على هامش تيران وصنافير
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
في الحادي والعشرين من يونيو 2016م، نشرت بوابة الوفد الالكترونية خبراً تحت عنوان «التحقيق مع مفيد شهاب بسبب تبعية تيران وصنافير للسعودية». وتحت هذا العنوان، يذكر الخبر أن النائب العام أمر بفتح تحقيق عاجل مع الدكتور مفيد شهاب بتهمة نشر وترويج أخبار وشائعات كاذبة تمثلت في تصريحاته بأن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين تابعتان للسعودية والتي تتناقض مع إشرافه على رسالة دكتوراه تؤكد مصرية جزيرة تيران في وقت سابق. ويضيف الخبر أن النائب العام كلف المحامي العام الأول لنيابة جنوب القاهرة للتحقيق في الاتهام الموجه إلى مفيد شهاب في البلاغ رقم 6769 لسنة 2016 عرائض النائب العام. وبحسب مقدم البلاغ، فإن مفيد شهاب سيواجه باتهام ترويج ونشر أخبار وشائعات كاذبة وفقاً لنص المادة 102 مكرر من قانون العقوبات بشأن تصريحاته بأن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتان والتي تتناقض مع إشرافه على رسالة دكتوراه للباحث فكري أحمد سنجر تؤكد أن تيران جزيرة مصرية وأن الممر الوحيد الصالح للملاحة هو ممر الانتربرايس بين جزيرة تيران وساحل سيناء المصري وهو أقل من ثلاثة أميال بحرية وأن مياه المضيق تقع ضمن المياه التاريخية الداخلية للإقليم المصري.
وعلى إثر نشر هذا الخبر، أشار البعض إلى موقف الدكتور مفيد شهاب من الجزيرتين، دون أن يذكر اسمه صراحة، قائلاً إنه «كان مؤمناً بمصرية الجزيرتين كأستاذ جامعى مشرف على رسالة علمية، ثم روج لسعوديتهما بعد الاتفاق» (جمال طه، تيران وصنافير وكسر دائرة الأزمة، جريدة الوطن، الجمعة الأول من يوليو 2016م).
ورداً على هذا التلميح لشخصه، أكد الدكتور مفيد شهاب أن ما ورد بالرسالة العلمية المشار إليها يتعلق بأن مياه مضيق تيران مياه داخلية مصرية، لكنها لا تتعلق بتأكيد مصرية الجزيرة نفسها!. ثم أضاف الفقيه القانوني الدولي الكبير أنه حتى لو تضمنت الرسالة ذلك، فمن حق الباحث أن يختلف مع أستاذه المشرف، علماً بأن رئيس طاقم الإشراف على البحث آنذاك كان الأستاذ الدكتور حامد سلطان، رحمه الله (جمال طه، حول تيران وصنافير وكسر دائرة الأزمة، جريدة الوطن، الأحد 3 يوليو 2016م).
والواقع أن المادة 66 من الدستور المصري الحالي الصادر عام 2014م تنص على أن «حرية البحث العلمي مكفولة، وتلتزم الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها». وتقرر هذه المادة إحدى الحريات التي يغفل عنها الكثيرون في خضم الحديث عن الحقوق والحريات، ألا وهي الحرية الأكاديمية؛ فلا تقدم في البحث العلمي إلا بتوفر الحرية، والإبداع العلمي لا يمكن أن يتحقق إلا في مناخ ديمقراطي حر. ذلك أن غياب حرية الفكر وحرية التعبير تنعكس سلباً على الحرية الأكاديمية وبالتالي على حرية البحث العلمي. ومن المؤكد أن مجتمعاً تقيد فيه حرية التعبير وحرية الفكر هو مجتمع يفتقد إلى أهم شروط ومتطلبات البحث العلمي. والحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي لن تتوافر إلا إذا كان الأستاذ المشرف على رسالة الماجستير أو الدكتوراه متسامحاً يقبل بأن يختلف الباحث معه في الآراء والأفكار، طالما أن لرأي الباحث ما يؤيده من الحجج والأسانيد. وقد عدد الإمام أبو الحسن الماوردي، في كتابه «أدب الدنيا والدين»، الشروط الواجب توافرها عند طالب العلم، ذاكراً منها «الظفر بعالم سمح متأن في تعليمه». ولعل من المناسب هنا أن نذكر واقعة طريفة حدثت معي أثناء إعداد رسالتي للدكتوراه، حيث كانت الأستاذة الفرنسية المشرفة على الرسالة تؤكد أنها «محامي الشيطان» الذي ربما يقول شيئا غير مقتنع به بهدف استثارة الباحث وإخراج كل ما لديه من أفكار وآراء. وقد حدث في حالات كثيرة أن انتهيت في رسالتي إلى آراء مغايرة لما سبق أن قالت هي نفسها به. وقد تلقيت اتصالاً هاتفياً من أستاذتي في الليلة السابقة على مناقشة الرسالة تؤكد فيه على ضرورة الدفاع عن آرائي وأفكاري في مواجهة أوجه النقد أو الملاحظات التي يمكن أن توجه إلى من أعضاء لجنة المناقشة.
وعلى هذا النحو، يمكن القول بأنه ليس مطلوباً من الباحث أن يقتفي آراء الأستاذ المشرف على رسالة الماجستير أو الدكتوراه ويوافقه عليها، وليس مقبولاً من الأستاذ المشرف أن يفرض الآراء التي يقتنع بها على الباحثين الذين يعدون رسائلهم تحت إشرافه. ومن ثم، أتمنى ألا يكون خبر التحقيق في مثل هذه البلاغات صحيحاً، وأن تلجأ النيابة العامة إزاءها إلى استخدام أوامر الحفظ، حرصاً على وقت وجهد السلطة القضائية من أن يتم إهداره في بلاغات وهمية. والله من وراء القصد.
ساحة النقاش