الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

الجميلة تشكو أهلها!!!

مقال بقلم الدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

 

        «لغتنا الجميلة» هو اسم برنامج إذاعي شهير من إعداد وتقديم الشاعر الكبير فاروق شوشة، والذي كان جمهور المذياع يتابعة يومياً على إذاعة البرنامج العام منذ شهر سبتمبر سنة 1967م، واستمر تقديمه لأكثر من ثلاثة عقود. ولعلنا جميعاً نتذكر مقدمة هذا البرنامج، والتي تتضمن أحد أبيات قصيدة «رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي» لشاعر النيل حافظ إبراهيم، والذي يقول فيه: «أنا البحر في أحشائه الدر كامن.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي». وقد كان هذا البرنامج بمثابة نافذة وإطلالة يومية على أوجه الجمال والإبهار في لغة الضاد. ومع نجاح هذا البرنامج، واستثماراً لهذا النجاح، تم تحويل المادة الإذاعية المسموعة إلى مادة منشورة في كتاب يحمل ذات العنوان، وهو «لغتنا الجميلة»، والذي صدرت الطبعة الأولى منه عام 1973م. ثم صدرت طبعة جديدة من هذا الكتاب ضمن مشروع مكتبة الأسرة، الذي توقف بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، ونتنمى أن يعود هذا المشروع الحيوي المهم، فلا يتوقف لمجرد ارتباطه باسم السيدة الأولى سابقاً «سوزان مبارك». وعلى كل حال، وكثمرة لبرنامج شاعرنا الكبير فاروق شوشه، أصبح اسم «لغتنا الجميلة» شائعاً ومتداولاً على الألسنة والأقلام في مصر والعالم العربي، وغدت صفة الجمال مقترنة بلغتنا العربية، فلا تكاد تذكر حتى يقال لغتنا الجميلة بدلاً من لغتنا العربية، الأمر الذي ارتأينا معه أن يكون عنوان المقال متضمنا وصف «الجميلة» للدلالة على «اللغة العربية»، وكما لو كان هذا الوصف اسماً لها.

 

        ويوم الثامن عشر من ديسمبر هو اليوم العالمي للغة العربية، والذي تم اعتماده بموجب قرار اليونسكو الصادر سنة 2012م بتخصيص يوم 18 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام للاحتفال بلغة الضاد. وقد تقرر الاحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ كونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة. والعربية من أقدم اللغات السامية، وأكثر لغات المجموعة السامية في عدد المتحدثين بها، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، حيث يتحدث بها ما يربو على 430 مليون نسمة، كما تعد من بين اللغات السبع الأكثر استخداماً في العالم الافتراضي (الانترنت)، والأكثر انتشاراً ونمواً متفوقة على الفرنسية والروسية.

 

        وتحل مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في ظل مخاطر جمة تتعرض لها لغة الضاد. بيان ذلك أنه مع هبوب رياح العولمة، تعاظمت المخاطر التي تتعرض لها العديد من اللغات، ومن بينها اللغة العربية. فقد أكدت الدراسات التي أجراها علماء اللغة أن الانخفاض الكبير في عدد اللغات المستخدمة في العالم يعزى إلى عوامل كثيرة، من بينها التوسع الثقافي والسياسي والاقتصادي للبلدان المهيمنة التي تتغلب لغاتها على اللغات الأخرى من خلال ما تفرضه من هيمنة وسيطرة. وقد ورد التأكيد على هذا المعنى في ديباجة اتفاقية اليونسكو بشأن حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، حيث لاحظ المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة أن «عملية العولمة، التي يسرها التطور السريع لتكنولوجيا المعلومات والاتصال، لئن تخلق ظروفاً لم يسبق لها مثيل لتعزيز التفاعل بين الثقافات، فهي تشكل أيضاً تحدياً يواجه التنوع الثقافي، وخاصة بالنظر إلى ما قد تولده من اختلال في التوازن بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة». كذلك، وفي ذات الإطار، تشير ديباجة القرار الصادر عن منظمة اليونسكو بشأن تطبيق سياسة لغوية عالمية تقوم على التعددية اللغوية إلى «الخطر الذي يتهدد اليوم التنوع اللغوي بسبب عولمة الاتصال».

 

        ومع ذلك، ورغم المخاطر الجمة التي تتعرض لها لغة الضاد، لا نغالي إذا قلنا بأنها تعاني الإهمال والجفاء من أهلها والناطقين بها. فقد يتباهى البعض باستخدام مفردات أجنبية في حديثه اليومي مع بني جلدته، معتقداً أن الحديث بلغة أجنبية دليل على المستوى الاجتماعي الراقي أو المتميز. وبدأنا نسمع عن لغة «الفرانكو أرابيك»، وهي عبارة عن أبجدية مستحدثة غير رسمية ظهرت منذ بضع سنوات، وتستخدم على نطاق واسع بين الشباب في الدردشة على شبكة الانترنت، وبحيث يتم استخدام الحروف والأرقام اللاتينية في كتابة الكلمات العربية. ويتخذ العديد من المحال التجارية أسماءً أجنبية لمحلاتهم، الأمر الذي يشكل إخلالاً فاضحا بأحكام القانون رقم 115 لسنة 1958 بوجوب استعمال اللغة العربية في المكاتبات واللافتات في إقليمي الجمهورية، ولو كانت هذه الأسماء مكتوبة بحروف عربية.

 

        وأخيراً، لعل ما يبعث على الدهشة والاستغراب هو التجاهل الرسمي والشعبي التام لمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، فلم نسمع شيئاً عن الاحتفال بهذا اليوم، يستوي في ذلك الفعاليات الثقافية والندوات الجامعية والإعلام المرئي والمقروء. وإزاء هذا التجاهل، فلا أقل من أن نتفهم أنين لغة الضاد وأن نصغي إلى شكواها من حجود أبنائها.    

 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 253 مشاهدة
نشرت فى 24 ديسمبر 2015 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

158,086