خصخصة القضاء
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
بادئ ذي بدء، أود التنويه إلى أن هذا المقال يركز على صور مشاركة القطاع الخاص في مرفق القضاء. نعم قد يبدو العنوان صادماً بعض الشيء؛ فالقضاء هو أحد المرافق الحيوية والأساسية في الدولة، وهو إحدى السلطات العامة الأساسية الثلاث التي لا يتصور خلو مجتمع منها، ولا يسوغ بالتالي أن يتم خصخصة الوظيفة القضائية بشكل كامل. وكل ما يمكن طرحه في هذا الشأن هو خصخصة بعض الإجراءات القضائية، بما يخفف العبء عن كاهل السلطة القضائية، وبحيث تتفرغ بالتالي لوظيفتها الأساسية وهي الفصل في المنازعات.
ولعل أول الإجراءات التي يتصور أن تكون محلاً للخصخصة هي الإعلانات القضائية. إذ يمكن أن تتم عملية الإعلان أو التبليغ بواسطة شركة أو مكتب خاص. وقد تبنت بعض النظم القضائية العربية هذا النهج، وبحيث عهدت إلى شركة خاص مهمة التبليغات القضائية. فعلى سبيل المثال، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تنص المادة الخامسة من قانون الإجراءات المدنية الاتحادي رقم 11 لسنة 1992م على أن «1- يتم الإعلان بناء على طلب الخصم أو أمر المحكمة بوساطة مندوب الإعلان أو بالطريقة التي يحددها القانون. 2- كما يجوز الإعلان بوساطة شركة أو مكتب خاص أو أكثر. ويصدر مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف النظام الخاص بعمل تلك الشركات والمكاتب والشروط المطلوبة لممارستها لعملها وفق أحكام هذا القانون. 3- يعد مندوباً للإعلان في هذا الشأن موظف الشركة أو المكتب الذي يتولى عملية الإعلان. 4- وإذا تعذر على مندوب الإعلان إجراء الإعلان وجب عليه عرض الأمر على القاضي المختص أو رئيس الدائرة – حسب الأحوال – ليأمر بعد سماع طالب الإعلان بإعلان الورقة أو بما يرى إدخاله عليها من تغيير».
وتنفيذا لهذا النص، صدر قرار مجلس الوزراء رقم 11 لسنة 2006م بشأن نظام عمل شركات ومكاتب الإعلانات القضائية. وطبقاً للمادة الأولى من هذا القرار، «يشترط في الشركات والمكاتب التي تزاول مهنة الإعلانات القضائية ما يأتي: 1- أن تكون من الشركات أو فروع الشركات أو المكاتب أو فروع المكاتب المنشأة في الدولة طبقا لأحكام القوانين السارية في الدولة. 2- أن يكون نشاط الشركة أو المكتب في إطار الخدمات المماثلة. 3- أن تلتزم الشركة أو المكتب بفتح فروع أو مكاتب في إمارات الدولة ومدنها الرئيسية. 4- أن تتمتع الشركة أو المكتب بالكفاءة اللازمة لممارسة عمل الإعلانات وأن تكون لديها القدرة الكافية لأداء عملها على أحسن وجه. 5- أن تلتزم الشركة أو المكتب بالقوانين والأنظمة والتشريعات المعمول بها في الدولة وخصوصا تلك المتعلقة بالعملية القضائية. 6- أن يكون موظفو الشركة أو المكتب على دراية تامة بالتوزيعات الإدارية والجغرافية في الدولة. 7- تلتزم الشركة بتدريب موظفيها على حسابها وفق برنامج التدريب الذي يعده معهد التدريب والدراسات القضائية بالتعاون مع وزارة العدل». وطبقاً للمادة الثانية من ذات القرار، «على الشركات والمكاتب التي تتولى مهمة الإعلانات القضائية الالتزام بما يلي: 1- إتباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية عند قيامها بتنفيذ الإعلان. 2- تنفيذ الإعلان المطلوب خلال المدة التي تحددها وزارة العدل سواء للقضايا العادية أو القضايا المستعجلة. 3- إعادة صورة من الإعلان بعد توقيعها من المستلم طبقا لذات المواعيد المقررة للإعلان. 4- المحافظة على سرية المعلومات والأوراق التي يطلع عليها الموظفون والعاملون بالشركة أو المكتب. 5- توفير فريق العمل اللازم بالإضافة إلى المتطلبات اللازمة لأداء عمله على الوجه الذي يحقق المصلحة. 6- الاحتفاظ بالسجلات اللازمة لقيد البيانات التي تجددها وزارة العدل. 7- عدم مباشرة موظفي الشركة أو المكتب لأية إعلانات تتصل بمن تربطهم بهم مصلحة أو قرابة حتى الدرجة الرابعة. 8- أية التزامات أخرى تحددها وزارة العدل في العقد المبرم مع الشركة أو المكتب». وتنص المادة الثالثة من ذات القرار على أن «تعد وزارة العدل العقود اللازمة لمزاولة مهنة الإعلانات القضائية وتفوض بالتوقيع عليها مع الشركات أو فروعها والمكاتب أو فروعها التي تتحقق فيها الشروط والالتزامات الواردة في المادتين الأولى والثانية من هذا القرار».
وفي ذات الإطار، تنص المادة السادسة البند الثالث من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني لسنة 2006م على أن «أ. يجوز إجراء تبليغ الأوراق القضائية بواسطة شركة خاصة واحدة أو أكثر يعتمدها مجلس الوزراء بناءً على تنسيب من وزير العدل، ويصدر لهذا الغرض نظام خاص لتمكين تلك الشركة من القيام بأعمالها ومراقبة أدائها وفق أحكام هذا القانون. ب. يعتبر محضراً بالمعنى المقصود في هذا القانون موظف الشركة الذي يتولى عملية التبليغ. ج. يتحمل نفقات التبليغ بواسطة الشركة الخصم الذي يرغب في إجراء التبليغ بهذه الطريقة، ولا تعتبر هذه النفقات من ضمن مصاريف الدعوى».
وهكذا، يجيز كل من المشرع الإماراتي والمشرع الأردني تبليغ الأوراق القضائية بواسطة شركة خاصة واحدة أو أكثر. ونعتقد من الملائم أن يتبنى القانون المصري ذات النظام، لاسيما وأن موضوع الإعلانات القضائية يشكل صداعاً مزمناً في منظومة العدالة القضائية المصرية.
ساحة النقاش