الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

جريمة تسريب الامتحانات

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

 

        تتعرض الدولة المصرية وقت كتابة هذه السطور لمشكلة كبيرة تتعلق بتسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة. وللتعبير عن حجم هذه المشكلة، استخدم أحد الكتاب مصطلح «محنة»، مؤكداً أنها ليست محنة الثانوية العامة وحدها، وإنما هي محنة النظام التعليمي برمته، بل هي تمتد للأسف لتكون محنة مجتمعية، ولم يبالغ القائلون بأنها تهدد الأمن القومي أو الدولة المصرية بمعنى محدد وهو أن هذه المحنة تؤثر عليهما (أحمد يوسف أحمد، محنة الثانوية العامة، جريدة الأهرام، قضايا وآراء، الخميس 11 من رمضان 1437هــ الموافق 16 يونيو 2016م، السنة 140، العدد 47309). واستخدم البعض وصف «فضيحة» للدلالة على خطورة وفداحة ظاهرة التسريب (د. أسامة الغزالي حرب، فضيحة الثانوية العامة!، جريدة الأهرام، عمود كلمات حرة، السبت 13  رمضان 1437هــ الموافق 18 يونيو 2016، السنة 140، العدد 47311).

 

وإدراكاً لخطورة هذه الظاهرة التي باتت تهدد النظام التعليمي بأكمله وتخل بمبدأ تكافؤ الفرص، يغدو من الضروري البحث فيما إذا كان تسريب الامتحانات يشكل جريمة في منظور القانون الجنائي أم لا. وفي هذا الصدد، يلاحظ أن أحد الكتاب قد استخدم مصطلح «جريمة تسريب الامتحانات» (سعيد الشحات، جريمة تسريب الامتحانات، اليوم السابع، الخميس 9 يونيو 2016م). ولكن، يبدو أن قائل هذه العبارة لم ينصرف ذهنه إلى استخدام لفظ «جريمة» في المدلول القانوني له، وربما أراد فقط التعبير عن أن الرفض المجتمعي لهذا السلوك غير الأخلاقي. وقد كان هذا المعنى أكثر وضوحاً في بعض الكتابات الصحفية، حيث يقول البعض إن تسريب امتحانات الثانوية جريمة أخلاقية مجتمعية، مؤكداً أن ليس من توصيف لظاهرة تسريب امتحانات الثانوية العامة سوى أنها تجسيد لحالة الانحطاط الأخلاقي والفساد التي اصبح هدفها الحصول على ما هو ليس من حق مرتكبيها (جلال دويدار، تسريب امتحانات الثانوية جريمة أخلاقية مجتمعية، جريدة أخبار اليوم، عمود خواطر، الاثنين 6 يونيو 2016م).

 

وعلى كل حال، وتعقيباً على سؤال رئيس لجنة التعليم بمجلس النواب عن عقوبة المتورط في تسريب الامتحان، أكد المستشار مجدي العجاتي وزير الشئون القانونية ومجلس النواب أنه لا يوجد نص في قانون العقوبات عن تسريب امتحانات الثانوية العامة. وأضاف الوزير خلال اجتماع لجنتي التعليم والدفاع والأمن القومي بمجلس النواب أنه سيتم إصدار توصية لتوقيع عقوبة على المتهم بتسريب الامتحانات، مشيراً إلى أنه أفشى أسراراً من شأنها الإضرار بأمن المجتمع والوطن (يراجع: جريدة الوطن، السبت 11 يونيو 2016م).

 

        والواقع أنه لا توجد جريمة محددة في قانون العقوبات تحت مسمى «تسريب الامتحانات»، ولكن هذا السلوك يمكن أن يندرج تحت أحد نصوص التجريم الواردة في هذا القانون، ونعني بذلك جرائم إفشاء الأسرار والاختلاس والتربح والإضرار العمدي بمصالح الجهة الحكومية والرشوة. وقد سبق للقضاء أن تعرض لهذا الموضوع، وذلك بمناسبة الجناية رقم 12016 لسنة 2008 قسم المنيا. ففي غضون شهر يونيو عام 2008م، اتهمت النيابة العامة رئيس قسم امتحانات الثانوية العامة بمدرسة أبناء الثورة الابتدائية الكائنة في مركز بني مزار في محافظة المنيا بأنه قبل وأخذ لنفسه عطية ووعداً بها للإخلال بواجبات وظيفته بأن قبل مبالغ نقدية جملتها ثلاثة آلاف وستمائة جنيه وقبل وعداً بعطية على سبيل الرشوة مقابل تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة بمرحلتيها للعام الدراسي 2007/ 2008م وتسليم بعض الأشخاص النماذج التي بعهدته قبل ساعات من موعد انعقاد الامتحانات فيها بالمخالفة للقواعد والضوابط الصادرة من جهة عمله. كذلك، وجهت النيابة العامة الاتهام للمذكور بأنه اختلس أوراقاً مملوكة لجهة عمله، وهي نماذج من أسئلة امتحانات الثانوية العامة في مادتي التفاضل وحساب المثلثات للصف الثاني واللغة الانجليزية للصف الثالث، والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته حال كونه من الأمناء على الودائع والمسلمة إليه بهذه الصفة، بأن استأثر بمظاريف نماذج أسئلة امتحانات هاتين المادتين وعبث بها وفضها بطريقة غير ظاهرة مختلساً عدداً من أوراقها. واتهمت النيابة العامة المذكور أيضاً بأنه أضر عمداً على نحو جسيم بمصالح الجهة التي يعمل بها وزارة التربية والتعليم ومصالح الغير المعهود بها لتلك الجهة بأن قام بتسريب نماذج بعض أسئلة امتحانات الثانوية العامـة في المادتين محـل الاتهامـات السالفة قبل ساعات من بدء مواعيد وانعقاد الامتحانات فيها. كذلك، اتهمت النيابة العامة المذكور بصفته موظفاً عاماً حال كونه مودعاً إليه بمقتضى وظيفته سراً خصوصياً أؤتمن عليه، وهو أسئلة امتحانات المادتين سالفتي البيان، فأفشاها بأن سرب عدداً منها إلى باقي المتهمين وغيرهم من الطلاب.

 

        وهكذا، يتضح أن التكييف القانوني لسلوك تسريب الامتحانات في ظل نصوص التجريم العامة يختلف بحسب ما إذا كان المؤتمن على أسئلة الامتحانات قد تقاضى مقابلاً مالياً نظير تسريب الامتحانات أم لا. ففي الحالة الأولى، أي تقاضي مبالغ مالية، يتحقق النموذج القانوني لجريمة الرشوة، فضلاً عن جرائم الاختلاس والإضرار العمدي بمصالح الجهة الحكومية وإفشاء الأسرار. أما في الحالة الثانية، فيتحقق فقط النموذج القانوني لجرائم الاختلاس والإضرار العمدي بمصالح الجهة الحكومية وإفشاء الأسرار. وفي جميع الأحوال، يلزم أن يكون الجاني موظفاً عاماً مودعاً إليه بمقتضى وظيفته سراً خصوصياً أؤتمن عليه وهو أسئلة الامتحانات. فإذا انتفت صفة الموظف العام، أو لم تكن أسئلة الامتحانات في عهدته أو معهوداً إليه بالسر الوظيفي، فإن ثمة شكوك تثور حول توافر الجرائم آنفة الذكر.

 

 

ومن هنا، تبدو فائدة القرار بالقانون رقم 101 لسنة 2015 في شأن مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات. فوفقاً للمادة الأولى منه، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، «كل من طبع أو نشر أو أذاع أو روج بأية وسيلة، أسئلة أو أجوبة امتحانات تتعلق بمراحل التعليم المختلفة، العامة أو الخاصة، وكان ذلك أثناء عقد لجان الامتحانات، بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحان، سواء تمت الجريمة داخل لجان الامتحان أو خارجها. ويعاقب بذات العقوبة كل من ساهم بأية وسيلة في ارتكاب تلك الجريمة...». وبتطبيق هذا النص على وقائع التسريب التي نعيشها حالياً، نرى أنه كان من الأفضل حذف عبارة «وكان ذلك أثناء عقد لجان الامتحانات» وكذا حذف العبارة الدالة على توافر قصد خاص في هذه الجريمة، وهي عبارة «بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحان». ونرى من الملائم أيضاً تشديد عقوبة تسريب الامتحانات، بحيث تكون السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، وذلك بالنظر لجسامة الآثار المترتبة على هذه الجريمة.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 243 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2016 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

154,758