حق الدولة و مواطنيها .

 

سلطان القاعدة الجنائية من حيث المكان :

يقصد بتحديد سلطان القاعدة الجنائية من حيث المكان ، تحديد النطاق الكوني الذي تنطبق القاعدة الجنائية على الأفعال الواقعة فيه ،  ذلك أنه لا يكفي لتجريم الفعل أن يكون هناك نص يجرمه و إنما يلزم فوق أن يقع الفعل في النطاق الزماني الذي تكون فيه القاعدة الجنائية نافذة أن يكون الفعل قد وقع في مكان يدخل تحت سلطان النص و إلا فلا يمكن اعتباره جريمة .( د/ محمد زكي أبو عامر- قانون العقوبات – القسم العام – ص 87 ).

 

و الواقع أن مشكلة تحديد سلطان القاعدة الجنائية من حيث المكان تتحكم فيها أربعة مبادئ رئيسية تختلف التشريعات في المدى الذي تتأثر فيه بها ، و هذه المبادئ هي :

 

اقليمية القاعدة الجنائية : أي انطباقها على كافة الجرائم التي ترتكب في الإقليم الخاضع لسيادة الدولة أياً كانت جنسية مرتكبها .

 

شخصية القاعدة الجنائية :  أي انطباقها على كافة من يحملون جنسية الدولة أياً كان الاقليم الذي ارتكبت فيه الجريمة .

 

عينية القاعدة الجنائية :  أي انطباق القاعدة على كافة الجرائم التي تمس مصالحها الأساسية أياً كان مكان ارتكابها و جنسية مرتكبها .

 

عالمية القاعدة الجنائية :  أي انطباقها على كافة الجرائم التي يقبض على مرتكبها في اقليم الدولة بصرف النظرعن جنسية و عن مكان ارتكاب الجريمة ،  و قد أخذ المشرع المصري أساساً بمبدأ اقليمية القاعدة الجنائية و استثناء أخذ بمبدأي شخصية القاعدة الجنائية و عينيتها كذلك ،  و هي جملة المعايير التي اعتنقتها معظم التشريعات الجنائية للدول المختلفة ( د/ محمد زكي أبوعامر- مرجع سابق – ص 87 ).

 

مفهوم مبدأ اقليمية القاعدة الجنائية ( كتحديد للمجال المكاني للجريمة ) :

اعتنق المشرع المصري مبدأ اقليمية القاعدة الجنائية كقاعدة عامة ،  فقد نصت المادة الأولى من قانون العقوبات على أنه :

"  تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطرالمصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه " .

 

 

كما نصت المادة الثانية في فقرتها الأولى من ذات القانون على أن :

"  كل من ارتكب في خارج القطر فعلاً يجعله فاعلاً أو شريكاً في جريمة وقعت كلها أو بعضها في القطر المصري  ".

 

و يلاحظ من النص الأول أن الجاني يرتكب  و هو في مصر لجريمة تقع كاملة على أرضها ، أما النص الثاني فالجاني يسهم وهو خارج مصرفي جريمة يقع كلها أو جزء منها على أرض مصر،  و الجامع بين النصين أن الجريمة فيهما تقع – و لو في جزء منها – على أرض مصر.

 

و مؤدى مبدأ الإقليمية انطباق قانون العقوبات المصري على كافة الجرائم التي ترتكب على اقليم دولة مصر، بصرف النظرعن جنسية مرتكب الجريمة أو المجني عليه فيها و عن مكان وجودهما وقت ارتكاب الجريمة ، و عن تهديد الجريمة لمصالح الدولة الأساسية ،  سواء كانت  طبيعة المصلحة محل الاعتداء  مصلحة وطنية أو مصلحة لدولة أجنبية ، أو انعدام هذا التهديد ، إذ يكفي لانطباق القانون الجنائي المصري أن تكون الجريمة قد وقعت في مصر، كلها أو بعضها ( د/ محمد زكي أبوعامر- مرجع سابق – ص 88 ،  د/ عبد العظيم وزير- مرجع سابق – ص 77 ).

 

مبررات تبني مبدأ إقليمية القاعدة الجنائية :

 

أولاً :  الاعتبار الدولى :     أن قانون العقوبات هو التعبيرعن سيادة الدولة على إقليمها ،  فبالنظر إلى أن سيادة الدولة تتحدد بحدود إقليمها ،  و كانت كل دولة ذات سيادة ،  فإنه لا يقبل أن يطبق قانون عقوبات دولة ما على إقليم دولة أخرى ،  بل إن كل دولة تطبق قانونها على إقليمها الخاضع لسيادتها .

 

ثانياً :  الاعتبار العقابي :   ان محاكمة الجاني في المكان الذي شهد الجريمة و وقع فيه الضرر العام بانتهاك القاعدة الجنائية يحقق اعتبارات الردع العام الذي يعد هدفاً أساسياً للعقوبة .

 

ثالثا :  الاعتبار الإجرائي :   ان تطبيق هذا المبدأ أدنى إلى تحقيق حسن سرالعدالة ،  ذلك أن البحث عن أدلة الجريمة و التحقيق فيها في مكان ارتكابها يسهل الكشف عنها و تقليب أوجه الرأي فيها بعكس ما لو جرى ذلك في مكان آخر.  ( د/ محمد زكي أبوعامر- مرجع سابق – ص 88 ،  د/ عبد العظيم وزير- مرجع سابق – ص 77 ).

 

و قد قضت محكمة النقض بأن :

 

"  التشريع الجنائي المصري هو الذي يطبق دون غيره على من يرتكب في إقليم الدولة فعلاً يعد جريمة حسب نصوص هذا التشريع أياً كانت جنسية مرتكب الفعل ،   وهو أمر تقتضيه سيادة الدولة على إقليمها و هو الوسيلة لتأمين الحقوق الجديرة بالحماية الجنائية ،    و يعتبر ضمن إقليم الدولة التي تحدها حدودها السياسية بما فيها من أنهارو بحيرات و قنوات و موانئ ، فضلاً عن المياه الإقليمية ، و لا يستثنى من هذا الأصل إلا ما تقتضيه قواعد القانون الدولى من إعفاء رؤساء الدول الأجنبية و ممثليها الدبلوماسيين و الأفراد العسكريين الأجانب من الخضوع للقضاء الإقليمي  ".

( نقض في 4/6/1986 – أحكام النقض س 37 ق 120 ص 630- مشار إليه في مؤلف الدكتور/ حسن صادق المرصفاوي – قانون العقوبات تشريعاً و قضاء في مائة عام – الطبعة الثانية 1994 – ص 35 ).

 

مفهوم إقليم الدولة :

يستلزم تطبيق مبدأ إقليمية القاعدة الجنائية التعرف على مفهوم إقليم الدولة ، و الملاحظ أن المشرع المصري لم يورد تحديداً لإقليم الدولة ، الأمر الذي يتعين معه الرجوع إلى أحكام القانون الدولى العام من أجل هذا التحديد .

 

و وفقاً لهذا القانون الأخير ، يشمل إقليم الدولة أجزاء ثلاثة ، هي :

 

الإقليم الأرضي للدولة :  هو مساحة اليابس التي تحدها الحدود السياسية للدولة ،  و يشمل الإقليم الأرضي ما تحت هذه المساحة من طبقات الأرض .

الإقليم المائي للدولة :  و يضم مساحة الماء التي تقع داخل حدود الدولة و بحرها الأقليمي ،  و تشمل مساحات الماء الداخلي : الأنهار الوطنية و الأجزاء التابعة للدولة من الأنهار الدولية و البحيرات و البحار المغلقة و القنوات و المضايق و الخلجان و الموانئ البحرية ، أما البحرالإقليمي فهو الجزء من البحر العام الملاصق لشواطئ الدولة ، و المحدد باثنى عشر ميلاً بحرياً من الشاطئ .

 

الإقليم الجوي :    فيشمل كل الطبقات الهوائية التي تعلو الإقليم الأرضي و المائي إلى ما لا نهاية في الارتفاع ،   أما طبقات الجو العليا و الأجرام السماوية ،  فهي تخرج عن سيادة كل دولة بموجب الاتفاقية الخاصة بتنظيم استغلال و استعمال الدولة للطبقات العليا في الجو   و التي وافقت عليها الجمعية العمومية  للأمم المتحدة على مشروعها في 19/12/1966 ( في مفهوم إقليم الدولة  :  د/ عبد العظيم وزير – مرجع سابق – ص 78 و ما بعدها ) .

 

مفهوم مكان وقوع الجريمة  وفقاً لمبدأ إقليمية القاعدة الجنائية :

ترجع أهمية تحديد هذا المفهوم إلى أن هذا التحديد هو أمر جوهري لمعرفة ما إذا كانت الجريمة قد ارتكبت في القطر المصري فتخضع لأحكام قانونه ،    أم أنها على العكس قد ارتكبت خارجه فلا ينطبق هذا القانون عليها .

 

        و الخلاصة في هذا الشأن ،  أن المتفق عليه أن مكان وقوع الجريمة يتحدد بالمكان الذي يقع فيه ركنها المادي ، و يتألف الركن المادي للجريمة من عناصر ثلاثة : هي السلوك و النتيجة و علاقة السببية بينهما ،  و على ذلك تكون الجريمة قد ارتكبت في القطر المصري إذا تحقق ركنها المادي بأكمله في الإقليم المصري بالمعنى الواسع ، كما لو أطلق شخص رصاصة في صدرآخر عمداً فمات في ذات الإقليم ،  كذلك فإن الفقه الراجح مستقر على أن الجريمة تكون قد وقعت في الإقليم المصري إذا تحقق عليه أي جزء من أجزاء الركن المادي المكون للجريمة و لو تحققت بقية أجزائه في إقليم أو أقاليم دول أخرى ، إذ تعد الجريمة قد ارتكبت على هذه الأقاليم جميعاً ،  أي أن هناك مساواة بين السلوك و النتيجة في هذا الشأن نظراً لأنهما يتساويان من حيث الخطورة على نظام و أمن الدولة ، فوقوع أيهما في الدولة يجعل لها ولاية أصلية على معاقبة الفاعل ،  كما لو أطلق شخص من داخل حدود الإقليم المصري الرصاص على آخر يقف في الحدود الإقليمية لدولة مجاورة فيموت على أرضها .

 

و الفقه في مصر مستقرعلى أن الجريمة تكون قد ارتكبت على أرضها إذا كان الإقليم المصري هو المكان الذي وقع فيه النشاط الإجرامي للفاعل أو هو المكان الذي تحققت فيه النتيجة الإجرامية أو كان الإقليم المصري هو المكان الذي تحققت فهي الآثار المباشرة للفعل التي تتكون منها الحلقات السببية التي تصل ما بين الفعل و النتيجة ،  فإذا أرسل شخص و هو في إقليم معين إلى آخر يقيم في إقليم ثان صندوقاً به مواد متفجرة ، انفجرت فيه حين فتحه و أصيب بجراح ، ثم سافر إلى إقليم ثالث للعلاج حيث مات فيه ، فإن الجريمة تعتبرمرتكبة في كل إقليم من الأقاليم الثلاثة .

 

و يلاحظ أن مكان وقوع الأعمال التحضيرية التي تسبق تنفيذ الجريمة لا يعد مكاناً لوقوع الجريمة ، فإذا أعد الجاني زجاجة السم في إقليم ، ثم قدم السم للمجني عليه في إقليم آخر، فإن جريمة القتل بالسم لا تعتبر مرتكبة في الإقليم الأول ، لأن كل ما جرى فوقه لم يتخط الأعمال التحضيرية ،  كذلك لا يعد مكاناً للجريمة ، مكان الأفعال التي تلي وقوع الجريمة ، مثل فعل إخفاء أدلة الجريمة ، فمكان الجريمة يتحدد وقت تمامها لا في وقت لاحق على ذلك . ( في ذلك كله :  د/ محمد زكي أبوعامر- مرجع سابق – ص90 و ما بعدها  ،  د/ عبد العظيم وزير- مرجع سابق – ص 85 و ما بعدها  ).

 

تطبيق ما سبق على واقعة اعتداء اسرائيل على الجنود المصريين :

 

لما كان ما تقدم جميعه ، و كان الثابت قيام وحدة عسكرية تابعة للكيان الاسرائيلي بالتوغل في الأراضي المصرية عند النقطة 79 من الحدود المصرية الاسرائيلية و اطلاهم النار على الجنود المصريين ، و ذلك حسبما أكده تقرير قوات حفظ السلام الدولية بسيناء ، فضلاً عن تصريحات المسئولين بالكيان الاسرائيلي أنفسهم و الذين اضطروا تحت وطأة ثبوت خطأهم إلى تقديم الأسى و الحزن  للشعب المصري و قيادته ، و كذا شهادة الجنود المصريين الذين تواجدوا لحظة وقوع الحادث ،  و كان مؤدى ذلك وقوع الجريمة على الأراضي المصرية و على مجني عليهم مصريين ، الأمر الذي يرتب ولا مراء اختصاص القضاء المصري بنظر تلك الجريمة ، و تطبيق قانون العقوبات المصري على الجناة و لو كانوا من جنسية دولة أخرى ، و لا يختلف الحال و لو كان الجناة قد ارتكبوا جريمتهم من داخل حدود الكيان الاسرائيلي ، إذ الاختصاص المصري يكفي فيه وقوع الركن المادي أو أي جزؤ من أجزائه داخل الأراضي المصرية ، و الثابت أن نتيجة السلوك الإجرامي قد تحققت كاملة في مصر .

 

و يبقى الأمر معلقاً على معرفة الجنود الاسرائيلين الذين ارتكبوا الجريمة ، لأن العقوبة شخصية ، فإذا تم تحديدهم أمكن محاكمتهم في مصر و لو لم يحضروا ، و بعد الحكم بإدانتهم يمكن احضارهم  والقبض عليهم عن طريق الانتربول الدولي ، بموجب الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن .

 

اشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية

0126128907

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: أشرف سعد الدين
lawing

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية 0126128907

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 317 مشاهدة

ساحة النقاش

أشرف سعد الدين عبده - [email protected]

lawing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,957,540

راسلنا على الاميل

نرحب بكل الزائرين للموقع ، و نتمنى لهم أن يجدوا ما ينفعهم و يحتاجون إليه ، و لمن أراد التواصل معنا أوالاستفسارأو تقديم الاقتراحات الخاصة بالموقع و محتوياته ، عفلى الرحب و السعة ، و ذلك على الاميل الخاص بالأستاذ / أشرف سعد الدين المحامي :
[email protected]