<!--<!--<!--
قد يحدث في بعض القضايا أن يتعدد المتهمون فيها ، و قد يعترف بعض المتهمين بارتكاب البعض الآخر من المتهمين للجريمة أو المساهمة في ارتكابها بأي وجه من الوجوه ، و هذا أمر وارد في قضية قتل المتظاهرين في ثورة الخامس و العشرين من يناير 2011 و المتهم فيها الرئيس المخلوع و نجليه و وزير الداخلية الأسبق و بعض مساعديه ، و المتداولة حاليا ً ، فهل يصح الأخذ بذلك الاعتراف من جانب محكمة الموضوع ؟
بمتابعة أحكام محكمة النقض يتبين أنها مستقرة على أن مثل هذا الاعتراف جائز قبوله من حيث الأصل في المحاكمات الجنائية ، و أن ملاك الأمرفي هذا الشأن متروك لمحكمة الموضوع بما وسد إليها من سلطة تقديرية في شأن الأدلة ، استناداً إلى أن هذا الاعتراف يعد بمثابة شهادة ، و الشهادة متروك تقديرها لوجدان المحكمة و مدى اطمأنانها إليها ، فضلا عن الأصل الأصيل المقرر من أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ، فحيثما اقتنعت به و اطمأنت إليه فلها أن تعول عليه و ترتكن إليه في قضائها ، أما إذا لم يجد هذا الاعتراف صدى لديها و لم تجد للإطمئنان إليه سبيلا ، فلا مناص حينئذ من أن تول وجهها شطر غيره من الأدلة ، دون معقب عليها في ذلك .
فقد قضت محكمة النقض بأن :
" لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه و على غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صحتها و مطابقتها للحقيقة و الواقع و لو لم تكن معززة بدليل آخر ".
( هيئة عامة – في 24/2/1988 – أحكام النقض س 35 ق 1 ص 1 )
و قضت بأن :
" قول متهم على آخر هو في حقيقة الأمر شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها في الإدانة ".
( نقض في 12/11/1987 س 38 ق175 ص96 )
و قضت أيضاً بأن :
" محكمة الموضوع ليست ملزمة في أخذها بأقوال المتهم أن تلتزم نصها و ظاهرها ، بل لها أن تأخذ منها بما تراه مطابقاً للحقيقة ".
( نقض في 5/2/1973 – أحكام النقض س 24 ق 30 ص 130 )
و قضت كذلك بأن :
" لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم على متهم آخر ولو كانت واردة في محضر الشرطة متى اطمأنت إلى صدقها و مطابقتها للواقع ولو عدل عنها في مراحل التحقيق الأخرى ".
( نقض في 19/2/1984 س 35 ق 33 ص 163 )
و قضت بأن :
" إن ما اشتهر من أن اعتراف متهم على متهم آخر لا يصح بذاته أن يكون دليلاً على هذا الآخر ليس قاعدة قانونية واجبة الاتباع على اطلاقها ، لأن حجية هذا الاعتراف مسألة تقديرية بحتة متروكة لرأي قاضي الموضوع وحده ، فله أن يأخذ باعتراف متهم على آخر إذا اعتقد صدقه أو أن يستبعده إذا لم يثق بصحته ".
( نقض في 23/11/1931 مجموعة القواعدالقانونية ج 2 ق 295 ص 362 )
وقد ذهب البعض إلى القول بأنه:
" لا يختلط الاعتراف بزعم المتهم وجود مساهم آخر معه في الجريمة ، فقد شاع في العمل الكلام في هذه الحالة على اعتراف من متهم على متهم ، في حين أن لفظ الاعتراف لا يكون لاستخدامه وجه إلا في حالة الإقرار بأمر على النفس ، لا على الغير.
و الواقع أن نسبة المتهم للجريمة إلى آخر معه ، تسمى بالاستدراج إلى تهمة الاسهام في الجريمة .
و هذا الاستدراج لا يلزم فيه أن يصدر عن صدق ، فكثيراً ما يكون مغرضاً و لا نصيب له من الحقيقة ، و لذلك فإن أقصى قيمة يمكن أن تكون له هي قيمة القرينة أو الدليل ( بضم الدال ) أي قيمة أثر منطبع في نفس يمكن أن يكشف عن وجود صلة بين المستدرج إلى الاتهام و بين الجريمة ، دون حسم بقيام هذه الصلة بينهما " . ( د/ رمسيس بهنام – المحاكمة و الطعن في الأحكام – طبعة 1993 – ص 77 )
و هذا الرأي لا يناقض – في جوهره – مضمون أحكام محكمة النقض المار ذكرها ، و إن اختلف في مسمى ما يصدر من بعض المتهمين ضد بعض ، و سواء اطلق عليه اعتراف أو غير ذلك ، فالمتفق عليه أنه خاضع لتقديرالمحكمة حسبما تستخلصه من عيون الأوراق ، و يطمئن إليه وجدانها من الأدلة و الوقائع .
و على ذلك فإنه إذا حدث و اعترف بعض المتهمين في قضية قتل المتظاهرين على بعض المتهمين الآخرين بارتكابهم الجريمة أوالمساهمة فيها ، فإن الأمرفي شأن الأخذ بذلك الاعتراف من عدمه يدخل في صميم سلطة المحكمة التي تنظر الدعوى حسبما تقتنع به .
أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية
0126128907
ساحة النقاش